زياد أبو عين.. المقاومة في ظل السلطة
تاريخ النشر : 2014-12-17 10:40

يضيف استشهاد المناضل زياد أبوعين تساؤلاً جديداً حول أداء السلطة الوطنية الفلسطينية، وقدراتها الحقيقية على اتخاذ إجراءات مناسبة تليق بفداحة الحدث ومدلولاته، وهو اختبار سبق أن واجهت مثله مراراً وتكراراً، سواء خلال الحرب على غزة، أو في مواجهة اقتحامات المستوطنين المسجد الأقصى، وانتفاضة القدس، أو لدى مواجهتها الاستيطان، وانتهاء مهل التفاوض، والتقدم بمشاريع مفاوضات جديدة في دائرة من العبث الذي لا ينتهي.
في اليوم الأول لاستشهاد زياد، علت الوتيرة، وامتلأت شاشات الأخبار بعناوين وتصريحات مثيرة لعدد من المسؤولين حول الوقف الفوري للتنسيق الأمني، واللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية، وتصعيد المقاومة الشعبية، وما أن جاء الليل، حتى بدأت هذه الأنباء في التراجع. وانتهينا إلى ضرورة انتظار نتائج التحقيق، واجتماع مفتوح للقيادة الفلسطينية التي ستجتمع ثانية، الجمعة، قبل أن يتم تأجيل الاجتماع إلى الأحد، مشفوعاً باقتراح من كبير المفاوضين بعدم اتخاذ أي إجراء قد يعرقل المبادرة الفلسطينية المنوي تقديمها إلى مجلس الأمن الدولي.
لو أرادت القيادة الفلسطينية أن تتخذ أي إجراء، مهما كان محدوداً، لفعلت ذلك في اليوم الأول، وقبل أن تنهال عليها الاتصالات التي تطالبها بالتهدئة، وتتوالى التحذيرات من عواقب الأمور، أو التلويح بآمال كاذبة، تشجيعاً لها على صبرها وطول بالها. لذا، أطمئن القارئ الكريم أنه لن يحدث شيء حتى في الأحد الذي يلي، ولا حتى بعد شهر أو سنة، ما دام نهج القيادة الفلسطينية على ما هو عليه، من الانتظار والتسويف والمراوحة في المكان، وفقدان القدرة على اتخاذ القرار، ومحاولة امتصاص النقمة الجماهيرية من خلال التلويح بإجراءات مستقبلية، لا ترى النور، وتردد وعجز كامل عن القيام بأي منها، حتى لو كان الشهيد وزيراً في حكومة الوفاق، أو سقط آلاف الشهداء في غزة، أو تم تهويد القدس.
استشهاد زياد أبو عين يحمل مدلولات كبرى، فهو المناضل الذي قاد مجموعات وضعت عبوات ناسفة في أرجاء مختلفة من الكيان الصهيوني، وسلّمته الولايات المتحدة لإسرائيل، في أول بادرة من نوعها، قبل أن يفرج عنه في عملية تبادل للأسرى، بعد تعنّت ومناورات إسرائيلية لاستثنائه من التبادل، وصلت إلى حد تسليمه للصليب الأحمر، ومن ثم اختطافه ثانية عند مدخل الطائرة وإعادته إلى المعتقل. وفي الانتفاضة الثانية، ثمة إجماع على أنه كان من قادتها الميدانيين، وعنده اختبأ مروان البرغوثي، قبل أن يتم اعتقالهما سويّاً. التزم الشهيد زياد خط القيادة، وآمن باتفاق أوسلو، معتقداً أن المشكلة تكمن في عدم الالتزام الإسرائيلي بتطبيق بنوده، وخاض عدة سجالات وحوارات حول ذلك. التقيته في إحداها، واختلفنا بود، وتحاورنا حول سبل التوجّه نحو فلسطين.
عند تولّيه وزارة شؤون الاستيطان والجدار قبل أشهر، نقل الشهيد زياد مكتبه إلى الميدان، تجده عند كل قطعة أرض مصادرة، أو زيتونة مهددة بالقطع، وبالقرب من مستوطنة جديدة يجري بناؤها. قرر زياد أن يحارب الجدران الإسمنتية والقلاع الحديدية بغصن زيتون يحمله في يده، ويزرعه في الأرض، لعلّه يوقف به تقدم جرافة اقتلعت بالأمس حقلاً، مثبتاً بذلك أن العين يمكن أن تقاوم المخزر، وأن الدم يتفوّق على السيف.
"
على كل قوى المقاومة أن تشجع كل أشكال المقاومة الشعبية المختلفة بكل مناحيها
"


أغلب الظن أن هذا النهج لم يعجب سلطات الاحتلال التي تحصي على الفلسطينيين أنفاسهم، ومعدل مواليدهم، رأت فيه نموذجاً لمقاومة شعبية، تعدّت إطار التصريحات والاستعراضات إلى الفعل، والعدو قطعاً لا يميّز بن المقاومة بغصن الزيتون أو الحجر أو البندقية، فذلك كله بالنسبة إليه يحمل في طياته بذوراً خطرة، ينبغي القضاء عليها قبل أن تجد التربة الخصبة التي تنمو بها. قطعاً، تعرّف جنود الاحتلال على زياد، وحتماً كان هنالك قرار مسبق بالتصدي له وردعه وغيره عن تكرار المحاولة.
بخلاف التساؤل عن الموقف المتهاوي للسلطة، فإن استشهاد زياد أبو عين يفتح الباب واسعاً أمام عدد من النقاط، في مقدمتها القرار الصهيوني بمواجهة كل أشكال المقاومة، مهما تنوّعت أو اختلفت، كبرت أو صغرت. وفي مقابل ذلك، على كل قوى المقاومة أن تشجع كل أشكال المقاومة الشعبية المختلفة بكل مناحيها، وأن تعتبرها برنامج الحد الأدنى لجبهة وطنية عريضة، تجمع ولا تفرّق، وتوحّد ولا تقسّم، من دون أن تتجاهل أشكال المقاومة الأخرى، والتي تتناسب مع الظرف والمكان، بما فيها المقاومة المسلحة.
ليست المقاومة الشعبية شعاراً في الفضاء يطلق في التصريحات الصحافية، أو المناسبات الهادفة إلى امتصاص نقمة الجمهور، بقدر ما هي ممارسة ميدانية على الأرض، وفي مواجهة المحتل، وبالطريقة نفسها التي استشهد بها زياد أبو عين. دمه لن يذهب سدى، ولعلّ رفاقه في الحركة الأسيرة، وإخوانه الذين اختلف معهم حول "أوسلو" ونهج السلطة التفاوضي، سيكونون في مقدمة مَن يثأر له. إذ إن الشهادة، تلك المرتبة الأسمى، تعلو فوق كل تباين في أساليب العمل، وتنهي كل خلاف سابق لها. عسى أن يشكل ذلك لبنة إضافية في برنامج شعبي للمصالحة الفلسطينية، وطرق مواجهة العدو الصهيوني ومقاومته.