معركة راتب .. أم معركة 'سلام'
تاريخ النشر : 2014-12-27 19:52

كتب حسن عصفور/ بعد أن أعلنت وسائل الإعلام أن مصر نجحت أخيرا، وبعد سنوات أربع، من أن تصل إلى  بر المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، وتوقيعهما الوثائق المكونة للاتفاق بالحرف الأولى، وبعدها بساعات كان القرار الأول لتلك النتيجة، قيام حكومة الطغمة الفاشية الحاكمة في إسرائيل بتعليق لقاء بين مسؤول مالي إسرائيلي مع مسؤول فلسطيني لتحويل عائدات الضرائب الجمركية، والتي هي حق فلسطيني خالص، تجمعها إسرائيل مقابل مبلغ مالي يتم اقتناصه أولا، ولكن وزير مالية الطغمة الحاكمة قرر وبالتشاور مع رئيسه أن يتم تجميد تحويل العوائد والبالغة ما يقارب 100 مليون دولار ( 300 مليون شيكل)، وذلك لوضع السلطة الوطنية الفلسطينية تحت ضغط جديد..

القرار الإسرائيلي، جاء ليفتح معركة سياسية، سبق أن تم خوضها منذ سنوات، بدأت لحصار السلطة الوطنية وخنقها ماليا خلال فترة الراحل الخالد ياسر عرفات، وتجدد لاحقا مرات عدة، وها هي الفاشية الجديدة تعيد المسألة، ولكن ببهتان سياسي لم يكن سابقا، فتل أبيب وحكومتها سارعت بالقرار دون أن تقرأ ما به، ولو تأخر التوقيع مثلا 48 ساعة ربما لتم تحويل الحقوق المالية الفلسطينية، لكن القضية لا يجب النظر لها من زواية فنية، أو تقنية، بل كونه موقف سياسي يضاف إلى الطريقة التي تعمل وفقها الحكومة الأكثر عنصرية في تاريخ حكومات دولة الاحتلال، وجاء قرارها ليكمل ما بدأ من معركة سياسية ضد الشرعية والموقف الوطني، بإيقاف 'مهزلة التفاوض' التي أرادتها حكومة بيبي..

وعليه لا يمكن رؤية قرار تل أبيب إلا ضمن سياق الحرب المعدة سلفا ضد السلطة الوطنية وموقفها السياسي، وأرادت أن تعيد استخدام سلاح المال لكسر شوكة الموقف الوطني، وكانت الفرصة التي تزامنت مع قرار حركتي حماس وفتح بالتوقيع على إنهاء الانقسام وقطع الطريق على الفائدة الذهبية للمحتل الإسرائيلي من العبور إلى الجسد الفلسطيني ونهشه عبر بوابة الكارثة الانقسامية.. وتجاهل حكام تل أبيب أن الفلسطيني الذي سبق له أن تم اختباره وتخييره، فهو اختار الكرامة الوطنية على لعبة سلاح المال والراتب، رغم وجود مئات آلاف الأسر الفلسطينية التي سيلحقها ضرر كبير وضائقة مالية جراء عدم تسديد فاتورة الراتب الشهري، والذي بات يصله بشكل منتظم، وبتعويض إضافي لما لم يصله في سنوات سابقة، أي أن الراتب أصبح سمة إيجابية للفلسطيني في عهد حكومات سلام فياض..

وبدأت معركة سياسية ضد قرار حكومة تل أبيب، من القوى الدولية وحتى بعض الإسرائيلية الرافضة لقرار نتنياهو 'الغبي' وفقا لوصف أحد قيادات حزب العمل الإسرائيلي المعارض والوزير السابق بن اليعازر، وقبله تحدث براك ورفض القرار وأمين عام الأمم المتحدة وكثير من مسؤولي الاتحاد الأوروبي، رفضوا قرار نتنياهو، تعالت الأصوات داخل دولة المحتل والعالم للعمل على تحويل المال الفلسطيني المجمد إلى الحكومة الفلسطينية، وهي ساحة معركة سياسية جديدة يمكن أن تشكل أداة فضح وتعرية وتشهير وملاحقة بنتنياهو وحكومته دوليا، وتفتح أبوابا واسعة لمطادرة العنصرية الإسرائيلية عبر قرارها 'الغبي'..

ولكن يبدو أن بعض أهل فلسطين، تصرفوا بتسرع غريب، لم يمعنوا التفكير في مغزى القرار الإسرائيلي، وإذ بهم يبدأون بمناوشات كلامية وإعلامية مع رئيس الحكومة د. سلام فياض، تحت ستار نقابي أو ما شابه ذلك، الراتب تأخر أسبوع وهو وضع يلحق الضنك بالأسر التي لا دخل لها سوى راتبها، ولكن هل تأخر الراتب كان بسبب من رئيس الحكومة الفلسطينية أم رئيس حكومة المحتل، هل من يجب فتح النار عليه وتركيز كل ما يقال سياسيا وإعلاميا ضده هو المحتل وقراره، أم رئيس حكومة فلسطين،  ما معنى أن يحاول البعض الفلسطيني مهما كان لقبه واسمه وموقعه أن يفتح 'جبهة حرب' جانبية مع سلام فياض ويطالب بتفسيرات وتوضيحات وواووووووات بلا حدود، لتأخر الراتب جراء قيام إسرائيل بتجميد تحويل الأموال الفلسطينية، معارك إعلامية بدأت تأخذ طريقها ضد سلام فياض تحت ذريعة تأخير الراتب، أي سذاجة يمكن لها أن تكون بتحويل مظهر المعركة من ساحة مع عدو محتل، إلى ساحة مقر رئاسة الوزراء في رام الله، بل إن بعضهم يريد أن يجيش لمظاهرات احتجاجية ربما تكون تحت شعار الشعب يريد راتبا.. كلام لم ينتظر ساعات لملاحقة حكومة نتنياهو على قرارها.. بل لم يحترم مضمون المعركة الوطنية التي ستكون مع دولة المحتل بعد النجاح في توقيع اتفاق المصالحة..

السؤال هنا وبوضوح، هل المسألة حقا معركة راتب .. أم هي معركة مسبقة من بعض ممن لا يريد لسلام فياض أن يكون رئيسا لوزراء الفترة الانتقالية.. لتسمى الأمور بمسمياتها الحقيقية بدلا من الاختباء خلف غطاء راتب الموظف.. فتلك ليس سوى تقزيم وتشويه لصورة الفلسطيني الذي سيتحدى الصعاب دفاعا عن كرامته الوطنية وقراره السياسي.. وليت من يتحفزون لتسيير مظاهرات الرواتب، أن يكونوا في مقدمة صفوف الجماهير يوم النكبة لمواجهة شعبية مع مغتصب الأرض .. بعضا من تعقل كي لا يبدو أن الراتب عند بعضهم أعلى شأنا من معركة الوطن..وقليل من كراهية لفياض كي نعمق كراهيتنا لمغتصب ومحتل..

ملاحظة: يبدو خالد مشعل رئيس حركة حماس الأكثر تأثرا إيجابا بالتطورات العربية.. في أحاديثة الأخيرة يتحدث بهدوء شديد وتركيز دون شعارات ضبابية.. يتحدث وكأنه (رئيس عام وليس خاص)..

تنويه خاص: إن صحت التقارير بانحياز الرئيس عباس لسلام فياض رئيسا لوزراء المرحلة الانتقالية، سيكون كسر حلقة الدوران في فلك فارغ.. ليت حماس تدرك هذه القيمة السياسية..

تاريخ : 9/5/2011م