ثلاثية التيه السياسي الفلسطيني
تاريخ النشر : 2014-12-21 18:52

كتب حسن عصفور/ لا يحتاج المتابع للمشهد الفلسطيني جهدا لإدراك حجم 'التخبط' الذي بات يسيطر على الحالة السياسية الراهنة، فيما يخص ثلاث مسائل رئيسية تتحكم في مسار القضية الفترة المقبلة، وثالوث 'التيه السياسي' الجديد يتعلق بملفات 'معركة سبتمبر واستحقاقها' ، 'المصالحة ومآلها' و' الملف التفاوضي ومصيره'، ثلاثة ملفات باتت هي المسيطرة على المشهد، حالة من العشوائية والارتباك باتت تسيطر على التعامل مع كل من الملفات، ولا توجد صورة واضحة محددة لأي منها..

 

'خيار أيلول – سبتمبر'

بل أكثر من عام، ومع الصدام السياسي العلني بالموقف المتطرف العنصري الإسرائيلي، أعلن الطرف الفلسطيني أن لديه 7 خيارات سيتعاطي معها وفقا للمعطيات السياسية المقبلة، بعد التنسيق مع الدول العربية من خلال لجنة المتابعة، وأخذت البيانات والتصريحات تتوالى لتفسير كل من تلك 'الخيارات' والضرورة التي باتت تفرضها لمواجهة التطرف والصلف لحكومة نتنياهو، الرافضة كليا للمفاوضات والتسوية سوى بشروطها التركيعية الإذلالية، ووصل الأمر إلى أن هناك تغييرا جوهريا على ألية المواجهة مع السياسية الإسرائيلية قد تصل إلى درجة الانفجار الشعبي من خلال ما تم الحديث عنه من القيادة الفلسطينية وخاصة الرئيس عباس بالمقاومة الشعبية، كسلاح فلسطيني للرد على السياسية الاحتلالية التصعيدية، في الاستيطان والتهويد والاستخفاف الكلي بالعملية السياسية، ورويدا رويدا بدأت تتقلص حركة 'الخيارات السبعة' واحدا وراء الآخر، إلى أن وصلت أخيرا إلى 'خيار الأمم المتحدة'، واعتقد الجميع أنه سيكون الجدار الواقي الأخير في المعركة السياسية العلنية.. وقررت القيادة الفلسطينية المضي قدما بخيار الأمم المتحدة، ولكن القرار جاء مرتبكا بشكل مثير..

لم يعد خافيا أن هناك اتجاهات سياسية تتباين في كيفية التعاطي مع هذا 'الاستحقاق'، فطرف ما زال يتعامل معه وكأنه'مناورة سياسية' للضغط على الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من أجل تحسين شروط الحركة السياسية، أي أنه لا يتعامل معه كخيار الضرورة الحاسمة، وهناك طرف يعلن مسبقا أن لا قيمة عملية للقرار حتى لو صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيبقى الواقع قائما، ومع هؤلاء يلتقي طرف فلسطيني لا يقيم وزنا من حيث المبدأ لهذا التوجه باعتباره سرابا، في حين نجد طرفا فلسطينيا يتعاطى مع هذا الخيار باعتباره أحد أشكال المواجهة السياسية الضرورية ليس مع المحتل فحسب، بل مع واشنطن وتحالفها الدولي المستهتر بالقضية الفلسطينية، ولذا يعتقد هذا الطرف أن المسألة يجب أن تتم ضمن رؤية واضحة وحاسمة وغير مرتبكة أو 'حالة احتمالية' كما هو سائد.

وجاء تشكيل 'غرفة عمليات معركة أيلول – سبتمبر' من القيادة الفلسطينية دون وجود تمثيلي لأي قوة سياسية واعتبارها 'لجنة فنية' كرسالة بأن الخيار ما زال ليس حاسما بشكل قاطع، وأنه ينتظر حدثا ما لإعلان تعطيله والكف عن استخدامه، كما سبق مع'الخيارات الستة الأخرى' ،( قد يصبح غاية في الصعوبة أن يتذكر البعض تلك الخيارات أصلا)، وهو ما يفسر المقولة التي باتت سائدة في كلام قيادات فلسطينية ،مقولة إذا تمت الموافقة على 'مبادئ أوباما' سنلغي الخيار بالذهاب.. مفهوم يؤكد للقاصي والداني أنه ليس خيارا جادا وضروريا عند البعض الفلسطيني..

 

'المصالحة ومآلها'

قبل شهرين من اليوم تم توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية كخطوة أولية على طريق 'إنهاء الانقسام'، الذي ألحق ضررا تاريخيا بالقضية الفلسطينية وبصورة الكفاح الفلسطيني المجيد، ومنحت دولة الاحتلال فرصة سياسية غير مسبوقة لتمارس سياسة تهويدية – استيطانية في ظل الانقسام كما لم يسبق لها ذلك، ولذا جاء القبول الشعبي السريع والعفوي بالتجاوب مع التوقيع، دون تدقيق فيما هي بنود ما تم التوقيع عليه، وأمل غالبية الشعب، رغم المحاذير والمخاوف، أن تكون نهاية حقيقية للكارثة الوطنية، واتفقت أطراف المصالحة على مدة شهر لتشكيل حكومة انتقالية لمدة عام، تتولى ملفات محددة وأبعدوا عنها ملفات الأمن والسياسة، واعتقد الجميع أن ملفات الحكومة لن تكون عائقا لشخصية رئيسها، باعتبار أن القضايا الرئيسية ستكون معالجتها في مواقع ولجان أخرى، ولكن مضى شهران ولم يحدث ما يمكن أن يشير إلى أن هناك متغيرا سياسيا حقيقيا نتاج ذاك التوقيع، ولم يتم نقاش لأي من ملفات المصالحة سوى بحث أسماء لرئيس وزراء انتقالي غير ذي صلة بالملفات الجوهرية، ولم يصلوا إلى نتيجة، وتحول الحوار الوطني إلى 'لقاء ثنائي' ليثير حساسية سياسية فوق الفشل في الانتهاء من القضية الأيسر في الملفات الأكثر تعقيدا، تعددت اللقاءات الفتحاوية الحمساوية، ولكن المحصلة صفر كبير جدا..

لم يحدث تقدم حقيقي، ولا يوجد ما يشير إلى ذلك في المستقبل القريب، بل المؤشرات تذهب باتجاه الانتقال من المصالحة إلى التصالح ، من إنهاء الانقسام إلى مرحلة التقاسم، الحفاظ على 'الوضع القائم'، مع أقل ما يمكن من حالة 'الصدام والردح السياسي' في حالة  التباين، إلى حين بروز مستجدات قد تفتح أبوابا لحل يمكن 'التعايش' معه لكل من طرفي الأزمة الوطنية، فلم يعد خافيا على أحد أن هناك تعقيدات تمنع المضي قدما بالمصالحة، تعقيدات داخلية وأخرى خارجية، هناك أطراف داخلية ليس لها مصلحة إطلاقا بإنهاء الانقسام وأهل فلسطين يعرفون ذلك جيدا بتفاصيل دقيقة، هناك من لا يستطيع تحمل 'تكلفة المصالحة والثمن اللاحق لها'، خاصة الملف الأمني بكل تشعباته وتنوعاته الداخلية ، أو تلك المتصلة بالاحتلال، ملف أكثر تشابكا بكثير مما يمكن وصفه بعبارات مقتضبة، وبه من الأسرار التي تحد من يد صاحب القرار هنا أو هناك، ملفات متراكمة تبرز أمام طرفي الأزمة، وتثقل كاهلهم، ولذا قد يكون الحال على ما هو عليه الأنسب لهما، وعليه لا بحث في ملفات غير الملف'الشكلي المعطل – من هو رئيس الحكومة'، وكأن ملفات كملف منظمة التحرير والمجلس التشريعي والمصالحة الاجتماعية وتبيض السجون وصياغة رؤية لكيفية عمل معبر رفح لمساعدة مصر في كيفية التعاطي الإيجابي لرفع الغبن والظلم عن حركة المواطن الفلسطيني، وبدء العمل بتشيكل لجنة وطنية وليست فئوية للبحث في طبيعة الوظيفة العمومية بشقيها المدني والعسكري، عشرات من المسائل التي يمكنها أن تكون إلى جانب البحث في من هو ' دولة الرئيس المنتظر'..

 

المفاوضات

لا تزال 'الرغبة التفاوضية' هي الحالة السائدة في الموقف السياسي الفلسطيني، فرغم مضي أكثر من عامين على وصول نتنياهو مع حكومته العنصرية ، وسياسية معلنة صريحة أن لاتفاوض إلا بشروط محددة، شروط لا يمكن لأي فلسطيني مهما كان متخاذلا، أو من 'بقايا روابط القرى' أن يقبل بها، أولها شرط 'يهودية الدولة الإسرائيلية' بكل ما يحمله من مخاطر الترحيل للفلسطيني الذي بقي مزروعا فوق أرضه التي اغتصبت العام 1948، ومعها القبول بتهويد المدينة المقدسة وإلغاء مضمون قرار الامم المتحدة 194 الخاص باللاجئين، شروط يكررها يوميا، ويمارس تنفيذها ساعة بساعة، فوق أرض فلسطين التاريخية ، عنصرية وتهويد داخل المغتصب منها، واستيطان وتهويد وحصار للجزء المحتل منها، وقبل ذلك أعلن رئيس تلك الحكومة أنه يفخر بأنه تمكن من تدمير اتفاق أوسلو، وألغى المرجعية الأساسية للمفاوضات بالتواطؤ مع الإدارة الأمريكية من بيان أنابوليس حتى مبادئ أوباما.. ومع ذلك ما زال الحديث اليومي للقيادة الفلسطيني بأن المفاوضات هي 'الخيار' ويمكنها أن تجب غيرها من خيارات، حتى وصل الأمر بالإعلان أن لا دولة فلسطينية إلا من خلال المفاوضات..

حالات متعددة في المشهد الفلسطيني تشير أكثر من أي شيء آخر إلى أن التيه السياسي هو سيد الموقف الفلسطيني راهنا.. مشهد يحتاج تعديلا جذريا وجوهريا كي لا تكون الخسائر أكثر من مضاعفة، داخليا وخارجيا.. والنوايا الحسنة لن تحقق نتائج حسنة مع دولة كإسرائيل و'حليف كأميركا'..

ملاحظة: الديمقراطية المصرية الجديدة تنتج أحزابا وقوى كما لم يسبق لها.. لكن الأطرف هو قول أحدهم بأن 'السماء باتت تمطر أحزابا إسلامية' ..قول يشير لما بات عليه حال تيار الإسلام السياسي في ظل مناخ 'ديمقراطي'..

 

تاريخ : 3/7/2011م