في مواجهة المبررات المتهافتة للاستمرار في المفاوضات
تاريخ النشر : 2013-11-20 19:25

فاجأ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، الشعب الفلسطيني بإعلانه الواضح والصريح عشية لقائه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ، بأن الجانب الفلسطيني المفاوض سيستمر في المفاوضات لغاية انتهاء مدة التسعة شهور المحددة ، والمتفق عليها مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، " مهما حصل على الأرض " ، أي رغم عمليات التنكيل المستمرة بحق أبناء شعبنا ، ورغم الحملة الاستيطانية المستمرة ، التي دفعت كل من المفاوضين د. صائب عريقات و د .محمد شتية لتقديم استقالتيهما الشكلية .

وكما هو معلوم ، ووفق ما ذكره د. صائب عريقات في مقابلة له مع فضائية الميادين مؤخراً فإنه خلال جولات التفاوض السبعة عشرة منذ نهاية تموز الماضي ، وحتى مطلع تشرين ثاني الجاري ، شرع العدو الصهيوني في بناء 5591 وحدة استيطانية ، وقتل بدم بارد (25) فلسطينيا في مختلف مناطق الضفة الغربية ، وواصل الحصار على قطاع غزة .

وفي مقابلة هذا التساهل التفاوضي المريب ، من جانب السلطة الفلسطينية نلاحظ غطرسةً وتصلباً إسرائيلياً تمثل في تصريح رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو ، في مقابلة حصرية أجرتها قناة 24 news ( بأن تحقيق ما أسماه بالسلام يقتضي أن يلقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطابا موازيا - أطلق عليه اسم خطاب بير زيت - وأن يقول في هذا الخطاب " دولتين لشعبين ، واحدة يهودية تعيش جنبا إلى جنب الدولة الفلسطينية " ) أي يريد ويشترط موافقة رئيس السلطة الفلسطينية على أن (إسرائيل) هي الوطن القومي للشعب اليهودي – يهودية الدولة – مقابل اعتراف ( إسرائيل ) بالدولة الفلسطينية ، دون أن يحدد مكان وحدود هذه الدولة ؟!

تصريح عباس باستمرار المفاوضات ، رغم الهجمة الاستيطانية ينطوي على ما يلي :

أولاً : أنه يوفر الغطاء السياسي والقانوني ، لمزيد من الاستيطان في القدس والضفة الغربية ما يؤكد حقيقة العلاقة الطردية بين استمرار المفاوضات ، وازدياد عمليات البناء الاستيطاني.

ثانياً : أنه يطلق يد جنود العدو والمستوطنين للاستمرار في عمليات التنكيل بحق أبناء شعبنا وانتهاك المقدسات ، وتدمير المزروعات الفلسطينية ، ومواصلة حصار قطاع غزة.

ثالثاً : أن هذا الموقف ، يؤكد ما سبق وأن صرح به زير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام لجنة المتابعة العربية في باريس ، وبحضور وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكي بأن الجانب الفلسطيني قايض الإفراج عن 204 أسيراً فلسطينياً ، بالتنازل عن شرط وقف الاستيطان ، وبمنحة مالية قدرها 600 مليون دولار من جيوب دول الخليج .

 ولا يغير من حقيقة هذا الأمر ، قول المفاوض الفلسطيني بأن الرجوع للمفاوضات ارتبط بشرط وقف الاستيطان ، وأنه وافق فقط " على الحد الأدنى من البناء الاستيطاني في المستوطنات القائمة أصلاً " ، فمن يوافق على " الحد الأدنى من الاستيطان " يخرق عملياً شرط وقف الاستيطان.

ولا يغير من واقع الأمر أيضا، قول الجانب الفلسطيني المفاوض بأن الاستيطان باطل ومرفوض ، وغير ذلك من العبارات الإنشائية التي تستهدف احتواء الغضب في الشارع الفلسطيني.

وعلى سبيل التذكير فقط ، نشير بأن المفاوضات منذ اتفاقية أوسلو عام 1993 ، وفرت الغطاء السياسي لعمليات الاغتصاب الاستيطاني في القدس والضفة الغربية ، وبلغة الأرقام كان عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية عشية أوسلو (137 ) مستوطنة ، ووصل عددها في نهاية عام 2012 ( 482 ) مستوطنة وبؤرة استيطانية ، وكان عدد المستوطنين في الضفة بما فيها القدس " بضعة آلاف " وصل عددهم في نهاية العام الماضي (562 ) ألف مستوطن ، (53 ) في المائة منهم في القدس ومحيطها .

واللافت للنظر أن رئاسة السلطة الفلسطينية ، أقدمت على استئناف المفاوضات في تموز الماضي - بعد مقاطعتها لمدة أربع سنوات - بناء على مبادرة كيري ، رغم عدم موافقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عليها .

وهاهي تمضي في المفاوضات ، رغم رفض معظم الفصائل الفلسطينية الاستمرار فيها ورغم الهجمة الاستيطانية غير المسبوقة ، ورغم عمليات التنكيل المستمرة بحق أبناء شعبنا ، ورغم الاقتحامات المستمرة من قبل قطعان المستوطنين للمسجد الأقصى ، وشروع الكنيست الإسرائيلي ، في بحث مشروع تعديل قانون حماية المقدسات ، ليشمل المسجد الأقصى توطئة لتقسيمه زمانياً أو مكانياً بين المسلمين واليهود .

ويبرر الجانب الفلسطيني المفاوض ، موافقته على الاستمرار في المفاوضات ، رغم كل ما يجري على الأرض من استيطان وتنكيل بثلاث مبررات وهي :

أولاً : أنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية فشل العملية التفاوضية ، أمام المجتمع الدولي وخاصةً أمام الراعي الأمريكي.

ثانياً: أنه يريد استثمار تحميل (إسرائيل) مسؤولية الفشل ، لكسب واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي إلى جانبه ، في الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة .

ثالثاً : أنه يصبح طليق اليد في الانضمام لجميع المنظمات الدولية المتفرعة عن الأمم المتحدة وكذلك لمحكمة الجنايات الدولية.

إن أدنى قراءة لهذه المبررات ، يكتشف مدى تهافتها ، لأن القضية الفلسطينية لم تنشأ قبل سنة أو سنتين بل منذ 96 عاماً ، وخلال تلك الفترة جرى اغتصاب فلسطين عام 1948 وتم تقديم كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي والتقني للكيان الصهيوني ، من قبل الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية ، التي شكلت له مظلة حماية للكيان الصهيوني في مجلس الأمن ليستمر في أعمال التهويد والاستيطان دون أدنى عقاب.

فهذه الدول تدرك منذ أوسلو وحتى اللحظة أن ( إسرائيل) هي المسؤولة عن إفشال اتفاقات أوسلو – على سوءتها - وعن إفشال واي ريفر وخطة خارطة الطريق وأنابوليس وخطة كيري وغيرها ، لكنها ومع ذلك ستظل تقف إلى جانبها ، ولن تسمح بمعاقبتها ولن تسمح بحصول فلسطين على صفة " دولة عضو " بالضد من الموقف الإسرائيلي ، لأن (إسرائيل ) مصلحة إستراتيجية غربية مضمونة ، وهي عملياً حاملة طائرات أمريكية في الشرق الأوسط توظفها الولايات المتحدة باستمرار لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية وغيرها.

هذا كله من جانب ، ومن جانب آخر ، فإن انضمام فلسطين لبقية منظمات الأمم المتحدة ولمحكمة الجنايات الدولية ، لا يحتاج لموافقة الولايات المتحدة والدول الأوروبية ، بعد أن حصلت على صفة دولة غير عضو ( مراقب ) في الجمعية العامة للأمم المتحدة .

.ما تقدم من مبررات متهافته ، تكشف استمرار أصحاب نهج أوسلو في ذات الطريق الذي وضع القضية الفلسطينية على مذبح التصفية ، ما يستدعي من القوى الوطنية الفلسطينية أن تتجاوز حالة الارتهان والعجز والمراوحة في المكان ، باتجاه إعادة الاعتبار للإستراتيجية الوطنية الفلسطينية ولثوابت الميثاق الوطني الفلسطيني ، المرتكزة على ثلاث قواعد وهي :

أولاً : المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح ، ونبذ خيار التفاوض باعتبار أن الشعب الفلسطيني كان ولا يزال يعيش محلة التحرر الوطني .

ثانياً : الوحدة الوطنية الفلسطينية المستندة إلى أولوية المقاومة .

وثالثاً : العمق العربي للقضية الفلسطينية ، بحكم أن القضية الفلسطينية قضية قومية بامتياز وهي جوهر الصراع العبي الصهيوني .