تركيا تطرق أبواب ' التدخل الأجنبي' ضد سوريا
تاريخ النشر : 2014-12-21 18:45

كتب حسن عصفور/ تسارعت في الأيام الأخيرة الحركة العالمية للتنديد المكثف بما يجري في سوريا من قتل وجرائم ترتكب يوميا، وتغيرت اللغة الناصحة التي سادت أسابيع طويلة، إلى لغة منددة حاسمة في طلباتها ولم تعد كلاما عاما، ومنذ أن تداعت المجموعة الأوروبية لإدانة موقف الحكومة السورية تجاه المتظاهرين والمسألة تتجه نحو أبعاد لم تكن في حسابات النظام السوري، حتى الموقف الأمريكي الذي حافظ في البداية على ما هو أقل من 'الوسطية' نحو الوضع السوري انتقل بشكل مفاجئ إلى التصريح بأن على الرئيس الأسد أن يختار بين الإصلاح أو التنحي، وفقا لما قالته الوزيرة كلينون، ليصبح أن الرئيس السوري لم يعد مقبولا ولا مكان له لاحقا ، كما قال وزير الدفاع الأمريكي غيتس..

تحركات متسارعة ومواقف تتجه للتصعيد غير المتوقع  تجاه سوريا، فرغم الموقف الروسي والموقف الصيني الذي يشكل حجر عثرة لإصدار قرار لمجلس الأمن يدين سوريا ونظامها، إلا أن الموقف الدولي يتجه بشكل متسارع جدا لتطويق النظام السوري عبر سلسلة إجراءات قد تطبق الحصار عليه كما لم يكن سابقا، أو يتم فتح الباب على مصراعية لشكل من التدخل الدولي، من خلال إجراءات متنوعة تبدأ بالبعد الإنساني وتنتهي بملاحقة مرتكبي الجريمة.. وكأننا أمام مظهر مكرر للمشهد الليبي برتوشات مغايرة، لكن جوهرها ليس بعيدا فيما بدأت به مسار القرارات التي أنتجت 'تدخلا أطلسيا غربيا' بمساعدة عربية لـ'إنقاذ' ليبيا من حكم القذافي..

ولا يمكن أن تكون التصريحات التركية خلال الساعات الماضية وفي يوم واحد من رئيسها ورئيس وزرائها جاءت في معرض المصادفة، الرئيس التركي قال كلاما يتجاوز كل أشكال البرتوكول الديبلوماسي وتجاهل كلية وجود 'علاقات' جوار وصداقة لسوريا والأسد لأيام خلت، وقوله إن تركيا تراقب تطورات الوضع في سوريا وهي ستتخذ كل الأشكال الضرورية المدنية والعسكرية لمنع أي تدهور على الصعيد الإنساني،  كلام لا يوجد به أي حالة غموض على ما يجري الإعداد له حاليا في دوائر عالمية مختلفة، ولعل المسألة تتضح أكثر فأكثر بعد قراءة متأنية لتصريحات طيب رجب أردوغان المتتالية، خلال الحملة الانتخابية، فالرجل تحدث بلغة جديدة تماما عن الوضع في سوريا، ظهر كأنه أحد قادة المعارضة السورية، وهو يصف الجرائم التي ترتكب هناك وذهب أبعد من ذلك بوصفه 'وحشية' ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري تجاه المعارضين والتنكيل غير الإنساني والأخلاقي بجثث القتلى، ما اعتبره أردوغان 'فظاعات' غير مقبولة .. ولم تقف حدود 'المعارضة الأردوغانية' عند حدود الوصف والإدانة السياسية – الأخلاقية لـ'فظاعات' النظام السوري، بل أرسل 'تهديدا صريحا' إلى الأسد بقوله المباشر: ' أننا لن نسمح بحماة ثانية' ..

وبقراءة مشروع قرار مجلس الأمن ولغته الهروبية نوعا ما لتجنب الفيتو الروسي، سنجد أن القرار يفتح الباب أمام تدخل دولي لاحق لما بعد القرار ضد سوريا، يشير القرار إلى 'جرائم ضد الإنسانية قد تكون ارتكبت'، ما يعني أن الأيام القليلة المقبلة ستشطب هذه 'القد' وتصبح العبارة دونها، لكن المفاجأة المذهلة التي تتجاوز تلك العبارة ما يرد في نص القرار : 'المزيد من القلق من المخاطر على السلام الإقليمي والاستقرار الذي يشكله الوضع المتردي في سوريا، والوضع في الاعتبار المسؤولية الأولية للحفاظ على السلام الدولي والأمن تحت ميثاق الأمم المتحدة' .. هذه العبارة وحدها كافية تماما لأن يصبح التدخل الدولي بكل أشكاله السياسية – العسكرية والاقتصادية مشروعا ضد النظام السوري، حيث يراه قرار المجلس خطرا على السلام الإقليمي، ما يعني أنه من حق من يتهدد جراء هذه الأحداث في سوريا العمل بكل 'السبل لمع مخاطرها' .. ولم يتم الكلام عشوائيا عن المخاطر على 'السلام الإقليمي والاستقرار' بل هو باب من أبواب التشريع لطرفين دون غيرهما لاتخاذ ما يمكن اتخاذه ضد سوريا لحظة محددة، والمقصود هنا تحديدا تركيا وإسرائيل، خاصة بعد فتح' باب التظاهر' في الجولان، وإن كانت دولة المحتل لم تتحدث علانية بعد عن نواياها المقبلة نظرا للعداء الشعبي العربي لأي فعل يمكن أن يصدر عنها ومنها، فإن تركيا أعلنت وبشكل صريح أنها تستعد للخطوة المقبلة حفاظا' على الاستقرار والسلام الإقليمي' من خطر قد يتهددها جراء الأحداث السورية..

ويبدو أن فتح باب 'النزوح الجماعي' من مناطق شمال سوريا للداخل التركي بداية لإبراز مشكلة إنسانية خطيرة تهدد لاحقا 'الأمن القومي التركي'، مع ما يمكن أن يتطور لشكل من بروز عمليات عسكرية يمكن استخدامها لتبرير ما يتم التخطيط له لاحقا، والمسألة هنا لا يجب وضعها في السياق الأخلاقي أو الانتخابي كما يحلو البعض تصوير الموقف التركي والانقلاب السياسي الكامل من النظام السوري، ولو أن المسألة قضية انتخابية – أخلاقية فحسب لكانت التصريحات شديدة جدا وقوية ولكنها لا تصل إلى مرحلة التهديد المباشر وليس المستتر، فكلام عبد الله غول عن الاستعداد لسيناريوات متعددة ومنها العسكري وتصريح أردوغان عن عدم السماح بحماة جديدة ليست سوى رسالة تهديد عسكري بالغة الدلالة والوضوح، وتكشف بعضا مما يدور في الغرف المغلقة دوليا لما بعد قرار مجلس الأمن المقبل..

وتركيا قد تكون البوابة العملية للتدخل المقبل، وهي استعدت جيدا لذلك من خلال السماح للمعارضة السورية بالعمل العلني وعقد مؤتمر دعا لإسقاط النظام السوري، وهو فعل ما كان يمكن تخيله لشهر سبقت التطورات الأخيرة، ولنتخيل لو أن دمشق مثلا، سمحت لحزب كردي معارض عقد مؤتمر فوق أرض سورية، ماذا سيكون الرد التركي، دون نقاش ستتحرك القوات العسكرية نحو الشمال السوري كما سبق لها أن تحركت نحو الشمال العراقي.. فسيادة تركيا لا تخضع لحسابات تكتيكية عند حكامها مهما كان اسم الحزب أو القائد، ولنتذكر قضية عبدالله أوجلان وتطوراتها .. ولذا ما يحدث اليوم من تركيا ليس سوى حركة قياس للموقف السوري – العربي، وردود الفعل على ما يمكن أن يكون، ولكنه فعل يتم التحضير له بجدية كاملة، وليس حركة انتخابية فحسب من جانب الحزب التركي، لكسب مزيد من الأصوات تحت عباءة الأخلاق والإنسانية، رغم أنها ضمن الحسابات أيضا، لكنها تأتي في أسفل درجات الحساب السياسي العام للدولة التركية، التي يبدو أن كل الطرق العربية باتت تؤدي إلى عودة ' العظمة التركية' دوليا..

الحسابات التركية متعددة جدا وفوائد موقفها الأخير، بعد خسائر أصابتها في مستهل المعركة الليبية، ستفوق ما يمكن تسجيله في خانة ' ورفض الفظاعات والإنسانيات' .. مواقف تبحث عن رؤية استراتيجية جديدة لوضع إقليمي مختلف كل الاختلاف عما كان عليه الواقع سابقا.. وما بعد 2011 ليس كما هو قبله ..

ولكن هل ما زال بالإمكان أفضل مما كان في عملية الحساب الرسمية السورية، أم تتواصل حركة البعث بكل ما يحيط بسوريا وما يخطط لها دون انتباه من الحكم، هناك فسحة ضيقة جدا لإنقاذ سوريا دون أن تذهب في عالم ' المجهول' السياسي، بأمل أن يدركها من عليه أن يتعظ من تجارب الغير.. ولعل الرسالة الروسية لاستقبال وفد من 'المعارضة السورية' خلال فترة وجيزة تستحق التعامل معها بفطنة قيل إن كان للرئيس الأسد..

ملاحظة: ليس من المستبعد أن يكون نتاج أحداث اليمن ' يمن جديد' ولكن في كيانين وليس كيانا واحدا.. تصريح أبو بكر الغطاس اليمني الجنوبي خير دليل .. 

 

تاريخ : 12/6/2011م