القدس تغيب عن القرار الفلسطيني- العربي في مجلس الأمن
تاريخ النشر : 2014-12-23 10:08

واضح بان قضية القدس التي ارتكبت بحقها خطيئة كبرى في الاتفاق الانتقالي – اوسلو – بتاجيل مصيرها الى المرحلة النهائية،حيث طوال العشرون عاماً التي مرت على الاتفاق والاحتلال يسابق الزمن ويسارع ويصعد من خطواته واجراءاته وممارساته التهودية والاستيطانية التي من شأنها ان تخرج القدس من أي مفاوضات قادمة،حيث تم اغراقها ب"تسونامي" إستيطاني،وليس فقط من خلال جدار الفصل العنصري ولا الأحزمة الاستيطانية الخارجية،بل من خلال الأطواق الداخلية،اقيمت المستوطنات في قلب الاحياء العربية،لكي يجري تحويل السكان الفلسطينيين في القدس الى جزر متناثرة في محيط يهودي واسع.

واليوم وبعد ان بلغ السيل الزبا،وفي ظل الحرب المستعرة من قبل الإحتلال ضد القدس والمقدسيين،كان المقدسيون يأملون من السلطة الفلسطينية،أن تتوجه الى المؤسسات الدولية،وبالذات التصديق على ميثاق روما والعضوية في محكمة الجنايات الدولية،لكي تعاقب الإحتلال على جرائمه وانتهاكاته بحق القدس والمقدسيين(الإستيطان،السيطرة على الأقصى،إبعاد وطرد المقدسيين).

وبعد فشل المفاوضات وتوجه السلطة الفلسطينية الى مجلس الأمن الدولي بعد طول مماطلة وتلكؤ ورهان على المفاوضات،قدمت السلطة الفلسطينية مشروعها باللون الأزرق لمجلس الأمن الدولي،وتركت الباب امامه مفتوحاً للتعديل والشطب والاضافة والتغيير،ودون سقف زمني.

والتعديلات التي ادخلت على المشروع نتيجة البازار التنازلي المسبق من قبل السلطة الفلسطينية،المسكونة بتخطي حاجز "الفيتو" الأمريكي والحصول على التسعة أصوات،جعلها تقدم تنازلات جوهرية مست بالتحديد قضايا جوهرية في المشروع الفلسطيني- العربي الذي جرى تجويفه،من قبل الدول الأوروبية الغربية،وعبر التهديد الأمريكي،ليصبح نسخة مطابقة للمشروع الفرنسي المقدم باسم الإتحاد الأوروبي،وربما بسقف أهبط من ذلك،وهذا يعكس حالة هلع وخوف وارتعاش فلسطيني على مستوى القيادة من الإدارة الأمريكية،ولا يعكس إرادة فلسطينية تنوي المجابهة والصدام او الخروج من خيار ونفق المفاوضات العبثية.

فالمشروع الفلسطيني تحدث عن القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية،والمشروع المعدل يتحدث عن القدس كعاصمة مشتركة للدولتين،وهذا ينطوي على مخاطر جدية وحقيقية،وبما يستجيب للرؤيا الإسرائيلية بأن القدس عاصمة الإحتلال "الأبدية" وهذا النص يعني بأن تكون العاصمة الفلسطينية في أي بلدة او حي من احياء القدس،وليس بالضرورة القدس الشرقية،مع سيطرة اسرائيلية إدارية على المدينة.

والتنازل الآخر هو ان المشروع المعدل يتحدث عن مفاوضات تستند إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967،وليس على أساس هذه الحدود، باعتبارها خطاً للترسيم، ما يفتح الباب رحباً مرة أخرى، لمشاريع "تبادل الأراضي" متعددة الأشكال،والنسب المئوية،بدءا بالحدود الدنيا من الأراضي كما يطالب الفلسطينيون وانتهاء بمشروع ليبرمان الذي يتحدث عن تبادل واسع (إقليمي) للأراضي،يشتمل على الأرض والسكان، ويخلّص إسرائيل من 300 ألف مواطن فلسطيني من عرب – 48، مقابل إعلان ضم المستوطنات الكبرى ومجالها الحيوي في الضفة والقدس.

والتعديلات الأخرى ليست أقل شاناً وأهمية من التعديلات السابقة،فالمشروع العربي- الفلسطيني،تحدث عن سقف زمني لإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 في تشرين ثاني/20016،أما التعديل فيتحدث عن عودة للمفاوضات لمدة عام ،ومن ثم يجري الحديث عن إطار زمني مع نهاية/2017،وهناك فرق جوهري بين تحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال،وبين العودة لملهاة المفاوضات،بدون عقوبات أو قرارات ملزمة،عقب إنتهاء مدة التفاوض،وعدم إلتزام اسرائيل بذلك،وأيضاً المشروع البديل والذي ليس له علاقة بالمشروع الأصلي،يتحدث عن رعاية امريكية للمفاوضات،وليس رعاية دولية،ونحن جربنا وخبرنا جيداً ما انتجته الرعاية الأمريكية.

ومن المزيد من التنازلات المقدمة في النص المعدل،ومنها استبدال الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعبارات تتحدث عن النية لهذا الاعتراف في المدى الزمني المقرر لقيام هذه الدولة، إي على امتداد ثلاث سنوات ... ما يعني أن التنازل الجوهري في موضوع القدس، قد دفع مقدماً وكاملاً، فيما الحصول على الاعتراف، ما زال مؤجلاً وعرضة للتقسيط والتسويف.

واذا كانت الصورة تبدو كما طرحته وشرحته في هذه المقالة،فما فائدة التوجه الى مجلس الأمن الدول ،والحصول على قرار منه بهذه الصورة،سوى ان يضاف الى أرشيف وأدراج الأمم المتحدة كغيره من القرارات السابقة،التي لم ولن تجد طريقها للتنفيذ،والطامة الكبرى بأن هناك من يهلل لمثل هذا القرار،وربما يعتبره نصراً مؤزراً يحتاج للإحتفالات والرقص في الشوارع،وهذا "النصر" يعفي الطرف الفلسطيني من التوجه لإستكمال عضويتنا في بقية المؤسسات الدولية،حتى لا تغضب ولا تزعل علينا امريكا،أمريكا التي تبدو في تشددها وتطرفها بالنسبة لحقوقنا المشروعة،اكثر تطرفاً وعداءا من اسرائيل،وهي تبرر عدم موافقتها على القرار الفلسطيني،بالقول ان من شأن ذلك تعزيز قوة اليمين الإسرائيلي،وخطة آحادية الجانب،وكأن كل ما تقوم به اسرائيل من إستيطان وقمع وتنكيل وابعاد بحق الفلسطينيين،ليس خطوات آحادية الجانب؟؟؟.

وما كان لأمريكا وحتى اوروبا الغربية واسرائيل،ممارسة مثل هذه البلطجة والعربدة،لو كان هناك موقف فلسطيني وعربي صلبين،ومالكين لإرادتهما السياسية،ومن يقبل ان يقدم تنازلات جوهرية قبل بدء نقاش قراره المقدم لمجلس الأمن،لن يستطيع الثبات على موقفه،وسيفرض الموقف الإسرائيلي بشأن القدس مستقبلاً وعلى نحو أسوء.