المحاكمة...
تاريخ النشر : 2014-12-21 14:33

كتب حسن عصفور/ لن يكون يوم الثالث من آب – أغسطس حدثا تاريخيا لمصر وحدها، ولن يكون يوما من أيام كتابة عصر جديد لشعب مصر وقواه التي بحثت عن النور طويلا، لكنه سيكون يوما لبداية عصر ليس كغيره لأمة عربية عندما وجدت رئيس مصر الذي كان يعتقد أن الحكم دام له وسيدوم لولده من بعده في قفص، لبدء محاكمة القرن لفرعون لم يتخيل يوما أن يكون مكانه بعد ثلاثين عاما من حكم مصر هو ذاك القفص وعلى ناقلة المرضى يراقب ويسمع ويتنقل بعينيه يسارا ويمينا، في حالة من اللاوعي واللا تصديق، محاكمة القرن التي لا تشبه غيرها من محاكمات حكام غير عرب سيقوا يوما إلى قفص محكمة الشعب.. يوم للتاريخ سيفتح صفحة جديدة للثورة المصرية التي يحاول أعداؤها بكل لون وملة، قتلها في مهدها، بكل ما يمكنهم من أساليب ومحاولات وشعارات وأثواب .. مصر بعد المحاكمة ستكون مصر غير ما قبلها.. ومفارقات الشعب المصري لا تنتهي بيوم إسقاط الرئيس بل تمتد لرؤيته ممدا في قفص ينتظر حكم التاريخ عبر قضاء مصر بشعاره الذي لم يهتز :العدل أساس الملك ، وهو أيضا أساس الحكم.. مقولة تغاضى عنها كثير من حكام بلادنا المنكوبة ..

المحاكمة التي ستعرف في قادم الأيام بمحاكمة القرن، بدأت بمفارقات ستكون جزءا من المشهد التاريخي، موكب للرئيس السابق يتحرك من مشفى شرم الشيخ إلى المطار.. موكب كما كان يوما ولكنه بمضمون وشكل مختلف عما كان.. موكب مبارك اليوم كان موكب متهم سيارات شرطة ودراجات نارية لتأمين وصوله للمحكمة وليس ذاك الموكب الذي امتد لسنوات وسنوات.. وتمتد المفارقات لتصل إلى المكان الذي يحتضن المحكمة.. إلى أشهر مضت كان اسمها أكاديمية مبارك للعلوم الأمنية،والتي شهدت آخر خطاباته الرسمية غير المسجلة، وقبل وصوله لقفص الاتهام بات اسمها أكاديمية الشرطة.. هي الثورة المصرية التي منحت للتاريخ بابا جديدا من أبواب الحرية التي أرادها، ولكون الحدث يفوق التصديق فإن بعض أهل المحروسة ما زالوا يعتقدون أن من يجلس في القفص شخص غير الشخص المطلوب.. مسألة تطرح ذاتها كونها غير مسبوقة وربما كانت شبه مستحيلة إلى ما قبل أسابيع، وصلت غلى درجة إطلاق كل ما يمكن من أقوال لمنع إظهار مبارك في قفص الاتهام.. مرحلة أولى لمحاكمة عهد من القهر والظلم..

المحاكمة التي بدأت ليس محاكمة لرئيس أو فرعون فقط، بل ستكون محاكمة لفكر وسلوك وسياسة لكل من هو على ذات السلوك، ستكون محاكمة لحكام لم يحترموا أيا من عهودهم للشعب أو الأمة أو الله، كي يحكموا بالعدل والمساواة وبعيدا عن الظلم وقهر وقتل وفساد، حكام صادروا إنسانية الإنسان العربي، بكل ما له من حقوق صاغتها وثائق سماوية ودنيوية، محاكمة مبارك هي المقدمة الأولى لمحاكمة من يسرق حرية الوطن والمواطن بكل ما لها وبها، ولن تمر مرورا ليوم وحدث سياسي وقضائي وجنائي..

دون شك كانت لحظة مبارك ومحاكمته يوم أمس الثالث من آب اللحظة الأهم في العالم.. لحظة سيطرت على المشهد، لحظة ستكون لحظة فخر واعتزاز وكرامة لغالبية الأمة وأحرارها، وستكون لحظة هلع ورعب لـ'قلة مندسة' لكنها الأكثر سيطرة وتحكما في مصير بلادنا، مصير قد يكون بابا لنجاة بعضهم من مصير مشابه أو أكثر سوادا إن اتعظوا من ذاك المشهد باختيارهم طريقا للتقرب من الشعب عبر تغيير حقيقي بإصلاح نظام حكمهم، وإرساء أسس تعيد للشعب القدرة على اختيار من يحكمه بإرادته وصوته، ومحاسبة كل من لا يحترم ما أقسم عليه عند توليه مسؤولية إدارة البلاد، وملاحقة كل من نهب من المال العام وألحق الضرر بالحق العام، ويفتح الطريق لنهوض الأمة التي كانت رائدة بعلمها وفكرها ونهضتها في زمن 'عهد ظلمات' الآخرين..

ويقينا أن هناك في بلادنا حكاما سيهربون إلى مزيد من القتل وفرض الإرهاب على شعوب..اعتقادا أن 'طريق النجاة' من مصير كما رأه يوم الثالث من أغسطس – آب، هروب إلى استخدام القوة والبطش والمسار الأمني لمواجهة إرادة الشعوب في التغيير الإصلاحي، المحاكمة سترعبهم أكثر ولكن لن تردعهم، وسنشهد من هؤلاء استخداما دمويا أكثر في المرحلة القادمة، فهؤلاء الحكام يعتقدون أن قوات أمنهم وجيوشهم ستكون 'الدرع الواقية' لهم من شعوبهم..دون إدراك أن حراك الأمة بشعوبها كسر كل أشكال الخوف من مواجهة القمع والقهر.. شعوب لم تعد كما كانت ترتضي بالسير خلف حاكمها دون أن يستجيب لحقوقها السياسية والاجتماعية.. فالقتل والإرهاب سلاح قد يطيل يوما أو أشهرا في حكم الحاكم، ولكنه قطعا لن يحميه أبدا، ومصر بثورتها ومحاكمة 'فرعونها' لن تكون نموذجا فحسب، بل ستصبح ملهما بلا حدود إلى تفجير كل الطاقات المخزونة عشرات السنين، حراك لن ينتهي سوى بتغيير واقع الظلم والقهر، وفتح باب الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية.. حرية وتحرير من عهد الظلمات الطويل..

دروس التاريخ من محاكمة مبارك، ستكون عاملا حيويا في منح حراك الشعوب العربية في المرحلة التالية قوة مضاعفة كونها لمست ورأت أن هناك نهاية لعصر ظالم، وهناك نهاية لحكم أمني بوليسي، وأن خيار الشعوب في تقرير مصيرها ليس هبة أومنحة من حاكم، بل إن المعادلة القادمة ستكون في منح الشعوب هبتها للحكام وتغيير قواعد الحكم بإعادتها لمبدأها الأساس بأن حكم الشعب من الشعب وليس من الحاكم، مبدأ سيعود على نبض الحراك العربي، دون أن يتلوث بأي فعل أجنبي أطلسي تحاول بعض الأبواق أن تزينها بزينة 'إنقاذ' لشعوب تعاني من ظلم وديكتاتورية حاكم، فالفرق بين من يريد حرية شعوب لبناء وطن حر وسعيد، ومن يريد استغلال قهر الشعوب لسرقة حرية الوطن والمواطن.. مشهد سيتم إيضاحه أكثر بعد مشهد المحكمة  والمحاكمة لرئيس لم يعتقد أحد قبل أشهر قليلة فقط أنه يمكن أن يكون داخل قفص يخاطب القاضي بـ'حاضر ياأفندم' .. عبارة نطقها مبارك عند المناداة عليه تلخص بأبلغ آيات التلخيص عهد الثورة المصرية ..علها عبارة تكون بداية ردع ظلم وقهر حكام طغاة قبل فوات الآوان..

ملاحظة: ليبيا بعد مقتل عبد الفتاح يونس لن تكون كما قبلها.. حادثة ستكشف كثيرا من عمق المؤامرة لتدمير ليبيا وليس للإطاحة بعقيد ..ليت سذج الكتبة وشتاميهم يدركون ..

 

تاريخ : 4/8/2011م