ارتباك الكلام ..وخيارت بلا ملامح
تاريخ النشر : 2014-12-13 14:14

 كتب حسن عصفور/ منذ خطاب الرئيس في المجلس المركزي الفلسطيني ، حيث عبر للمرة الأولى عن غضب ومرارة غير مسبوقة من الموقف الأمريكي، والحديث السياسي يدور عن ما الخيارات التي يمكن لها أن تكون ' بديلا' للمأزق السياسي الحاد الذي وصل له المشهد الفلسطيني ، خاصة مع انتشار الحديث عن وضع الرئيس عباس بعدما أشار إلى بعض أوساطه السياسية ثم داخل اللجنة المركزية لحركة فتح ، عن رغبته بعدم الترشيح للانتخابات الرئاسية المقبلة ، وهو ما أثار جوا من الإرباك الفلسطيني ، وكذلك بعض العرب وخاصة مصر الشقيقة ، حيث ترى في ذلك خطوة تزيد إشكاليات جديدة إلى جانب ما هو قائم ..

وربما يكون حديث الرئيس عباس يوم أمس الأربعاء ( 4-11) داخل اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح حول الغضب الذي يعتريه من مواقف أطراف عدة ، عربية ودولية ، وبالطبع فلسطينية ، وشعوره بعدم التواصل هو استمرار لما بدأه سابقا ، ولعل هذا الموقف وبعيدا عن التفسيرات المحاطة به ، هو انعكاس للأزمة السياسية الحادة التي وصل إليها ' صانع القرار الفلسطيني' بأن واشنطن لم تعد تملك قدرتها في العمل لإنجاز ما وعدت به ، خاصة توفير الأجواء السياسية الملائمة لعودة المسار التفاوضي ، بتجميد حقيقي للاستيطان ووقف ' تهويد القدس ' والتي تمر بمرحلة أخطر كثيرا مما يتم تناوله إعلاميا ، ولعل الخطر المحدق بها يتجاوز مسألة ' المناشدة ' التي يتم الحديث عنها بخجل وبالمناسبات وليس فعلا حقيقيا متواصلا لتصبح قضية على طاولة البحث العربي – الدولي العام ..

الموقف الأمريكي والذي حال مبكرا رسم صورة ' وردية ' عن الجديد المأمول منها ، كان له أثر على صياغة  الموقف الرسمي الفلسطيني بربط التفاوض بوقف الاستيطان ، وبعد أن بات ذلك موقفا لا يمكن التراجع عنه دون ثمن ، جاءت واشنطن لتطلب التخلي عنه ، وهو طلب يمكن وصفه شكلا من أشكال الانتحار السياسي ، ما لم يكن هناك تصور واضح لكيفية البحث التفاوضي ، مسارا وقاعدة ونتيجة ، أي أن تحديد نهاية العملية وهدفها بوضوح تام .

وفي ظل هذه الأجواء المرتبكة والمربكة ، خرج د. عريقات ليعلن أن استمرار الحال على ما هو عليه سيعني التخلي عن خيار' الدوليتن' والبحث عن ' خيار الدولة الواحدة' ، كلام سبق أن تم تناوله من بعض السياسيين والأكاديميين ، وكذلك من قبل أبوعلاء قريع رئيس الوفد الفلسطيني إبان مرحلة أولمرت عندما شعر بأزمة تفاوضية ،، كلام يمكن أن يصدر من جهة سياسية لكنه لا يجوز أن يكون بعضا من حديث شخص في موقع المسؤولية وجزء من صناعة القرار ، فالمسؤولية تتطلب تقديم رؤية سياسية للشعب الفلسطيني وليس الحديث فيما لا يقدم له سوى مزيد من الإحباط وفقدان الأمل ، فمثل هذه المسائل لا يحتاج الشعب الفلسطيني لمسؤول أول يعلمه بها ، لأنه يعيشها بإحساس ومعاناة تفوق أي شخص مسؤول ، كما أن الكلام لمجرد الظهور بمظهر الغاضب أو التلويح بذلك لاينم عن إدراك مسؤول بل هو شكل من أشكال الاستهتار السياسي وربما لا يشكل رسالة صحية لأي كان ،  بل على العكس هي رسالة سلبية ضارة كونها تكشف عجزا بلا حدود عند من يصنع القرار ..

 فالهدف الفلسطيني هو جزء من الاستراتيجية الوطنية التي لا تقر أو تصنع بطريقة كوميدية ، بل نتاج بحث ونقاش وتوافق وطني عام ، وهو ما حدث مع برنامج الاستقلال الوطني الفلسطيني الذي جاء بعد نقاش استمر لأكثر من سبعة أشهر ، قبل إقراره في المجلس الوطني عام 1988 ، لذا لا يجوز التعامل مع عنوانه الأساسي حول إقامة الدولة الفلسطينية فوق الأراضي المحتلة العام 1967 ،بالطريقة التي يتناولها البعض ..

ربما كان الأفضل أن يعلن د. عريقات مثلا الانتهاء من المرحلة الانتقالية وبالتالي العودة للقيادة الفلسطينية لبحث خيار ' إعلان الدولة الفلسطينية ' كما كان مفروضا عام 1999 ، وربما يكون خيار وقف العمل بخارطة الطريق بمكونها الأمني أو ربطه بتطبيق ما جاء به حول وقف النشاط الاستيطاني ، أو ' الإضراب العام ' عن العلاقة مع إسرائيل بكل أشكالها السياسية والأمنية والاقتصادية ، والتفكير الجدي بخيار استشارة الشعب في خيار المواجهة الشعبية الجادة العملية ..

 

هكذا يجب أن يفكر من يكون مسؤولا .. وليس ' الغضب الشكلي ' أو الحديث عن خيارات فوضوية ضارة .. فلم يعد هناك وقت لمزيد من ' فوضى الكلام' ...

ملاحظة : مجددا مطلوب ورشة عمل وطنية داخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لتحديد مسار القادم السياسي .. طبعا إن كان هناك رغبة جادة .. صادقة لمواجهة المأزق – الأزمة ..

التاريخ : 5/11/2009