سيطرة الحوثين على مقاليد الحكم في اليَمن..
تاريخ النشر : 2015-02-08 12:10

في لعبة السياسة و تحقيق المصالح لا مكان للضمير الانساني ولا وجود لأي رادع امام تحقيق من تنسجه أروقه الساسة وتخطط لتنفيذه و الوصول للهدف الذي يحقق اهداف اطراف بعينها , وهذا ما نجده في المنطقة العربية تحديداً دوناً عن كل دول العالم والهدف المعلن لم يقف خلف هذه التوجهات هو تدعيم الديمقراطية وارساء قواعدها , وانتقال سلس للسلطة , وهنالك اهداف كثيرة غير معلنة تكشفها تدخلات الدول بإمكاناتها وطاقاتها.

تَعمل امريكا على تحقيق الاستفادة القصوى مما يحدث في الوطن العربي , وتُجند كل طاقاتها لتبقي على الهيمنة المنفردة على منابع النفط في بلاد الخليج العربي وتتقاطع سياساتها مع ما حدث اخيرا في اليمن و سيطرة الحوثيون على مقاليد الحكم في اليمن و الغاء الدستور الوطني و اعلانهم دستور خاص بهم سيدفع باليمن الى التقسيم و الشرذمة و الدخول في اشكاليات كبيرة خاصة مع رفض قطاعات شعبية و قوى سياسية لما حدث في اليمن بشكل متدحرج و منسق من قوى داخلية تشابكت مصالحها مع قوة الحوثيين و دفعتهم باتجاه التصعيد العسكري و استهداف كل مكونات الدولة و مفاصلها ولا يخفي على احد الدور النشط لحزب المؤتمر الشعبي الذى يرأسه الرئيس المخلوع "على عبد الله صالح" وهو اول من حارب الحوثيين على ارضه , وبعدما أُرغم على التنحي صار الى استغلال نفوذه و امكانياته وبنى حلفاً مع الحوثيين ضد الحكومة المركزية بهدف اثارة القلاقل وعدم استتباب واستقرار البلد , وهذا ما هو حاصل باليمن الان بموازه ذلك ترفض الفعاليات الشعبية و القوي السياسية الانقلاب على الحكم في اليمن , ما يجعل اليمن ينزلق الى هاوية الاقتتال الداخلي والطائفي مع من جاءوا للحكم بقوة السلاح المدعوم من قوى داخلية واقليمية و دولية تفاوتت بدعمها و اختلفت في آلياته و لكنه تتفق في المبدأ ولكل منها مأربها واجندتها الخاصة.
الصمت الدولي المريب حول ما يحدث في اليمن العضو بالأمم المتحدة يضع علامات استفهام تحتاج لإجابات وذات السؤال يوجه الى مجلس الامن الدولي واصداره قرار 2140 الخاص بالوضع اليمني لم يترجم فعلياً ولم يُلزم به احد من اطراف الصراع الدامي في اليمن ما يؤكد تقاعس الأخير عن دوره عما حدث في اليمن ويترجم واقعاً ينسجم مع مصالح امريكا و سياساتها في منطقة الخليج تحديداً ,والا ما كانت ستسمح به بالمطلق , واستغلت بذلك تَصدر الحوثيين للمشهد الدموي وفرض سياسة الامر الواقع , وغضت البصر عن ما يحدث بالإقليم اليمني بعدما حققه الحوثيين من نتائج قُدمت لها للمجان و لمصالحها , وهى ذاتها من تحارب القاعدة وتستهدفها وتُبرر ذلك امام العالم بمحاربتها للإرهاب وهو ما يعتبر تدخلاً سافراً في شؤون دولة اخري .
المستفيد من هذا التطور الدراماتيكي المتسارع لانهيار النظام السياسي السائد علي يد جماعة مسلحة يفتح الباب على مصراعيه امام تحديات كبيرة قائمة يحاول من خلالها الحكام الجدد فرض هيمنتهم على اجزاء كبيرة من اليمن تلقي معارضة شديدة من احزاب سياسية تختلف بأفكارها , وقوي ليبرالية وشعبية مدعومة بقبائل لها وزنها على الساحة السياسية اليمنية وفى مفاصل الدولة ما ينذر ببداية عهد جديد في اليمن تميزه الصورة السوداوية القاتمة , لأن هؤلاء جاءوا محمولين على سيارات الدفع الرباعي , ويمتشقون السلاح لتنفيذ اجندتهم بعيداً على الانتخابات المعمول فيها في أي نظام سياسي يبحث عن الاستقرار .
ايران تعتبر من الدول الداعمة للحوثيين في اليمن , ويُدين هؤلاء بالولاء لها , فهي تطمح ان يكون لها موطأ قدم راسخة في الخليج العربي وهذا طموح قديم جديد تسعي بكل ما لديها من امكانيات لتحقيقه في منطقة محورية حققه لها استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن الواقع جنوب المملكة العربية السعودية و امتيازه في موقعه على المحيط الهندي ان يكون مرتكزا لها على باب المندب حيث حركة التجارة الدولية ومساراتها الرئيسة لسفن الشحن القادمة من الشرق او الغرب و تدخل مضيق باب المندب , وفى موقع اخر تُطل علية الدولة الايرانية عند مضيق هرمز الشريان الرئيس والهام لحركة السفن التجارية وناقلات النفط العملاقة بين موانئ العالم , وهذا من شأنه أن يقوي ايران في منطقة الخليج العربي على حساب تقويض النفوذ العربي وتراجعه لدول مجلس التعاون الخليجي ويوجد معادلات جديدة في المنطقة , وهذا تؤكده تصريحات احد القادة العسكريين المصريين حينما صرح ان مصر لن تسمح بالعبث بمضيق باب المندب في اشارة الى سيطرة الحوثيين على مفاصل الدول اليمنية ولو استدعي الامر التدخل العسكري لحماية الملاحة و مرور السفن وصولاً لقناة السويس .
القرار 2140 جاء ليدعم العملية السلمية بين الاحزاب والقوي السياسية في اليمن ,وتنفيذ الاتفاقات المبرمة خلال مؤتمر الحوار الشامل بإجماع ممثلي الأحزاب والقوي السياسية كافة، ومنها إجراء استفتاء حول مشروع الدستور الجديد، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية , وهذا ما لم يلتزم ببنوده الحوثيين وبدأوا في شهر سبتمبر من العام المنصرم 2014م اعتماد اجراءات علي الارض تدحرجت الى صِدام مباشر مع قوي الامن و الجيش اليمني , ووصلت ذروتها حينما حُوصر القصر الرئاسي في اشارة واضحة الى عدم تراجع الحوثين عن اهدافهم في السلطة وتقويض سلطة الرئيس اليمني "عبد ربه منصور هادي" , ويُعتبر القرار الادق والاكثر تأثيراً على الحالة اليَمنية كونه يرسى مرتكزات مرحلة انتقالية في اليمن ووضعها تحت رقابة مجلس الأمن الدولي وجاءت بنوده تحت الفصل السابع الذي يسمح بتدخل عسكري في حالة وجود تهديد للأمن و السلم او الاخلال بهما ووقوع العدوان.
في اليمن انتهت حقبة , وبدأت أخري تؤشر لمستقبل مظلم لبلد لطالما عاش استقرارا هشاً على مدار عقدين ونصف من تحقيق الوحدة الجغرافية و السياسية بين شطريه الشمالي و الجنوبي , كان على رأسها الرئيس المخلوع "علي عبدالله صالح" , واليمن السعيد كغيره من الشعوب العربية الحية شملته رياح التغير ووطأت أرضه نسائم الربيع العربي التي انطلقت غرباً من تونس الخضراء وتحركت شرقاً لكنها لم تحقق حُلم اليمنيين بالحرية والعدالة الاجتماعية و لم ترسي قواعد الديمقراطية و لم تحقق التنمية البشرية و لم تحد من الفقر و البطالة ولم تضع حلولاً للازمات المنهك بها البلد, ولم تشهد تداولاً للسلطة ولا التزاماً بالدستور الوطني الذي شاركت كل القوي و الاحزاب السياسية بصياغة بنوده ليكون ملزماً ويؤسس لمخرج من عنق الازمة, دون ان يُلتزم به وتقابل الفرقاء على ارضية المصالح المشتركة وانطلقوا نحو العاصمة "صنعاء" واثاروا الرعب و الخوف وتمكنوا في نهاية المطاف تحقيق طموحهم بالسيطرة الامنية على اليمن وانقلبوا على الدستور, وضربوا بعُرض الحائط ما جاء في قرار مجلس الامن بشأن الازمة الداخلية , ولم يعيروا التظاهرات الشعبية الرافضة لما احدثوه أي اهتمام , وهذا ما سيضع الحوثين على المحك والايام القادمة كفيلة ان توضح الى ما ستؤول الية الاوضاع الداخلية المتفجرة في اليمن مع وجود معارضة كبيرة لسيطرة الحوثيين على الحكم و انقلابهم على الدستور الوطني المفروض انه ملزم و يضع حداً لحالة الانزلاق والتفكك في اليمن .
حينما يكون الربيع العربي عربياً قوميا وطنياً ثورياً عفوياً صافياً نقياً بعيداً عن الوصاية و الدعم و التخطيط الأجنبي يمكن ان يأتي أوكله , ويمكنه أن يحقق نتائج التغير و التصحيح المأمولة و تكون مطالبه شعبية مشروعة غير مرهونة بالتمويل الاجنبي و تدخلاتها حسب مصالحها ,حينها تصبح ثورة الشعب ومطمح تغير واقع الحال الى افضل يرسم ملامحه ابناء الوطن وفق ما تمليه المصالح العليا للوطن و اهمها الحفاظ على وحدة و تماسك الاقليم , والحفاظ على النسيج المجتمعي و ان اختلفت القوميات و المعتقدات داخل الوطن الواحد وعدم السماح بأي دور لأي كان من خارج الوطن قد يكون مشبوهاً, وهذا ما حدث في كل البلاد العربية التي تأثرت بعاصفة الربيع العربي , وغالباً لم تستقر الاوضاع الداخلية في بلدان الربيع العربي من تونس الخضراء مروراً بليبيا و مصر و سوريا و اليمن والبحرين , وكثير من الدول العربية على حافة الانفجار وتشتعل فيها النار تحت الرماد .