الأوطان ليست 'مؤسسة خيرية' ..
تاريخ النشر : 2014-12-20 19:20

كتب حسن عصفور/ التفاعل الشعبي العربي من المحيط إلى الخليج مع 'حراك الغضب' على الأنظمة وطريقة حكمها وتعامل حكامها مع شعوبها ، حراك يتصاعد ويتسع ، يخبو أحيانا يحاصر يتم فتح 'منظومة التشويه' عبر بوابات الفتن السياسية – الطائفية ، كونها السلاح الأمضى في ترهيب كل من يريد إصلاحا وتغييرا بل وحرية كلام وتعبير مع حب الوطن وسيادته ، مع وسائل الترهيب التي تحاصر 'فعلا' لن ينتهي إلى ما كان عليه الحال قبلا .. وسيصبح القول إن ما قبل 14 يناير التونسي و25 يناير المصري وما تلاها من تواريخ ليس كما بعدها في العالم العربي مهما فعلتم 'بلطجة وتشبيحا' ..

التوق للحرية والديمقراطية السياسية أولا ومعها وليس على حسابها العدالة الاجتماعية ، وثانيا ، وقف كل منظومة الملاحقة – المطاردة الأمنية للمواطن ، بأسماء مستعاره غالبها تحت مسمى 'حماية الوطن' والحفاظ على استقراره ، بتجاهل غير مسبوق أن بلاد العرب لم تكن منتهكة كما هي اليوم بعد أن تحررت من القبضة المباشرة للاستعمار ، استقرار وهمي يخفي تحت رماده كل أشكال عدم الاستقرار دليل أن أي حركة تربك حالة النظام .. مواطن يريد ، أن يتحدث بحرية دون 'إرهاب' ما أو ترهيب بأسماء مستعارة ، يريد أن لا يذهب للعمل فقط من أجل 'لقمة الخبز' متحملا كل رتابة وملل الوظيفة العمومية ، يريد أن يصبح العمل رغبة وحاجة إنسانية وليس ضرورة لسد رمق الأسرة ، ويريد أن يرى الفاسد  المالي والإداري كل منهما ملاحق قانونيا ، وأن تكون تهمة 'الفساد' توازي تهمة 'الخيانة الوطنية' ، ومعها تندحر كل أشكال المحسوبية وشعار ' أولى بك فأولى' المستخدم بشكل مسئ جدا على حساب من يستحق .. يريد أن يصبح الطموح في الدرجة الأعلى متاحة بقدرة الإبداع والإخلاص والتطور ، وليس وفقا لتقرير أمني أو حزبي أو ما غيرها من تبعات متعددة الأوجه تحدث في بلادنا المنكوبة ..

المطالبة بأن يكون هناك قانون حقيقي لممارسة الحريات السياسية ، مشتق من دستور يتلاءم والتطور القادم للأمم التي نهضت بثوراتها بعد 'عصور ظلام دامس' ، ليس مفصلا بمقاس الحاكم أو الحزب القادم عبر قوة السلاح أو وسائل لا تبتعد عنها ، قوانين تمنح الحياة الحزبية حق العمل دون أن يكون سيف الملاحقة مسلطا على رقاب من يريد الانتماء لها ، بل وأن يكون هناك بند في موازنة الدولة لدعم الأحزاب وفقا لحضورها وتمثيلها النيابي ، بعد أن يتم إقرار قانون انتخابي يضع التحديث والارتقاء بالوعي بعيدا عن 'صنمية الواقع المعلب' ، قانون يمنح الكل فرصة التنافس وفقا لقانون 'التمثيل النسبي' في بلاد لم يكن 'الوعي الديمقراطي 'حاضرا بها كثقافة سائدة رغم تاريخنا الحضاري الكبير، بل كل ما يعاكسه  كان هو السلاح الشائع .. قانون يعطي لبلادنا نكهة 'التنافس الجماعي الإيجابي' وفقا لأهداف وليس وفقا لحاجات فردية يحاول البعض من خلالها حرف مسار الاهتمام من العام إلى الفردي الضيق جدا ..

البحث عن حياة دون أحكام قوانين الطوارئ السائدة منذ عشرات السنين ، لم تستخدم منذ سنوات بعيدة ضد عدو خارجي ، بل ولا وجود لها في صراع مع مستعمر أو محتل ، بعد أن قررت الأنظمة العربية مجتمعة ودون تحفظ من أحد ، شطب خيار ' الحرب ' مع إسرائيل في قمة الدار البيضاء العام 1982 وتبني خيار السلام ، والذي تم تأكيده في قمة بيروت 2002 ، خيار تم شطبه جماعيا ، ولكنهم لم يشطبوا من خياراتهم قوانين حالات الطوارئ، التي قيل إنها ضرورة لمحاربة الأعداء .. بات شرطا لرضى المواطن اليوم عن الحاكم إلى حين ، إلغاء فعلي وليس شكليا لتلك القوانين التي صادرت حرية الوطن قبل المواطن ..

أصبح 'تحرير الإعلام' بكل وسائله وتعبيراته شرطا وضرورة ، فدون قوانين تحمي حرية الاعلام والتعبير والوصول الى المعلومة وعدم ملاحقة من يعمل في مجال الإعلام بناء على رأي أو موقف أو معلومة تكشف ما لا يتفق والقانون .. فساد أو رشوة أو قمع وإرهاب وغيرها .. قوانين تسمح بإصدار الصحف والمجلات ووسائل الإعلام كافة ، ضمن مواصفات قانون عام لمصلحة الوطن حقا وليس شعارا .. ووقف سياسة الاحتكار الشامل للحياة في بلادنا المنكوبة .. احتكار الحكم والحقيقة ، كما احتكار السوق والاقتصاد من قبل ذوي القربى والمحبين ،احتكار القول والتعليق ، .. وقف مناحي المصادرة الاحتكارية لوجة البلد المكشوف والمستتر ..

لم يعد مقبولا أن لا يكون هناك سقف لحكم حاكم ، فالأبدية التي اعتقد بعض حكامنا أنها لهم ، بل وتم رفع شعار لحاكم عربي في شوارع بلاده بأنه 'رئيسهم إلى الأبد' .. شعار لا يعكس سوى قمة 'تحقير العقل والوعي والوجدان' .. بل وتمس المعتقدات والشرائع وكأنه خالد خلود أبدي ليستمر حاكما .. شعار قد يراه البعض 'سجعا لغويا' لكنه تلخيص مركز في فهم هؤلاء للسلطة والحكم .. وعليه يصبح كل شيء في البلاد خاضعا لما يقررون ويعتقدون ويدركون ، وليس وفقا لدستور وقانون وشرائع سياسية يتم صناعتها في مطبخ 'غرف التشريع البرلماني' المنتخبة من الشعب باعتباره مصدر السلطات ، وليس قوانين 'غرف الحاكم ومقاره وأجهزته الأمنية'..

ما يحدث اليوم في بلادنا ، مهما تكن النهايات ، طريق للتغيير الإجباري لا راد له ولا يمكن كبحه حتى لو تأخر .. بات الحاكم مجبرا أن ينحني للشعب لإرضائه بصور متعددة ، يبحث عن 'خير السبل' لإنقاذ الحكم بعباءة ترضيات يعتقدون أنها 'مؤلمة' لهم .. يتنازلون عن بعض المطلق من الحكم ، متناسين أو متجاهلين أن الأوطان ليست 'جمعيات خيرية' يمنحوها 'هبة' أو مساعدة أو ما شابهها من مصطلحات يعتقد قاهري الأمة أنها 'عطاء ' وليس حقا وفرضا وواجبا ..

لم يعد أمامهم الكثير ليعيدوا صياغة حضورهم وفقا لمعادلة أن الوطن ليس عزبة لأحد .. وعليهم من الآن الاستعداد لتداول السلطة وخلق المناخ لكي يصبح لدينا حكام أو رؤوساء سابقون ، يتم التعامل معهم من قبل شعبهم بكل احترام وتقدير وافتخار لو كان مضى فترة حكمه الدستورية برضا .. عليهم أن يستعدوا لإنهاء 'ثقافة  الاستبداد' و'الإقصاء' إلى مفهوم'تداول السلطة ' لمن يستحق رضا الناس عبر صندوق الانتخاب وليس عبر فرمان الرئيس .. وليأت من يأتى فعهد الفزاعات سقط ، والشعوب لن تنخدع كثيرا بحزب أو فصيل إن لم يصدق وعده وقوله .. فلا أبدية لحزب أو لحاكم ..فالأبدية لله والوطن..

ملاحظة: الدور القادم لمصر العربية في المصالحة الفلسطينية هل سيكون 'تعايشا' لما هو قائم .. أم كبح جماح 'نزعة الانشقاق' .. مصر قادرة اليوم أكثر لو رغبت ..

 

تاريخ : 31/3/2011م