رحلة غزة ..لتكن رئيسا وليس محاورا
تاريخ النشر : 2014-12-23 15:50

كتب حسن عصفور/ احتل المشهد الفلسطيني مكانا له وسط الأوضاع العربية – الدولية المضطربة جدا ، أو كما بات دارجا وصفها ، تسونامي الطبيعة المرعب في اليابان حيث آلاف من أهل اليابان غائبون بين قتيل ومفقود ، ووضع نووي هو الأخطر منذ ما بعد الحرب الثانية ، فيما الخسائر الاقتصادية ستبدو ثانوية لشعب كسر كل محاولات هزيمة إرادته بعد خسارة الحرب العسكرية ، فبنى بلدا قفز إلى فضاء التأثير الدولي، بينما التسونامي السياسي العربي يفعل فعله ، مع جنوح لم يكن في حساب البعض في اليمن وليبيا وبمظهر قادم من سوريا والبحرين ، في انتظار حراك مرتقب في منطقة أخرى. حضر المشهد الفلسطيني بفضل شباب قرروا أن يقولوا بأن شباب فلسطين كان طليعة التغيير الكفاحي العربي منذ منتصف التسعينيات وما بعدها لسنوات طويلة ، فانتفض بحراك ضد الداخل المرتبك بالانقسام وقرر أن يضغط إلى حين تحقيق: الشعب يريد كنس الانقسام .. كي يمكن كنس الاحتلال ..

والمفاجأة الكبرى لحراك شباب آذار – مارس الفلسطيني ، لم تكن دعوة هنية للقاء الرئيس عباس في أي مكان ، كونها دعوة تكررت كثيرا وجاءت كما سبقها لتبيان حسن النوايا ، وسبق للدكتور عزيز دويك أن بادر بإيجابية أكثر عندما عرض الذهاب بصحبة الرئيس عباس إلى قطاع غزة لينهي الانقسام ، وتندر البعض في حينها على رغبة كان بها خروج عن 'المألوف السائد' ، ولعلها كانت الأقرب للمنطق ، رغم أنه لم يواصلها لسبب خاص بحركته 'حماس' وبحركة'فتح' التي سخرت من تلك الدعوة ، لكن حدثت المفاجأة الأهم منذ الانقلاب العام 2007 بإعلان الرئيس محمود عباس استعداده للذهاب إلى قطاع غزة ، ولكنه وضع ما يفهم منه شرطا : الذهاب لتشكيل حكومة مستقلين لتعمل للتحضير للانتخابات المختلفة ..

وهنا ، يجب التعامل مع المبادرة أو بالأدق العرض الرئاسي من جوانب مختلفة لما كان سابقا ، فهو يملك كل الحق ألا يذهب للحوار فهذه ليست من شأنه ، وليست مهامه بل من مهام ممثلي القوى ، بعيدا عن النقطة التي وصل إليها الحوار ، والذي لم ينته بعد رغم كل التقدم المنجز في آخر لقاءات دمشقية بين فتح وحماس ، لكن الرئيس عليه أن يذهب دون أدنى شرط ، بل الذهاب كونه رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية وقبلها رئيس دولة فلسطين وآخرها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الشرعي المنتخب بشكل ديمقراطي جدا ، تلك وليس غيرها ما يجب أن يحكم رحلة الرئيس عباس إلى قطاع غزة ، يذهب رئيسا وليس محاورا ، ليتفقد كل ما أصاب القطاع وما حل به بداية من مطار الشهيد ياسر عرفات إلى بيت لاهيا وبيت حانون مرورا برفح وخانيونس وقلعتها الشهيرة التي هزمت غزاة ، وليتذكر ما كان أيام 1956 يوم أن هتف الناس ( خانيونس يا بورسعيد .. كفاحك كفاح مجيد) تجسيدا لمقاومة سكان المدينتين ضد العدوان الثلاثي ، لافتا النظر إلى ما حل بالقرارة ودير البلح والمغازي والبريج والنصيرات ودوار الشهداء قبل أن يعبره لحي الزيتون الذي سطر واحدا من شواهد جرائم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ، حي سكني لن تمحيه السنون ، معيدا ذكرى صبرا وشاتيلا، وستمر على الشجاعية والصبرة وشارع جمال عبد الناصر أو ما يحلو لأهل غزة أن يقولوا شارع الثلاثيني ،وتفحص الجامعة الإسلامية وكذا جامعة الأزهر التي كانت حصنا للدفاع عن الشرعية الفلسطينية في غيابك ، وأعرج إلى المجلس التشريعي وألقي نظرة على لوحة الخالد ياسر عرفات الشهيرة : لن يتكمل حلمي إلا بك يا قدس ، وواصل إلى مركز الشوا حيث عقد أول مجلس وطني فلسطيني العام 1996في شهر نيسان أبريل وأنتخبت به أمينا لسر المنظمة حيث منه أصبحت رئيسا لها بعد رحيل الخالد أبدا أبو عمار ، ومن هناك إلى مقر الرئاسة وأجلس على المكتب الذي دنسه بعض الصبية دون أن يعوا رمزيته ..

ومن مكتب الرئيس واصل مهامك الرئاسية ، دون أي نقصان ، تحدث مع رؤساء العالم ومسؤوليها لتشرح لهم الوضع الفلسطيني والموقف الذي يجب أن يكون من وقف للاستيطان إلى مبدأ الحماية الدولية وصولا لإنهاء الاحتلال وقبلها حصار القطاع وفتح المعبر بشكل دائم وإعادة العمل على بناء ما دمرته حرب العدوان، ولا تناقش الانقسام مع أحد ، فوجود الرئيس في غزة هو بداية كسر الانقسام .. ترأس أول اجتماع للجنة التنفيذية والقوى الوطنية لتشرح لهم الاستحقاقات الوطنية التاريخية في سبتمبر القادم ، وما هو المطلوب من الآن إلى تلك الأيام ، في ظل المتغيرات العربية والدولية ، لتبدأ حملة مواجهة الخيارات من موقعك في قطاع غزة ، ولتنقل كل قيادة مهام المرحلة القادمة إلى (  المنتدى مقر الرئاسة في غزة بدلا من المقاطعة مقر الرئاسة في رام الله) ..

مهام الرئيس إدارة الشأن العام الوطني بكل ملفاته ، ومن هناك تتابع ما يستجد من نتائج حوار وطني ، بل ويمكنك أن تطلب خالد مشعل لزيارة القطاع وليكن اللقاء العام في غزة بدلا من عواصم ، ولنضع كل الأوراق فما لدينا اليوم كثير منها . وجود الرئيس وممارسة مهامه من القطاع سيكون أقوى سلاح لكسر الانقسام ، فلا تستطيع عندها حماس تجاهل أنك الرئيس المنتخب ، وستجبر على التعامل وفقا لذلك ، ولن يكون لقواها الأمنية قدرة المساس بك أو من تلتقي به ، مهما حاول البعض تهويل ذلك ، وستنهض حركة الحراك لإنهاء الانقسام بدفع جديد .. تلك بوابة العبور للنصر الفلسطيني على هزيمة الانشقاق والانقسام .. وما قاله يوما السيد منيب المصري بأن أبو عمار ما كان ليسمح لنفسه ألا يذهب لغزة اليوم التالي للانقلاب مهما كانت المخاطر .. وعندها ما يكون انشقاقا ..

لتكن رحلة رئيس فلسطين لممارسة مهامه من مدينة غزة ( العاصمة السياحية البحرية لفلسطين) ، ولا داع لأي كلام آخر .. تلك البداية لطي صفحة الماضي ..

وليت الرحلة تكون عبر معبر رفح ومن أرض مصر الثورة ، علها تكون حافزا مضافا للزيارة – الإقامة ، وقد يكون عبورا مقاربا لعبور الزعيم أبو عمار في الأول من يوليو – تموز 1994 .. سيخرج أهل غزة لاستقبالك في رفح وعلى طول الطريق بدلا من بوابة من الجانب الإسرائيلي .. كم هو أكرم أن يودعك المصري الجديد بثورته نحو وطنك بدلا من جندي محتل ينتظر هزيمتك وشعبك .. وتأكد أن هنية وقادة حماس إلى جانب كل وطني سيكون في انتظارك رئيسا .. وليس محاورا .. اعقلها وتوكل لتدير شؤون الوطن من المكان الأكثر حرية رغم الخطف القائم الآن ..

ملاحظة: مصر إلى أين:السؤال الأهم بعد أن تتم معرفة نتائج الاستفتاء مساء اليوم .. مصر الثورة بها جديد ولكن كيف يتم حمايته من 'جنوح البعض' السياسي وكأنها عملية لسرقة مبكرة لثورة كان وقودها آخرين أيضا ..

 

تاريخ : 20/3/2011م