مجددا : هلوسة كلام فلسطيني
تاريخ النشر : 2014-12-16 21:03

 

 كتب حسن عصفور / قديما ، ليس بقديم جدا ، بل زمن ما قبل الانهيار النفسي والمعنوي الذي نتج عن الانقلاب الأسود فالانقسام الأخطر في حياة الشعب والوطن ، كان كلام أي فلسطيني سهل الفهم ، لا تتفق معه ربما ، تختلف معه ربما ، تعارضه جدا ربما ، تتهمه بكل أشكال التهم ربما ، لكنه كان مفهوما ما يقول هذا المتحدث أو ذاك المسؤول كان بالحكم أو بالمعارضة أو بينهما ..

 

ولكن ومنذ السواد السياسي الذي أضاف سوادا على سواد المحتل الإسرائيلي ، باتت المفاهيم معتمة وضبابية وتائهة بشكل غريب ، يحتاج الإنسان الذي يريد أن يعرف ما يريد الفلسطيني سواء من هم متحدثي باسم الشرعية الوطنية أو خاطفي بعض الوطن ، حتى من بينهم ، يحتاج قاموسا خاصا جدا لترجمة وتفسير ما يريد هؤلاء ، وهل حقا هذا القول سيبقى ساعات دون أن يكون غيره ، وهل ما سيأتي مناقضا لما قيل أو مكملا له ، فكل ساعة تقريبا يخرج متحدث أو مسؤول أو شخص افتقد الناس صوته وصورته منذ فترة ، يقول كلاما يزيد الإرباك القائم أصلا ..

 

ومن يريد أن يتأفف أكثر عليه مراجعة كلام قيل في مواضيع مختلفة خلال 48 ساعة من ' الكل الفلسطيني ' فمثلا جاءت زيارة د. نبيل شعث إلى قطاع غزة ولقائه بقيادة حماس علنا ثم تناوله لـ'غذاء عمل' في منزل السيد إسماعيل هنية كترضية لمكانته الخاصة في حركة حماس ، حدثا أتاح أملا ما عند البعض الفلسطيني ، لكن ما رافقها من كلام من ' بيت شعث السياسي ' آثار الاستهجان المطلق حيث اعتبر أحد زملائه في مركزية فتح الزيارة بزيارة عائلية وليست سياسية ، ثم يتحدث الرئيس عباس بأنها كانت بموافقة من قيادة فتح ، لكنه لا يوافق على زيارة بيت هنية كاجتهاد خاص من د.شعث ، والذي أشاع أجواء إيجابية في قطاع غزة ،قبل غيره ، ولكن ما أن غادر القطاع حتى عاد الكلام الذي لا صلة له بما كان ، فشعث ذاته وضع حدا سياسيا بين رغبة قيادة 'حماس الغزاوية' نحو الوحدة والتوافق وبين قيادة 'حماس الدمشقية' ، كلام ملتبس من شخص كان لزيارته حضورا إعلاميا فاق غيره ، ( الملاحظة بذاتها صحيحة 100% ) لكن ما كان عليه قولها ساعات بعد مغادرة القطاع ، ولو قالها بعد وجبة 'الغذاء الإسماعيلي' لكان قولا أكثر بلاغة ..

 

وما يحدث على ' جبهة التفاوض الكلامي ' يثير كل أشكال الاستياء الإنساني قبل السياسي ، فلا تجد شخصا من بين أوساط الشرعية يتفق مع آخر ، حتى من هم يركبون ذات الطائرة  ، فالبعض يعلن بوضوح نعم سنقبل بمفاوضات غير مباشرة بوسيط أمريكي لفترة محدودة ، فيرد عليه مسؤول مجاور له على كرسي الطائرة بأننا ما زلنا ندرس ' الحكاية ' ويتعنتر آخر برفض كل هذا ' الكذب الإعلامي ' ولا يوجد موافقة بعد على المقترح ( للعلم فقط أن صاحب فكرة المفاوضات غير المباشرة هو الطرف الفلسطيني عرضها قبل أشهر بديلا للمباشر في ظل الأزمة ) ، يقول قائل منهم لن يكون ما لم يتم وقف النشاط الاستيطاني ، فيما آخر يحتل مكانة أرفع قليلا ، يعلن المهم أن نعرف حدود الدولة ، كلام تم تبادله بشكل لا ينم مطلقا عن وعي لما يقال ..

 

ويخرج علينا بعض الخاطفين بالقول إن سبب تأخير المصالحة الوطنية ' التدخل الأمريكي الصهيوني ' ، يا سيدي لا خلاف على أنهما فعلا لا يريدان لا وحدة ولا وطنية أيضا ، لكن من الذي يرفض التوقيع على ' الوثيقة المصرية ' التي تكسر الرغبة المعادية ، وهي الورقة التي تحظى بموافقة تزيد على 80% من الشعب الفلسطيني ، منهم غالبية أعضاء حماس داخل الوطن الفلسطيني ؟ فيما يتجه آخرون من حماس للقول إن عدم إجراء صفقة شاليط هو التعنت الإسرائيلي الذي يريد ابتزاز حماس ويرفض إطلاق سراح أسماء محددة ويصر على إبعاد عدد كبير منهم ، فيتذكر قيادي آخر منهم أن هذه العبارات لا يوجد بها ما يسيء للشرعية الفلسطينية ، فيقول إن سبب عدم إتمام الصفقة هو عباس ودحلان الذي رسم سيناريو لإحباطها ( كلام ولا في الأحلام ) وينسى مسؤولية نتنياهو ، فيتذكر ثالث أن هذا الكلام يبرئ إسرائيل  فيحاول اختراع معادلة للربط بينهما ..

 

كلام يحدث في ' مربع زمني ' أقصر مما يجب ، لكنه كلام حدث قوله ، شكل يجسد بكل وضوح ما وصل له الفلسطيني من 'ضياع' حتى بالكلام .. توهان غير مسبوق .. عل التوافق الذي لا يوجد حقا عائقا سياسيا أمامه ، لكنه ينتظر استجابة الإرادة الحزبية للإرادة الوطنية يحدث كي يعود للكلام معنى ..

 

ملاحظة : قبل زمن تم اغتيال عماد مغنية فجرا في وسط دمشق ، وتم القسم بأغلظ الإيمان للثأر .. وتمضي السنين .. وها هو مشعل يسير على درب ' أغلظ الإيمان .. '

 

تنويه خاص : ما هي مصادفة أول مقابلة مع الشهيد المبحوح عبر ' المحطة الصفراء إياها ' واغتياله بعدها بأيام .. لمن كان شريط المقابلة ولما حدثت المقابلة أصلا في هذا التوقيت .. سؤال دون غرض ..

 

التاريخ : 9/2/2010