لنجرب 'خيار تركيا' بانتخابات المنظمة أولا..
تاريخ النشر : 2014-12-27 19:15

كتب حسن عصفور/ أشاع أمر الرئيس محمود عباس بوقف الاعتقالات العشوائية في صفوف حركة حماس وغيرها ،جوا مريحا وأتبعه بقرار يمنع الحملات الإعلامية ضد حماس، وكان لكلا القرارين صدى مريح وإيجابي، واعتقد المواطن أن طريق'إنهاء الانقسام' سيغدو حقيقة وليس خيالا.. ولكن لم تمض ساعات على 'حبر القرارين' حتى جاءت الأخبار لتقول إن المسألة أعقد من أن تكون سريعا، فالاعتقالات مستمرة وفقا لبيان من حركة حماس، كما أن الرئيس عباس تحدث متهما حركة حماس بعرقلة الانتهاء من الانقسام والوصول للمصالحة 'تنفيذا لقرار إيراني' ، وهذه التهمة التي تغيظ قيادة حماس إلى درجة مذهلة، وبالتأكيد لن يتركها بعض من قادة حماس تمر مرورا هادئا..ما يعيد فتح معركة'الاتهامات المتبادلة' التي لا تنتهي وفقا لما يملكه كل طرف ضد الآخر..

'مسألة المصالحة الفلسطينية' قضية نالت كثيرا من الكتابة والعمل وتسجيل المقترحات،والتي لو أعيد قراءتها فقط لوجدنا أن الحل أكثر سهولة ،إن كان هناك رغبة بالمصالحة ووقف الكارثة الانقسامية ،دون الاستمرار في 'المصالح الفئوية ' التي تشكل العقبة الحقيقية للوصول إلى 'العقد التصالحي الفلسطيني' ، ولا يوجد عائق سياسي كبير أمام إنجاز ذلك،والعودة قليلا للوراء وما تم نشره منذ لقاءات دمشق سيجد المواطن الفلسطيني والعربي،أن البرنامج السياسي متفق عليه ولا خلاف حوله،وتم إبراز القضية الأمنية في صدارة 'العقبات' ثم أضافت لها 'حماس' مطبات إضافية منها قضية 'تبييض السجون' في الضفة الغربية، وهي مسألة إجرائية تنتهي فورا بقرار ليس إلا.. وعليه المصالحة الفلسطينية داخل حدود السلطة الوطنية بشقيها ، لا يبدو أنها قريبة بل قد يكون العكس ، رغم كل ما يقال هذه الأيام ..

والأسباب التي لا تبشر بقرب المصالحة ، لأسباب داخلية توجد في الأطراف ذات الصلة وتحديدا حركة حماس وجناحها العسكري،وحركة فتح ومن يعتقد أن حماس نتاج لقوى لا تضمر خيرا للقضية الوطنية ومنها الاتهام الدائم الحضور، المتمثل في التأثير الإيراني ، مثل هذه المفاهيم تنتج عقبات كبيرة أمام كيفية الخروج من 'دائرة الحصار السياسي' الذي يخترعه كل طرف ضد الآخر، ولا يخلو 'جراب كل منهما لرمي خصمه بسيل من التهم التي تساعد في الهروب'، علما بأن كمية الكلام عن الرغبات التصالحية تزن بالأطنان ، ولكن يبدو أنها لا تعدو كونها محاولة ستر لما هو مخفي عن الرؤية .. حتى أن مبادرة الرئيس عباس للذهاب إلى غزة لتشكيل حكومة مستقلين تتكفل بالتحضير للانتخابات القادمة بكل أشكالها ، وإعادة إعمار قطاع غزة ،باتت معضلة بدلا من أن تكون حلا..

 

ففتح تمترست خلف 'المبادرة الرئاسية' دون أن تدقق في تعقيدات قبول 'حماس' بها والتنازل المجاني عن 'حكومتها' الخاصة لصالح طردها من السلطة التنفيذية،وأيضا دون أن تقوم المبادرة بتحديد أكثر لآلية عمل المجلس التشريعي وكيفية محاسبة الحكومة وتشكيل المؤسسات الحكومية في المرحلة الانتقالية،والأجهزة الأمنية ومرجعتيها السياسية..أسئلة كثيرة يمكن أن تطرحها حماس ، وكان يمكن لفتح أن تعيد دراسة مبادرة الرئيس بطريقة جديدة..فإما أن تعتبر زيارة الرئيس إلى قطاع غزة ليست مرتبطة بما قيل عن 'تشكيل حكومة مهنية مستقلة' وأنها زيارة رئيس لجزء من الوطن،لفتح صفحة جديدة من الحوار الوطني،على أرض الوطن يكون الرئيس متابعا له وليس جزءا منه ، وهو ما يمنح المبادرة قوة ومصداقية،بينما يتوجب على حماس ألا تعارض زيارة الرئيس إلى قطاع غزة ما دامت تأتي في سياق منصبه الرئاسي وتبتعد عن استخدام 'ذرائع الأمن' للهروب من تهيئة المناخ للزيارة الرئاسية والتي قد تكون مفتاحا جوهريا لإنهاء الانقسام.. ولكن كلا الطرفين تعامل مع المسألة لإرباك الآخر وليس للتسهيل أمام الآخر..

ولأن المشهد السياسي الفلسطيني بات مربكا ومرتبكا ، لجهة كيفية الخروج من المأزق الحالي رغم كم المبادرات والأوراق واللقاءات ، بات من الضرورة السياسية الذهاب بعيدا عن ما هو شائع في كل الأوراق والمبادرات التي تم نشرها عربيا وفلسطينيا،الضرورة تستوجب تفكيرا جديدا ومعالجة غيرسائدة،تذهب إلى الأصل والوعاء الجامع للقضية والكيانية الوطنية،أن نعيد ملف المعالجة من بوابة 'منظمة التحرير الفلسطينية'،وأن يتم الإصلاح منها وبها .. (مسألة سبق أن تقدم بها كاتب هذه السطور منذ ما يزيد على العامين بالبدء بإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني وصولا إلى إعادة صياغة منظمة التحرير بكل مؤسساتها .. ولا أخفي أن بعضا من قيادات فتح وفصائل فلسطينية رحبت بها ،كما أن بعض قيادات حماس رأت بها مسألة تبدو منطقية، دون الجزم بالموافقة عليها) .. وذهبت الفكرة إلى أن قام السيد عزام الأحمد ،أحد قيادات فتح ومسوؤل ملف الحوار مع حماس،بإماطة اللثام عن مقترح تقدمت به الحكومة التركية كخريطة طريق للمصالحة الوطنية تبدأ أولا بإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني،وتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى فترة لاحقة .. ونقاط تفصيلية أخرى ..

وللحق يمكن القول إن مقترح تركيا الجديد يمثل 'حلا سحريا' إن كانت هناك رغبة حقيقية للمصالحة الوطنية والولوج في طريقة 'الشراكة السياسية' للسير في طريق تحقيق الأهداف الوطنية ، فالمنظمة هي 'الوعاء الأم الحاضن' للقضية الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد والكيان المعنوي العام للشعب في كل أماكن تواجده،ولذا إجراء الانتخابات لجسمه التشريعي( المجلس الوطني) في الضفة والقطاع وحيث يمكن ذلك ،ووفقا لمبدأ التمثيل النسبي كما وافقت عليه كل فصائل وقوى الشعب بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، سيكون نقطة انطلاق جوهرية لتصحيح مسار العمل الفلسطيني برمته ، فتصحيح الأصل والذي لم يعد عليه خلاف (نظريا) سيكون انقلابا سياسيا تاريخيا ، فالانتخابات للمجلس الوطني خاصة في الضفة والقطاع،ستسمح بمشاركة مختلف القوى التي لا تشارك في انتخابات المجلس التشريعي ،باعتباره نتاج اتفاق أوسلو وفقا لما يعتقدون،ولكنهم على استعداد للمشاركة في انتخابات المجلس الوطني، وهذه مكسب سياسي كبير..

وستفرز الانتخابات وفقا لمبدأ التمثيل النسبي 'خريطة قوى جديدة' في إطار منظمة التحرير لكل فئات الشعب وقواه،بما يجسدها قولا وفعلا ممثلا شرعيا وقائدا لمسيرته الكفاحية،وعندها تصبح هي صاحبة السلطة الأعلى على السلطة الوطنية بكل مكوناتها المحلية في الضفة والقطاع،بل ويمكنها وفقا للجديد الانتخابي أن تحدد مسار الحكومة السياسي في المرحلة المقبلة والتي يتم الحديث عنها من القيادة الفلسطينية كاستحقاق سبتمبر .. فنتائج الانتخابات للمجلس الوطني ستعيد صياغة اللجنة التنفيذية وتجدد شبابها وتمنحها روحا وقدرة تأثير وحضور ليس في الضفة والقطاع فحسب بل لكل أماكن التواجد الفلسطيني ، وستفرض مؤسسات المنظمة المنتخبة مكانتها عربيا ودوليا ، ومنها سيكون قياس حقيقي لقوة وحضور وتمثيل كل قوة من القوى، وهو ما يمكن استخدامه قياسا للقدرة المؤثرة في المجتمع الفلسطيني ..

أن نبدأ بانتخابات المجلس الوطني خلال شهرين أو ثلاثة من الآن ،هي خطوة تاريخية بكل المقاييس، وسيكون لها آثار جوهرية على الحضور الفلسطيني،خاصة أن الجميع يطالب بها،فلو أرادت القيادة الفلسطينية قطع الطريق على استمرار التدهور لتبدأ بفتح الطريق لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ومنه انتخابات لجنة تنفيذية جديدة ورئيس جديد لها،وعليه تكون منظمة التحرير الجديدة هي صاحبة اليد العليا للحفاظ على 'المصلحة العليا للشعب الفلسطيني' .. لنجرب هذا 'الخيار التركي الجديد' .. فلن نخسر أكثر مما نحن به من خسارة وطنية وشعبية ..

ملاحظة:يبدو أن مصير الرئيس مبارك المنتظر وفقا لتهديدات 'ثوار يناير' زاد من وحشية القمع الرسمي للمتظاهرين في بلاد تشهد حراكا يريد الحرية والكرامة والخبز النظيف..

 

تاريخ : 17/4/2011م