محمود درويش في غياب ' سلام الشجعان '
تاريخ النشر : 2014-12-16 21:07

 كتب حسن عصفور / كما هو اليوم كانت فلسطين ووطن عربي كبير ومحبي بني الإنسان يتناقلون ذاك الخبر الذي لم يكن له يوما أن يكون سوى نذير شؤم فكري وثقافي ، قبل أن يكون سياسي ، خبر غياب  محمود درويش ' جسديا' عن الحضور و لقاء وطن وشعب ومحبين من كل مكان ، خبر قال إن محمود سجل رحلة وداعه الأخيرة بعيدا عن تراب الأرض التي عشقها ، كما لم يعشق ناظم حكمت تركيا وأراغون فرنسا ، ولوركا إسبانيا ونيردوا تشيلي ، رحل عاشق فلسطين إلى حيث المستراح العقلي والذهني ، تاركا لبني شعبه ، ما يفتخر به أمام كل شعوب الأرض .. ترك لهم ميراث من الشعر والأدب والثقافة ما يجعل الفلسطيني يرفع رأسه فخورا كونه من بلد محمود درويش ..

عامان ومحمود يعيش بتراثه وحضوره الشعري ، الذي لا يمر كثيرا دون رؤيته يتعاطاه عبر ما أتيح للإنسانية من تقديمه تقنيا ، يعيش مع شعبه ووطنه ومحبيه حيثما وصل شعره ، فهو حقا جسد مقولة ' الحاضر الغائب' كما الزعيم الخالد أبو عمار ، حضورهما طاغ إلى درجة أنهما يحييان مع الفلسطيني كل تفاصيل حياته .. وربما يناقشان همومه العامة كما كانا يوما يتفاعلان معها ..

محمود درويش رحل وهو يرى الانقسام يسيطر على الوطن والشعب براياته الحزبية الضيقة ، والتي باتت بديلا لراية الوطن ، ألوان العمى السياسي بديلا لألوان طريق الحرية والتحرر، انقسام جاء لتعزيز ثقافة ' الكراهية' و' التعصب' بديلا لثقافة ' التسامح' و' الانفتاح' التي كانت سمة لفلسطين دون غيرها ، وسط مسارات شديدة التعقيد ، تركنا وبعد عامين منه ما زال المشهد ذاته في حال الانقسام ، وزادت حدة التعصب والفئوية على حساب روح الوطن ..

ذهب محمود والتفاوض مع إسرائيل مترنحا جدا في عهد ' تحالف كاديما' ، تفاوض بين الرئيس عباس وأولمرت وليفني وأبو علاء ، وكانت نتاج ذلك بعض أصفار مصحوبة بأقاويل عن عرض من بني صهيون ، يقوم على اقتطاع ما نسبته الـ( 7 % ) من أثمن مساحات الضفة الغربية ، مع تشويه غير مسبوق لعاصمتنا المقدسة بروحها الثقافية والدينية قبل السياسية ، وبعد رحيلك جديدنا عودة 'الكاذب الأكبر' نتنياهو إلى سدة الحكم ، ثانية ، ليزيد من بعد البعد بعدا ، ويسابق زمن كي يعمل ' تهويدا ' في قدسنا ، ويصرخ كما كان أيام حضورك الجسدي بأنه يريد ' سلاما ' لكنه ليس ' سلام الشجعان' الذي بحثت عنه مع قائدنا الخالد أبو عمار .. يريد سلاما خنوعا ونذالة إلى أدنى درجات القهر والاستسلام ..

وجديد رحيلك ربما أن حكومة الشعب الفلسطيني لا تزال تعيش حالة انتظار لتغيير أو تبديل ، وفقا لمن سيكون القابض على ' المال والسياسة' ، هما ولا سواهما ما أجل تشكيل كان بين الأدراج ، مع نجاح فتح في عقد مؤتمرها السادس بعد غياب طال كثيرا من ذاك المؤتمر التونسي العام 1989 ، مؤتمر كان المتأمل منه فوق السحاب ، لكن الواقع أقسى وأمر من ' المأمول' يا محمود .. مرارة لم تنته بعد ، رغم تغيير هائل وربما مدهش في من باتوا قيادة لأكبر فصيل فلسطيني وقائد الثورة والمنظمة السياسي .. لكن الحياة لا تفعل وفق رغبات أهل فلسطين في هذا الزمن المشؤوم حقا ، وهي من خطف رمز فلسطين الخالد ياسر عرفات زمن ' الشدة الأصعب' ورمزها الثقافي زمن ' فقر المفاهيم والانتماء' ..

ولعلك تصاب ببعض صدمة في غيابك أيها المرسل لبني فلسطين أدبا ، أن باراك حسين أوباما ، ذلك الرئيس الأمريكي الذي سهرت رام الله يوم نجاحه طربا وفرحا إلى صباح جديد تنتظر منه ما لم يكن ممن سبقه ، لو كنت هنا لما فاتتك لحظة الكتابة عمن يحاول تبرئة ذاته من تهمة أن به عرق مسلم ويفعل كل ما بوسعه لإرضاء ' بني صهيون ' ، ويحاول ' جرجرة ' أهلك ' إلى طاولة الهزيمة السياسية ..

هي لحظات في غياب حضورك أيها الإنسان .. يا من كنت لشعبك ' مخترعا للأمل ' ..

محمود سلاما في يوم رحيلك بهدوء وبصخب ، بصمت وجنون .. لحظة اسمها ' محمود درويش' ..

ملاحظة : مبروك للشعب الفلسطيني ' تأجيل' تبديل أو تغيير حكومته الرشيدة .. لكن لو نعرف السبب كي يبطل العجب مما نراه ..

تنويه خاص : متى يمكن تحديد مسؤولية من يتحكم في قطع كهرباء غزة .. وإلى حينه ما هو ذنب الناس وسط ' تسونامي الشمس ' يا عالم ..

التاريخ : 9/8/2010