درس وليد ' بيك' جنبلاط...
تاريخ النشر : 2014-12-15 19:31

 كتب حسن عصفور / لا يختلف كثيرون على ما لوليد جنبلاط من سمات جعلته يتابع مسار قائد من ' طراز خاص' نبت وسط نهوض الحركة التحررية العربية وتمكن رغما من هويته السياسية والطائفية أن يصبح رمزا لحركة لبنان الوطنية ، كمال جنبلاط ، ذلك الإنسان الذي نسج وحدة بين وطنيي لبنان يمينا ويسارا مع الثورة الفلسطينية فوق الأرض اللبنانية ممتدا لتشكيل أول ' جبهة عربية مشاركة للثورة الفلسطينية ' .. تم اغتياله في سياق ثقافة ' الهيمنة والتسلط' وعدم القدرة على تحمل معارضة لنهج لم يكن متسقا مع أهداف الحركة الوطنية اللبنانية ولا الثورة الفلسطينية ، تم عقابه وعقاب الحركة التحررية باغتيال جنبلاط على ما لم يكن جريمة وطنية ، لكنه ضيق أفق البعض وقصور فكر لا يحتمل الآخر ..

ولأن السياسة لها منطق لا يخضع دائما للعاطفة والمشاعر ، بل ربما تصل في لحظة ما إلى الدوس عليها بلا رحمة لمصالح ضيقة خاصة أو ربما لمصلحة عليا ، ولعل ما كان من وليد جنبلاط يوم 16 آذار ( مارس) نموذجا لها ، عندما رفض الذهاب لزيارة قبر والده وعلمه الأول ، مكتفيا بإرسال ولده تيمور ليضع وردة حمراء ( كان يحبها كمال بيك ) على ضريح رمز عروبي خالد في ضمير كل إنسان يعشق تراب وطنه ...

غياب هو الأول له منذ تغييب كمال جنبلاط العام 1977 فقررت منظمة التحرير أن تطلق دورة المجلس الوطني الفلسطيني عامها باسمه تخليدا وتذكيرا للشعب الفلسطيني بما قدمه كمال جنبلاط للثورة والقضية الفلسطينية ، غياب وليد جنبلاط عن زيارة قبر والده وقائده جاء قرارا سياسيا من الطراز النادر ، لا يحدث كثيرا في عالمنا المعاصر ، خاصة نحو والد وقائد ورمز لكل وطني وإنساني ، ورغم ذلك فضل وليد جنبلاط ألا يذهب كي لا يجد نفسه في ' حوار خاص' مع ذكرى أو مسيرة تعكس ذاتها على قراره الذي اتخذه منذ أحداث 7 مايو – آيار 2008 عندما بات سلاح حزب الله طرفا في الوضع الداخلي ، فأدرك جنبلاط بحسه الذي لا يمتلكه كثير من ' ساسة الراهن' أن خياره بات منحصرا إما الطائفة وإما 'الموقف' فاختار موقفا للطائفة متنازلا عن موقف الحزب والشخص ..

وليد جنبلاط قال يوما ، ننسى ولكن لن نسامح ، ولكنه الآن وبعد الذي حدث في المنطقة وتطورات غير منطقية كثيرة ، وحسابات طائفية بداخلها ، قرر أن يعيد صياغة موقفه راهنا ، نسامح وننسى ، مقولة تمثل أعلى درجات ' الوعي المطلوب' لحماية موقف وحضور ، قالها وقرر أن لا يواجه والده المغتال غدرا بها ، مقولة لا تأتي عبر عاطفة أو مشاعر عادية ، وبها يعلن وليد جنبلاط أن دم جنبلاط الأب كان ثمنا لموقف سيقدره الشعب والتاريخ ، وضع حدا للربط بين دم جنبلاط الشهيد ، وحضور جنبلاط السياسي ، قطع الصلة بين ' الفهم القبلي' ليستبدله بوعي سياسي ، وهو يدرك كل الإدراك أن نسيان مقتل كمال بيك حدث سيبقى حاضرا في التاريخ شاهدا على ' ثقافة القصور العقلي ' في إدارة الخلاف وأزمة وعي جاهلي يحضر بقوة بين حين وآخر ..

وعي وليد بضرورة العلاقة مع سوريا قاده إلى سلوك ما لم يكن في حسابات البعض ، وصل به إلى الجلوس في بيته البيروتي يوم ذكرى مقتل والده ، فهو لم يذهب للمختارة أصلا كي لايضعف فجلس في منزله غرب بيروت ، لأنه يبحث علاقة قادمة وليس مستذكرا ماضيا مضى ، سواء نسي أم لم ينس ، فتلك مسألة كامنة ، لكن الأهم هو المنتظر وليس المرتحل ، فالطريق إلى دمشق كان يتطلب منه وعيا لا مشاعر ولا عاطفة به ، موقف يمنح ' الحضور والطائفة' ما يعتقد جنبلاط الابن أنه ضرورة في زمن التقلبات السياسية – الطائفية جدا ... وبات يعلن أن جنبلاط الحفيد هو الزعيم – البيك القادم ليكرس مقولة نسامح وننسى عبر تيمور وليد كمال جنبلاط ..

درس وليد بيك يحتاجه الفلسطيني قبل غيره ، درس به دروس مستفادة ، أدرك أن طائفته لن تحتمل ' صراعا طائفيا' بثوب سياسي ولحساب سياسي ليس لها راهنا ، فما بالك بوطن وهوية وأرض وشعب ومقدسات ، ألا تحتاج بعضا من وعي مقولة نسامح وننسى ، كي نحمي ما تبقى لنا من هوية ووطن .. هل يمكن إدراك أن الحزب والفصيل أصغر قامة ومقاما من هوية شعب ..

درس وليد بيك هدية مباشرة لقوى فلسطين السياسية .. صاحبة الكلام المفقود منه فعلا ووحدة .. الكلام الحاضر قسمة وانفصالا .. لا ضرر في قراءة درس يوم 16 مارس ( آذار) من قادة الشعب الفلسطيني إن وجدوا وقتا للقراءة أصلا ..

ملاحظة : وسط المواجهة مع العدو هناك من يخرج ليتحدث لحسابات غير فلسطينية .. أي قول وطني يكمن في فتح ' جبهة اتهامات' للحكومة الفلسطينية .. والكارثة ممن ما زال يعمل لديها بشكل أو بآخر .. كفى كلاما لحساب غير الفلسطيني ..

تنويه خاص : تفجيرات عديدة يشهدها قطاع غزة .. هل من تفسير 'حمادي – حشيشي ' لها .. ربما ' كتائب أمد ' وراء ذلك .. قليل من الخجل ..

التاريخ : 17/3/2010