ما هو سر كل هذا الكرم الإماراتى وكل هذا الانحطاط الإخوانى؟
تاريخ النشر : 2013-11-23 09:28

بدعوة كريمة من مركز الإمارات والبحوث الاستراتيجية، اجتمع حوالى سبعين عربياً من عشرين بلداً عربياً فى مقر المركز بأبوظبى، لمناقشة مسألة التطرف بشقيها الفكرى والسلوكى. وحرص مدير المركز المضيف للندوة، الدكتور جمال السويدى، أن يوفر للمشاركين كل الحرية للتعبير عن اجتهاداتهم لتفسير التطرف، وسُبل التعامل مع مظاهره السلوكية، الفردية والجماعية، والصيغ المُثلى لإصلاح، واحتواء، أو إعادة تأهيل المتطرفين ودمجهم فى المجرى الرئيسى لحياة أوطانهم العربية. وستظهر مُداولات تلك الندوة المهمة فى إحدى مطبوعات مركز الإمارات. ولذلك لن أخوض هنا فى عرض أو تلخيص تلك المُداولات.

وبدلاً من ذلك سأنتهز الفرصة لمحاولة الإجابة عن سر الكرم الإماراتى، نحو مصر والمصريين، وما قوبل به ذلك الكرم من انحطاط الإخوان المسلمين، وغدرهم فى ذلك البلد العربى المضياف؟

تعود قصة الإخوان المسلمين مع بُلدان الخليج العربى إلى أربعين سنة مضت، وتحديداً منذ الصِدام الأول بين الإخوان وقيادة ثورة يوليو المصرية، حينما حاولوا اختطاف تلك الثورة فى منتصف خمسينيات القرن الماضى. وحينما فشلوا فى ذلك حاولوا اغتيال قائد تلك الثورة، وهو جمال عبد الناصر، ومع فشل المحاولة، شن عليهم عبدالناصر حملة مُطاردات، واعتقالات، ومحاكمات. وهرب عدد كبير منهم إلى خارج الحدود ـ سواء إلى أوروبا، أو السعودية وبُلدان الخليج. وتزامن ذلك مع نهضة تعليمية وتنموية هائلة فى تلك البُلدان. فاشتغل مئات الإخوان كمعلمين وأطباء ومهندسين فيها. وعاملتهم حكوماتها بكرم ملحوظ. فجلبوا أصدقاءهم وأقاربهم ومعارفهم.

وكعادة أفراد جماعة الإخوان المسلمين، المجبولين على السمع والطاعة، أمرهم مكتب الإرشاد، بتنظيم أنفسهم، ونشر دعوتهم بين أبناء البُلدان التى يعيشون فيها. كذلك طلب منهم أن يواصلوا وأن يواظبوا على تأدية اشتراكاتهم الشهرية، وهى 6% من مرتباتهم ودخولهم من أى نشاط حُر يُمارسونه. وقُدرت حصيلة تلك الاشتراكات بخمسة ملايين دولار شهرياً، أى ستين مليون جنيه سنوياً، خلال عقد الستينيات، تضاعفت خلال السبعينيات إلى مائة وعشرين مليوناً، ثم مرة أخرى فى الثمانينيات إلى ما يصل إلى مائتى مليون. وأهم من المبلغ الهائل هو أنه كان يُستثمر فى سويسرا، وجُزر البهاما بواسطة أحد قياداتهم، وهو الأخ يوسف ندا. كما كانت الحصيلة المحلية من هذه الاشتراكات تُستثمر فى مشاريع متنوعة فى مصر، تحت إدارة وإشراف نائب مُرشد الجماعة المُقتدر، وهو المهندس خيرت الشاطر.

المهم لموضوعنا، أنه على هامش مؤتمر مُناهضة «التطرف»، كانت أصابع الاتهام والإدانة كلها تُشير إلى الإخوان المسلمين، وإلى الجماعات التكفيرية، ثم السلفية، التى خرجت من عباءتهم، ثم سرعان ما عادت إليهم مع انتخاب د. محمد مرسى رئيساً لجمهورية مصر العربية.

ولكن الشىء الذى آلم أشقاءنا فى الخليج عموماً، وفى الإمارات العربية المتحدة، خصوصاً، هو الجحود الإخوانى، مُتمثلاً فى قيامهم بتكوين خلايا سرية بين أبناء الإمارات. وهو ما يتنافى على طول الخط، بل يتناقض، مع محاولة هذه البُلدان حديثة العهد بالاستقلال تعميق شعور المواطنة والولاء إلى كياناتها الفطرية الجديدة. فيأتى الإخوان من خارج الحدود، ويُحاولون تغيير هذا الولاء إلى أممية إسلامية مزعومة هى فى نهاية الأمر ولاء مُستتر لجماعة الإخوان، ولمكتب إرشادهم، والمُرشد العام، أو الخليفة المُنتظر.

وبالفعل، تم ضبط خلية إخوانية بواسطة شُرطة دُبى، وعينها الساهر رجل الأمن المُقتدر ضاحى خلفان. وبعد تحقيقات مُطولة، دامت سنة كاملة، قدمت أول دُفعة من المتهمين إلى المُحاكمة، التى بدأت يوم 4/11/2013، والتى كشفت جلستها الأولى، كما نقلتها صحيفة الاتحاد «الإماراتية»، عن أن توجيهات نائب المُرشد، م. خيرت الشاطر، كان ينقلها وسيط مصرى إلى أعضاء الخلية، وأن مجلساً للشورى ولجاناً فرعية تكونت فى كل أنحاء الإمارات، لكل منها مكتب إدارى يتلقى تعليمات المُرشد. وتم جمع 7.3 مليون درهم من كل خلية لدعم التنظيم الأم فى مصر، منذ ثورة يناير 2011.

هذا وكان قد سبقنا بأيام زيارة قام بها رئيس الوزراء المصرى، د. حازم الببلاوى، الذى عاد إلى مصر بحزمة مساعدات إماراتية، هى الأكبر فى تاريخ المساعدات الخارجية لمصر فى السنوات العشر الأخيرة. وكان سؤالى إلى الأخ جمال سند السويدى، رئيس مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية، ولزملائه فى المركز: ماذا وراء هذا الكرم الإماراتى؟

وكانت الإجابة تتراوح بين حُب مصر، وحبنا لأنفسنا، وحماية لأمننا الوطنى، ودفاعاً عن ثقافتنا العربية... وفى كل ذلك فمصر حاضرة... فقد تعلمنا فيها خلال الخمسينيات والستينيات... وأتى المصريون إلينا... وعلمونا هنا فى الإمارات، وبقية بُلدان الخليج منذ السبعينيات وإلى الآن... ونحن نُدرك الدور الحاسم الذى قامت به مصر، لتحرير الكويت، حين غزاها الطامعون... ونعلم يقيناً، ودون مُعاهدات، أن مصر ستنجدنا إذا تعرضنا لخطر أو عدوان... هكذا علمنا الشيخ زايد، مؤسس الاتحاد، وهكذا علمنا آباؤنا الذين يعشقون مصر، ويُدركون أن العرب لا يمكن أن تقوم لهم قائمة بدون مصر. لذلك فحينما ندعم مصر فنحن نرد لها جمائل سابقة، ونستثمر من أجل جمائل لاحقة.

فشكراً لأشقائنا فى الإمارات، وجعلنا الله وإياهم ذخراً لأمتنا العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة.

وعلى الله قصد السبيل.

عن المصري اليوم