روبرت فيسك ... عرفات والسم «الأميركي الإسرائيلي»
تاريخ النشر : 2013-11-20 13:47

ما كتبه الصحافي البريطاني الشهير روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت البريطانية وتحت عنوان «ثقة ياسر عرفات بـأميركا و»إسرائيل» السم الحقيقي وراء مقتله» وبغض النظر عن التوافق مع الكاتب من عدمه إلاّ أن ما جاء في المقالة يعبّر بشكل دقيق عن الأسباب الحقيقية التي وقفت وراء اغتيال الراحل عرفات على الرغم من أن فيسك يعترف بأنه لا يهتم كثيراً لأمر الراحل أبو عمار. ولكن الكاتب وبشكل مباشر يذكر في مقالته أن السم الحقيقي الذي قتل عرفات هو ثقته بالولايات المتحدة الأميركية «وإسرائيل».

المقالة تضمنت أحداثاً كثيرة تتعلق بالراحل عرفات في سياق حياته السياسية والأيام الأخيرة من حياته في مقر المقاطعة في رام الله. وقد حمل الكاتب من خلالها مسؤولية وقوع الراحل أبو عمار في الكثير من الأخطاء التي جعلت شعبه يدفع ثمنها. وليس آخرها اتفاق «أوسلو» الموقع عام 1993. حيث ما زال أنصار عرفات السياسيين يقدمون التنازلات حتى يومنا هذا في إشارة إلى السلطة وقبولها استئناف المفاوضات مع الجانب «الإسرائيلي» مجدداً.

ومن يقرأ المقالة التي أتت مع الذكرى التاسعة لرحيل عرفات وظهور نتائج التحاليل المخبرية الخاصة بالراحل وأسباب وفاته يتوقف أمام سؤال من أية خلفية ينطلق الكاتب في مقالته وما تضمنتها؟ ليستتبع بسؤال آخر لماذا كتب روبرت فيسك مقالته بما تضمنتها من سرد لأحداث تتعلق بالراحل كما أسلفت؟. من يقرأ سيرة الكاتب فهو المراسل الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة الأندبندنت البريطانية ومن أشهر المراسلين الغربيين خلال العقود الثلاثة الماضية وهو واكب كل الأحداث الهامة في المنطقة ومن القلائل من المراسلين الذين تمكنوا من إجراء مقابلة مع أسامه بن لادن. وهو فوق كل ذلك من المعارضين لسياسة كل من بريطانيا وأميركا. يسهل عليه الإجابة على السؤالين السالفين. فالخلفية التي انطلق منها هي إن لم نقل معادية فهي لا تتوافق وسياسات الإدارة الأميركية القائمة على محاباة وحماية الكيان «الإسرائيلي» من المساءلة عن جرائمه وممارساته بحق الفلسطينيين كيف لا وهو كان شاهداً على مجازر «إسرائيل» بحق الفلسطينيين واللبنانيين في صبرا وشاتيلا عام 1982 في لبنان وفي قطاع غزّة في حرب عام 2008 2009. لذلك لا يمكن أن نحسب كلامه على أنه انطلق من خلفية معادية إلى قضية الشعب الفلسطيني. أما لماذا سرد الكاتب لهذه الأحداث؟ فهو أراد أن يوجه الانتباه وينعش ذاكرة من لا يريد أن يتذكر أن الإدارة الأميركية ومعها كيان الاحتلال «الإسرائيلي» لا يمكن الوثوق بهما. ومهما قدم إليهما من تنازلات في نهاية المطاف الجزاء هو الموت بشتى الطرق والوسائل لا يهم المهم التخلص من أعدائهما على الرغم من التوقيع على اتفاقات سلام وهي في الأصل استسلام. والكاتب قال مباشرةً بما يشبه الخطاب «إن على السلطة ومنظمة التحرير أن تتوقفان عن وهم الرهان على الولايات المتحدة الأميركية وأعني الدولة والإدارة» فهي ما كانت يوماً لتكون اليوم راعية نزيهة للعملية السياسية أو المفاوضات. وهي أمام مصالحها ومصالح كيان الاحتلال «الإسرائيلي» لا تتوانى عن فعل أي شيء بما فيه القتل والاغتيال واحتلال الدول وحبك ونسج المؤامرات ضد خصومها بل وأعدائها والشعب الفلسطيني وعالمنا العربي من منظومة هؤلاء الخصوم والأعداء. كيف لا وقد استخدمت حق النقد الفيتو في مجلس الأمن لعشرات المرات عندما كان يتعلق الأمر بحق الشعب الفلسطيني وعناوين قضيته أو إلى تجريم الكيان «الإسرائيلي» على أفعاله وممارساته اللاأخلاقية واللاإنسانية. وبالتالي التوقف عن وهم إمكانية أن يكون هناك «سلام» مع كيان اغتصب واستوطن الأرض وارتكب المجازر بحق الشعب استباح المقدسات اقتلع الشجر والبشر ويحتجز خلف قضبان زنازين سجانيه الآلاف من الأسرى. وهو بالرغم من لهاث وإصرار بعض أصدقاء عرفات كما وصفهم الكاتب لا يزالون مصرين على تقديم كل شيء. وليس آخر الفصول ما أدلى به السيد محمود عباس رئيس السلطة حين قال: «نحن ملتزمون في المفاوضات وفق المهلة الزمنية المحددة لها مهما كانت الوقائع على الأرض» بمعنى أن استمرار الاستيطان وفرض الاحتلال لوقائعه على الأرض فالسلطة مستمرة ومتمسكة في المفاوضات.

وختم الكاتب مقالته بتوضيح رؤيته على أن الراحل عرفات أراد من الرئيس الراحل صدام حسين أن يحرِّر فلسطين معتقداً قدرته على تحقيق ذلك. وصدّق الأميركيين «والإسرائيليين» ولكن إرث الثقة دمر أمل قيام دولة فلسطينية. وهذا السم الذي ينبغي أن يُدرس هو الثقة التي أعطاها عرفات إلى أميركا «وإسرائيل».

وختاماً! إن الكاتب قد غيّب عن قصد أو من دون قصد حقيقة أن الراحل عرفات أيقن في نهاية الأمر ولكن بعد فوات الأوان للأسف أن لا ثقة لهؤلاء فأطلق العنان لانتفاضة الأقصى وفتح الباب على مصراعيه للمقاومة.