ملف خاص| "السيسي".. "الجنرال الحائر في عيون محبيه وكارهيه"
تاريخ النشر : 2013-11-18 20:25

أمد/ القاهرة: منذ وقوفه إلى جانب ثورة الشعب في الثلاثين من يونيو الماضي ضد حكم الرئيس الإخواني "محمد مرسي"، بات الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، هو الشخصية الأبرز في مصر، ورأى فيه الكثيرون أنه الأصلح لقيادة البلاد مصر في الفترة المقبلة، حيث لا يوجد على الساحة أحد يمكنه أن يقود مصر خلال الفترة المقبلة.

"الوطن" المصرية أعدت ملفًا كاملا في نسختها المطبوعة اليوم، عن الفريق وما يدور في دماغ "أخطر رجل مصر"، وتطرح التساؤل، هل سيترشح للرئاسة في ظل الضغوط التي تمارس عليه للترشح للمنصب، وهل إذا تولى المنصب ستكون له رؤية ومشروع، أما لو امتتنع، هل يوجد على الساحة من يصلح للمنصب، في ظل ما تواجهه البلاد من تحديات.

كما تناقش "الوطن" في الملف، سيناريوهات واشنطن لمصير الجنرال، وهل هو "مؤسس دولة مدنية حديثة"، أم "منقذ وسيختفي بعد فقدان شعببته".

ويناقش الملف، رؤية الإسلاميين لترشح الفريق، حيث لن يعترف به الإخوان رئيسًا، مؤكدين أن ترشحه سيؤكد ما يسمونه "انقلابًا"، أما السلفيون فيرون أن الفريق يملك الوعي والإرادة، لكنهم يرفضون ترشحه، مع أنهم يرون أنه لو ترشح سيفوز.

الجزء الأول:

أهم الأفكار والقضايا المسيطرة على عقل السيسي بتحليل 24 ألف كلمة ألقاها فى 11 خطاباً 

فى كلماته، ركز «السيسى» بشدة على عدة قضايا مهمة، فى مقدمتها كيفية التعامل مع الأزمة وإدارتها، بالإضافة إلى كشف كوارث الإخوان أثناء وجودهم فى الحكم، ولم يكن «الإسلام الصحيح» بعيداً عن خطاباته، حتى وصل إلى الحديث عن القضايا السياسية والثقافية وكيفية الحفاظ على «كيان الدولة».

 

أجندة أولويات الفريق

 

منذ توليه منصب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربى وحتى الآن، تحدث الفريق أول عبدالفتاح السيسى مخاطباً الشعب فى الكثير من المناسبات، لعل أكثرها أهمية على الإطلاق البيان الذى ألقاه مساء الثانى من يوليو 2013 وأعلن خلاله نهاية حكم الإخوان بناءً على الإرادة الشعبية التى جسدتها مظاهرات 30 يونيو، وفى غضون ذلك حقق «السيسى» شعبية واسعة حتى أصبح «السيسى» بالنسبة للبعض «فرصة» تحتم أن يكون رئيساً، وبالنسبة للبعض الآخر «تحدياً» يجعلهم يتهيبون وجوده وزيراً أو رئيساً. وسواء اتخذ «السيسى» قراره بالترشح لرئاسة الجمهورية أو قرر البقاء فى منصبه الحالى أو حتى تقاعد، فهو فى كل الأحوال بطل المشهد الذى يتجاوز كل منافسيه بمساحة واسعة. وشخص بهذه الأهمية وهذا التأثير، لا بد من الاقتراب منه لمعرفة أولوياته، وكيف يفكر فى قضايا الوطن المختلفة، خاصة أن طبيعة عمله فى السلك العسكرى لم تتح الفرصة لتحقيق هذا الاقتراب، الأمر الذى يجعل الكثيرين فى حالة «نهم وتشوق» للتعرف على هذه الشخصية التى استطاع صاحبها أن يحرك الملايين من الشعب بكلمات بسيطة خرجت منه وهو يطلب إلى الجمهور النزول للميادين فى 26 يوليو.

ويحاول هذا التحليل تقديم قراءة فى الأجندة الوطنية والسياسية لـ«السيسى»، من واقع الأفكار والمضامين والتوجهات التى احتوتها 23 ألفاً و928 كلمة قالها «السيسى» فى ورقته البحثية التى قدمها أثناء بعثته الدراسية فى أمريكا عام 2006، وفى أحاديثه وتصريحاته التى أدلى بها منذ مجيئه وزيراً للدفاع وحتى 18 أغسطس 2013، حيث تم فرز وتصنيف هذه الآلاف من الكلمات طبقاً لما تحمله من معانٍ وأفكار وتوجهات، ووُجد أنها تشكل أجندة تضم 14 قضية، تتصدرها قضية علاقة الجيش بالشعب، ثم إدارة الأزمة الطاحنة التى تمر بها البلاد، وتنتهى بالقضايا الثقافية التى يحض فيها «السيسى» الناس على «التفكير» قبل الانقياد وراء هذا الطرف أو ذاك.

خارطة الطريق

العينة ومنهجية استخلاص أجندة «السيسى»:

اعتمد هذا التحليل على نصوص الكلمات والتصريحات التى قالها الفريق السيسى فى 11 مناسبة مختلفة، وهى:

1- تصريحات أدلى بها فى 30 أكتوبر 2012.

2- تصريحات عقب اجتماع الرئيس مرسى بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 11 أبريل.

3- تصريحات فى احتفالية جامعة المستقبل يوم 29 أبريل 2013.

4- تصريحات فى 11 مايو.

5- تصريحات خلال تفتيش حرب الفرقة التاسعة المدرعة فى 11 مايو.

6- تصريحات 29 مايو.

7- بيان خريطة الطريق فى 2 يوليو.

8- خطاب 24 يوليو.

9- خطاب 18 أغسطس.

10- الملخص الذى نشرته جريدة «الوطن» للبحث الذى أعده أثناء بعثته الدراسية بأمريكا.

11- حواره مع جريدة «المصرى اليوم» على مدار ثلاثة أيام بدءاً من 8 أكتوبر 2013.

بعض التفاصيل حول حجم هذه النصوص قبل تحليلها، من حيث عدد الكلمات، وعدد الكلمات الدالة التى تم استخلاصها من كل نص منها ثم جرى إخضاعها للتحليل، حيث يشير الجدول إلى أن إجمالى عدد الكلمات الواردة بهذه النصوص هو 23 ألفاً و829 كلمة، استُخلصت منها الكلمات الدالة على المضامين الرئيسية للقضايا التى تناولها الفريق فى أحاديثه، وعدد المرات التى استخدم فيها «السيسى» هذه الكلمات.

تم استخدام هذه النصوص فى استخلاص أجندة أو قائمة أولويات «السيسى»، وذلك من خلال إنشاء شجرة تصنيف لكلمات «السيسى» مكونة من ثلاثة مستويات؛ الأول به الكلمات المفتاحية أو الكلمات الدالة على المضامين، وتبين أن عددها 1713 كلمة، وقد استخدم الفريق السيسى هذه الكلمات الدالة أكثر من مرة، بإجمالى 5158 مرة استخدام، وبمتوسط عام يبلغ 3.1 مرة استخدام لكل كلمة.

وبتصنيف هذه الكلمات إلى المستوى الثانى وُجد أنها تندرج تحت 101 مجموعة، تتفاوت كل مجموعة منها من حيث عدد الكلمات الدالة التى تحتويها. ثم جرى تصنيف هذه المجموعات للوصول إلى المستوى الثالث فى شجرة التصنيف، وتبين أن الـ101 مجموعة تندرج بدورها تحت 14 مضموناً أو موضوعاً رئيسياً عاماً، يشكلون معاً «أجندة السيسى» وجدول أولوياته خلال فترة التحليل، أى منذ توليه منصبه وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للقوات المسلحة وحتى الخطاب الذى ألقاه فى 18 أغسطس. وكان المقياس أو المعيار الذى تم الاعتماد عليه فى الوصول إلى أجندة «السيسى» هو عدد مرات استخدام الكلمات الدالة، الذى يقود بدوره إلى الحيز أو مساحة الاهتمام الذى شغلته كل قضية من القضايا الـ14 فى خطبه وتصريحاته وحواره مع «المصرى اليوم» والبحث الذى تقدم به وهو ببعثته بأمريكا. ويعرض الترتيب العام لقائمة القضايا المدرجة على أجندة «السيسى»، ونصيب كل قضية من الكلمات الدالة أو المفتاحية التى استخدمها فى التعبير عنها، وعدد مرات استخدام هذه الكلمات، ونسبة الاهتمام التى استحوذت عليها القضية فى خطابات وتصريحات «السيسى». كما يعرض الشكل رقم «1» نصيب كل قضية من هذه القضايا من أجندة الفريق «السيسى» بطريقة عرض مختلفة. ويظهر من ذلك أن 61% من أجندة «السيسى» مشغول بأربع قضايا هى «علاقة الجيش والشعب، وإدارة الأزمة الحالية، والتأكيد على فكرة الوطن، وضرورة الحفاظ على كيان الدولة»، وتتوزع نسبة الـ39% المتبقية على 10 قضايا أخرى؛ تشمل القوات المسلحة والوضع الخارجى والإسلام والدين والقضايا السياسية والإخوان وقضايا الأمن الداخلى وغيرها.

تم بعد ذلك تحليل معانى الكلمات الدالة فى ضوء السياقات التى وردت بها، وذلك من أجل رسم الملامح الأساسية لخريطة الأفكار الواردة فى خطابات وأحاديث الفريق السيسى، وتوزيع هذه الأفكار على القضايا المختلفة. ويتضح أن إجمالى الأفكار الرئيسية الواردة بخطاباته يصل إلى 79 فكرة، موزعة بأعداد متفاوتة على القضايا الـ14، وتصل هذه الأفكار إلى ذروتها من حيث العدد فى قضية «إدارة الأزمة»، فيما تصل إلى أدنى أعدادها فى قضيتى «القيم السياسية» و«الوطن».

 

تحليل إحصائى

 

كشف التحليل الإحصائى لتوزيع الكلمات الدالة ومدى انتشارها فى خطابات وتصريحات «السيسى» عن أن «علاقة الجيش بالشعب» هى القضية التى تحتل رأس أجندته، فقد استحوذت على 27% من مساحة الاهتمام فى كلماته وتصريحاته. وباستعراض المفردات المستخدمة فى التعبير عن هذه القضية، وجد أن «السيسى» استخدم 382 كلمة دالة على هذه القضية، بعدد مرات استخدام بلغ 1420 مرة. وبرصد نمط استخدام هذه الكلمات، وجد أن هذه الكلمات مضت فى 8 مسارات متنوعة؛ حيث كان 33% من عدد مرات الاستخدام مفردات تمضى فى مسار «الإقناع» من خلال الشرح والتفسير وإبراز الحجج ولفت الانتباه وتقديم المعلومات، واستخدام مفردات تحرك المشاعر والعواطف، وتفتح الطريق أمام الاقتناع بكلماته.

لجأ «السيسى» أيضاً إلى عدة مسارات أخرى وهو يعبر عن العلاقة بين الجيش والشعب، فقد استخدم كلمتى «الشعب» و«الناس» 293 مرة، تمثل 20.6% من جملة ما استخدمه وهو يعرض هذه القضية. وفى هذا السياق كان دائم التأكيد على أن الجيش يتحرك خلف الشعب ويترجم إرادته، ويحترم «الناس» وما يريدونه. كما استخدم «السيسى» مساراً ثالثاً اعتمد على استخدام صيغة الجمع للإشارة إلى الشعب والجيش معاً باعتبارهما شيئاً واحداً، واستخدم هذه الصيغة 210 مرات تمثل 14.8% من جملة ما قاله عن علاقة الشعب والجيش. ثم عزز صيغة الجمع بمسارات أخرى مرتبطة بها، حيث استخدم مسار «الحديث للجميع» 58 مرة، واستخدم مساراً يعبر عن «المطالب الجماعية» للجيش والشعب معاً 79 مرة، واستخدم مساراً يعبر عن «المجتمع كله» 32 مرة، وهذه المسارات جميعاً تمثل ما نسبته 26.7% من إجمالى حديثه عن علاقة الشعب والجيش. وفى المقابل استخدم مساراً دالاً على الجيش فقط، مثل ضميرى المتكلم «أنا، إحنا»، 254 مرة تمثل 17.9% من جملة حديثه فى هذه القضية. أما كلمته الشهيرة «قَدّ الدنيا»، فكررها 20 مرة تمثل 1.4% مما قاله فى هذا الصدد. وفى ضوء هذا التوزيع يمكن القول بأن «السيسى» حالفه التوفيق فى اختيار مفرداته وكلماته الدالة وترتيب استخدامها، سواء على مستوى عرض الأفكار أو أدوات الإقناع التى بإمكانها النفاذ إلى قطاعات واسعة من الجماهير، الأمر الذى جعله ينجح فى الاستحواذ على شعبية واسعة.

من ناحية أخرى، كشفت التحليلات عن أن قضية «العلاقة بين الجيش والشعب» فى خطاب «السيسى» لم تكن على وتيرة واحدة طوال الوقت، بل شهدت تطوراً من شهر لآخر؛ ففى البداية كان المضمون الأبرز فى هذه القضية هو التركيز على «استعادة الكفاءة القتالية» للقوات المسلحة، وأن الشعب لا بد أن يطمئن إلى أن جيشه يتدرب ويستعيد كفاءته، وقد كانت رسالة «الطمأنة» واستعادة الثقة فى الجيش هى المضمون الأبرز خلال الشهور الأولى لتولى «السيسى» منصب القائد العام، وهى الفترة التى واكبت الشهور الأولى لحكم محمد مرسى. وبعد ذلك، وتحديداً من تصريحات تفتيش حرب الفرقة التاسعة، بدأت رسالة أخرى فى الظهور داخل خطاب «السيسى»، ركزت على ترسيخ مبدأ «عدم الاعتداء»، وقد بلغت ذروة التعبير العاطفى والحماسى عن هذه الرسالة بقوله: «تنقطع إيدينا قبل أن تمتد لمصرى»، وسادت هذه الرسالة فى الفترة الوسيطة من حكم «مرسى»، التى سادت فيها نبرة الإخوان العالية واندفاعتهم الكبرى نحو السيطرة على مفاصل الدولة. وفى الربع الأخير من حكم «مرسى» وحتى نهاية الفترة التى تناولها التحليل فى 18 أغسطس، كان المضمون الأبرز فى خطاب «السيسى» المتعلق بعلاقة الجيش بالشعب هو «احترام إرادة الشعب وتنفيذها».

 

 

إدارة الأزمة

 

جاءت قضية «إدارة الأزمة» الحالية فى البلاد لتحتل البند الثانى فى أجندة الفريق السيسى، بفارق بسيط عن قضية «علاقة الجيش بالشعب»، فقد استحوذت إدارة الأزمة على 21% من مساحة الاهتمام فى أحاديثه وتصريحاته، بفارق يقل بنسبة 6% عن القضية الأولى. وفى هذه القضية يظهر تأثير منهجية الإدارة المتبعة فى المؤسسة العسكرية على مفردات «السيسى»، ونمط استخدامه للكلمات الدالة على هذه القضية، وكيفية تعامله معها، فالكلمات الدالة فى هذه الحالة تمضى جميعها فى مسارات ذات علاقة بالفكر الإدارى ومنهجيات إدارة الأزمات. وقد رصدت التحليلات ثمانية مسارات فى هذا السياق، وهى -حسب مساحة الاهتمام التى حظيت بها- مسار متطلبات حل الأزمة، والتعامل الحالى مع وقائعها، وعامل الوقت، وعامل الجغرافيا، وتقييم الموقف، والعوامل المؤثرة فى الأزمة، والتحديات والمخاطر المتعلقة بها، والأبعاد العليا أو بعيدة المدى للأزمة.

لمزيد من التوضيح يمكن القول إن الكلمات الدالة والمفردات الخاصة بالمسار الأول المتعلق بمتطلبات حل الأزمة استحوذت على 34.8% من المفردات التى استخدمها «السيسى» فى حديثه عن الأزمة، حيث بلغ عدد الكلمات التى استخدمها فى هذا المسار 120 كلمة، واستخدمها 392 مرة. وفى هذا المسار تركز حديث «السيسى» حول ضرورة وجود «الإرادة» اللازمة للحل، واستخدم كلمة الإرادة 52 مرة، وتطرق إلى «الفرص»، واستخدمها 42 مرة، ثم الكلمات الدالة على ضرورة الحسم وما ينبغى أو يجب القيام به، ولجأ فى التعبير عن ذلك إلى 55 كلمة استخدمها 226 مرة. كما تحدث عن «خارطة الطريق» كسبيل للخروج من الأزمة، واستخدم كلمة «خارطة» 13 مرة. كما لجأ إلى استخدام 10 كلمات ذات علاقة بـ«المواجهة»، واستخدمها 19 مرة.

فى المسار الثانى استخدم «السيسى» مفردات غالبيتها الساحقة مشتقة من الفعل «عمل»، بعضها عامى وبعضها فصيح، مثل: «عملنا» «بيعملوا» «بيعمل» «اعمل» «عملته»... إلخ. وكانت هذه المفردات تأتى فى سياق الحديث عن أنشطة وأعمال وقرارات تتخذ للتعامل مع الأزمة على الأرض فى نطاق التعامل الحالى مع الأزمة على مدار اليوم، مثل الحديث عن نشر القوات وتأمين الميادين وتنفيذ الحظر وخلافه، وقد بلغ عدد الكلمات التى كان لها ارتباط بهذا الأمر 104 كلمات، استخدمت 182 مرة تمثل 16.2% من إجمالى حديث «السيسى» عن إدارته للأزمة.

فى المسارين الثالث والرابع تركز حديث «السيسى» حول أهمية عامل الوقت وعامل الجغرافيا فى تفاعلات الأزمة الجارية بمصر، ففيما يتعلق بالوقت استخدم «السيسى» كلمات دالة على ضرورة إنهاء الوضع الانتقالى فى أسرع وقت، لأن إطالة أمد الأزمة ليس فى صالح البلاد، وورد فى أحاديث «السيسى» 53 كلمة لها علاقة بتأثير عامل الوقت على الأزمة، وبلغ عدد مرات استخدامها 160 مرة تشكل 14.2% من جملة حديثه عن إدارة الأزمة، فيما وردت 21 كلمة لها علاقة بالوضع الجغرافى، وبلغ عدد مرات استخدامها 145 مرة تشكل 12.9% من إجمالى الحديث عن إدارة الأزمة. إلى جانب ذلك، كانت هناك مسارات حازت اهتماماً قليلاً من حديث «السيسى» فى إدارته للأزمة، فقد وردت 43 كلمة لها علاقة بتقييم الموقف، وكان من أبرزها كلمات مثل «الأزمة» و«أزمة» و«ثورة» وغيرها، ووردت هذه المفردات فى سياقات تقدم توصيفاً وتقييماً للموقف. كما وردت 40 كلمة لها علاقة ببعض العوامل المؤثرة فى الأزمة، مثل «الإعلام» و«القضاء» ومؤسسات الدولة الأخرى، واستخدمت 68 مرة بنسبة 6%، ثم كلمات تتحدث عن التحديات والمخاطر التى تواجه البلاد من وراء هذه الأزمة، كالفشل وإراقة الدماء وغيرها، وهذه بلغ عددها 25 كلمة، واستخدمت 58 مرة بنسبة 5.2%. والمسار الأخير تمثل فى استخدام مفردات تشرح الأبعاد بعيدة المدى للأزمة، كالوضع الاستراتيجى للبلاد والتأثيرات المحتملة على الأمن القومى، وورد فى هذا السياق 22 كلمة، استخدمت 42 مرة بنسبة 3.7% من إجمالى الحديث عن إدارة الأزمة.

يتضح مما سبق أن المسارين المتعلقين بمتطلبات الحل وضبط الأزمة على الأرض يشكلان 51% من حديث أو اهتمام «السيسى» المتعلق بإدارة الأزمة، وانصرفا إلى توضيح متطلبات الحل وضبط الأمور على الأرض، فيما توزع النصف الباقى على توضيح عامل الوقت والجغرافيا وتقييم الموقف والعوامل المؤثرة والحديث عن التحديات والمخاطر والأبعاد العليا للأزمة، وهو تقسيم للاهتمام يتوافق إلى حد كبير مع متطلبات الجماهير الملحة والسريعة والضاغطة، فالمفترض أن الأزمة بتفاعلاتها المتلاحقة تتطلب توجيه القوة الضاربة والأكثر فعالية لدى مؤسسات الدولة من أجل ضبط إيقاعها على الآنى واللحظى على الأرض، جنباً إلى جنب مع فهم واستيعاب متطلبات الحل.

 

 

تحليل النصوص

 

أظهرت تحليلات نصوص التصريحات والخطب التى أدلى بها «السيسى»، منذ توليه منصبه وحتى خطاب 18 أغسطس، مؤشراً يدل على أنه أبدى اهتماماً ملحوظاً باندفاعة الإخوان نحو استخدام فكرة «الأممية» أو الأمة التى تعلو فوق فكرة «الوطن» أو تكاد تلغيها، فقد كشفت الإحصاءات عن أن 13% من الكلمات الدالة المستخدمة من قبل «السيسى» ركزت على تأكيد فكرة الوطن، وفكرة كيان الدولة الوطنية، وكان نصيب فكرة الوطن 10%، مما جعلها تحتل المركز الثالث فى أجندة القضايا التى يهتم بها، و3% لفكرة كيان الدولة ومؤسساتها، وهو ما جعلها تحتل المركز التاسع فى أجندته.

وفى تأكيده ودعمه لفكرة الوطن وترسيخها مقابل فكرة «الأمة» التى استخدمها الإخوان، ورد فى حديث «السيسى» 153 كلمة لها علاقة بفكرة الوطن، استخدمها 512 مرة فى أحاديثه وتصريحاته المختلفة، وقد توزعت هذه الكلمات على ثلاث مفردات، هى «البلد» و«الوطن» و«مصر»، وبلغ عدد الكلمات ذات العلاقة بمفردة «البلد» 49 كلمة، استخدمت 112 مرة، وكان أكثرها استخداماً كلمة «البلاد» بواقع 40 مرة، ثم «البلد» 20 مرة، و«بلدنا» 18 مرة، و«بلادنا» 5 مرات، والباقى مشتقات استخدمت ثلاث مرات فأقل.

أما كلمة «الوطن»، فبلغ عدد الكلمات ذات العلاقة بها 37 كلمة، واستخدمها «السيسى» 91 مرة، وتصدرت كلمة «الوطنية» هذه القائمة بواقع 31 مرة استخدام، تليها كلمة «الوطن» بواقع 27 مرة، ثم كلمة «الوطنى» 22 مرة، ثم «الوطنية» 8 مرات، والباقى مشتقات لأقل من مرتين.

وبالنسبة لكلمة «مصر»، فبلغ عدد الكلمات ذات العلاقة بها 72 كلمة، واستخدمت 307 مرات، واستخدمت كلمة «مصر» بدون أية إضافات 107 مرات، تليها كلمة «المصريين أو المصريون» 101 مرة، و«المصرى» و«المصرية» 42 مرة، والباقى مشتقات لأقل من أربع مرات استخدام.

وفى المقابل، فإن الكلمات الدالة على فكرة الأمة وردت منها كلمة واحدة فقط هى «الأمة»، واستخدمها «السيسى» 4 مرات فقط.

لم يتوقف «السيسى» عند التعرض لفكرة الوطن مقابل الأمة، بل زاد على ذلك تناوله الواضح لفكرة «الدولة الوطنية» وضرورة الحفاظ على كيانها، وفى هذا الصدد ورد فى خطاباته وأحاديثه 18 كلمة دالة ذات علاقة بفكرة الدولة، واستخدمها «السيسى» 116 مرة، كما وردت 21 كلمة دالة ذات علاقة بمؤسسات الدولة المصرية وحتمية الحفاظ عليها وتقويتها، واستخدمها «السيسى» 49 مرة.

من ناحية أخرى، أشارت التحليلات إلى أن استخدام «السيسى» للكلمات الدالة ذات العلاقة بفكرة الوطن كان مرتبطاً بسياقات بعينها، فى مقدمتها حديثه عن الهوية والحضارة المصرية، والمستقبل الذى يتطلع إليه الشعب المصرى، أو عند تناوله للمحفزات التى يمكن الاستناد إليها للخروج من الأزمة الحالية، وكذلك عند تأكيد ميل الشعب المصرى إلى الوسطية فى التدين، والتمسك بثوابته الثقافية، وكذلك عند تناوله قضايا الحدود والوضع الإقليمى والدولى لمصر، أو عند مناقشته التحديات التى يواجهها الأمن القومى، وعند وضع هذه السياقات الموضوعية التى وردت فيها الكلمات الدالة على فكرة الوطن جنباً إلى جنب مع توزيعاتها المختلفة المشار إليها. يمكن القول إن «السيسى» حاول الانتصار لفكرة «الوطن» و«الأمة المصرية» التى عاش الشعب وتربى عليها على مدار تاريخه الممتد لآلاف السنين، فى مقابل الاندفاعة الإخوانية نحو نشر فكرة الأممية، التى تحول مصر فى عيون مواطنيها من وطن إلى سكن، ومن غاية فى حد ذاتها إلى محطة فى مشروع يضم أمماً وشعوباً أخرى.

 

 

الديمقراطية.. «حاضرة بقوة» فى عقل وزير الدفاع

 

 

إذا كانت قائمة القضايا فى أجندة «السيسى» تضم 13 قضية كما سبقت الإشارة، فإن أربع قضايا تشغل ثلثى اهتمام «السيسى» تقريباً هى -كما سبقت الإشارة- علاقة الجيش بالشعب وإدارة الأزمة وفكرة الوطن وكيان الدولة. أما الثلث الأخير، منها أو يزيد قليلاً، فتشغله عشر قضايا متنوعة، تستحوذ مجتمعة على 39% من الاهتمام لدى «السيسى». وتأتى القضايا السياسية على رأس الثلث الأخير بنصيب 9% من الاهتمام، وتحتل المركز الرابع فى الترتيب العام للقضايا، فيما تحتل القضايا الثقافية المركز الرابع عشر والأخير بنصيب 1% تقريباً.

قضايا السياسة:

وفيما يتعلق بالقضايا السياسية نجد أنها استحوذت على 164 كلمة دالة من إجمالى الكلمات الدالة الواردة فى خطابات وأحاديث «السيسى»، والبالغة كما سبقت الإشارة 1171 كلمة. واستخدم «السيسى» الكلمات الدالة فى مجال القضايا السياسية 476 مرة، كان من بينها 114 مرة عن كلمات لها علاقة بالحكم والحكومة، و113 مرة لها علاقة بالديمقراطية، و83 مرة لها علاقة بالرئيس ومنصب الرئيس، و47 مرة لها علاقة بالسياسة بشكل عام، و26 مرة لها علاقة بالدستور، و26 مرة للانتخابات، و23 مرة تحدث فيها عن السلطة، و15 مرة فى سياقات تتحدث عن الفترة الانتقالية، و15 مرة عن رئاسة الجمهورية، و7 مرات عن الاستفتاء، و7 مرات عن البرلمان.

وعند الربط بين هذه القضايا السياسية والسياقات العامة الواردة فيها، يمكن الخروج بملاحظة واضحة؛ أن القضية السياسية الأولى التى كانت تشغل بال «السيسى» خلال الفترة من توليه منصبه وحتى 18 أغسطس هى مسألة الحكومة والحكم من حيث الأداء والقدرة على إدارة الأزمة، وأن الديمقراطية كقضية سياسية وردت فى أحاديثه واحتلت مساحة من الاهتمام بأكثر من قضيتى الرئاسة والرئيس ومنصب الرئيس. وإذا ما جمعنا مدى اهتمامه بقضايا الدستور والانتخابات والاستفتاء والبرلمان، سنجدها تمثل نصف اهتمامه بالديمقراطية. وإذا ما اعتبرنا أن الديمقراطية والانتخابات والبرلمان والاستفتاء والدستور هى حزمة قضايا مترابطة ويتفاعل كل منها مع الآخر، سنجد أن نصيب هذه الحزمة من كلمات واهتمامات «السيسى» يتفوق بنسبة 45% على اهتمامه بقضية الرئاسة ومنصب الرئيس. أما إذا تم التعامل مع قضايا الرئاسة ومنصب الرئيس والحكومة والحكم كحزمة واحدة، فإن هذه الحزمة تكون هى الأولى بلا منازع بين كل القضايا السياسية الواردة فى خطاب «السيسى»، لكونها ستتفوق على حزمة قضايا الدستور والانتخابات والديمقراطية بفارق 15%.

القوات المسلحة:

احتوى خطاب «السيسى» على 86 كلمة دالة لها علاقة بالقوات المسلحة، استخدمها 339 مرة، وكان من بين المفردات المستخدمة فى ذلك: الجيش، الحرب، العسكرية، القوات المسلحة. وقد شكلت هذه الأرقام ما نسبته 7% من إجمالى الكلمات الدالة واستخداماتها، وجعلت مساحة الاهتمام التى استحوذت عليها القوات المسلحة كمؤسسة فى حد ذاتها وليس فى علاقتها بالشعب أو خلافه، تحتل المركز الخامس فى قائمة القضايا الواردة فى أجندة «السيسى».

الوضع الخارجى:

استحوذ الوضع الخارجى على 5% من الاهتمام فى خطابات «السيسى»، واحتل المرتبة السادسة فى قائمة القضايا الواردة بأجندته، وفى هذه القضية وردت 32 كلمة مفتاحية، استخدمها «السيسى» 234 مرة، من أهمها كلمات «الشرق الأوسط» التى استخدمت 142 مرة، و«العالم» 27 مرة، و«المنطقة» 43 مرة، و«الولايات المتحدة» 22 مرة.

الإسلام والدين:

بلغ نصيب القضايا المتعلقة بالدين والعقيدة وإسلامى ومسيحى 4% من خطابات «السيسى» واحتلت المركز السابع، ووردت فى هذه القضية 89 كلمة مفتاحية، استخدمت 195 مرة، وكان من بينها 61 مفردة تتحدث عن العقيدة والدين الإسلامى والتدين الوسطى وخلافه، واستخدمها «السيسى» 129 مرة، ولفظ الجلالة «الله» استخدمه «السيسى» 49 مرة، و«الأزهر» 11 مرة، و«الكنيسة» 9 مرات.

ويلاحظ فى هذا الصدد أن السياقات التى استخدم فيها «السيسى» هذه الكلمات الدالة كانت إما تستهدف التأكيد على تدين وإيمان الجيش وقيادته ونزاهته والتزامه الأخلاقى والروحى والدينى فى كل ممارساته، خاصة فيما يتعلق بعملية إزاحة «مرسى» عن السلطة تنفيذاً للإرادة الشعبية التى عكستها مظاهرات 30 يونيو، وإما تستهدف التأكيد على وسطية الشعب المصرى فى تدينه وعقيدته، والتزامه بوحدته الوطنية.

قضايا التنمية:

جاء نصيب قضايا التنمية ضئيلاً نوعاً ما فى خطابات «السيسى»، حيث حصلت هذه القضايا على 4% فقط من الاهتمام، واحتلت المركز الثامن فى أجندة «السيسى». ووردت فى خطابات وتصريحات «السيسى» 93 كلمة يمكن القول إن لها علاقة بقضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية، واستخدمها «السيسى» 190 مرة، وجاءت قضية «البناء»، حسب وصف «السيسى»، فى صدارة هذه القضايا، حيث ذكرها «السيسى» 38 مرة، تليها قضية «التنظيم والتخطيط» التى وردت فى كلمات «السيسى» عند حديثه عن «المنظومة» والتخطيط، وذكرها 38 مرة، ثم «الاقتصاد» 24 مرة، و«الإدارة» 20 مرة، و«التقدم» 17 مرة، و«التدريب» 16 مرة، و«التعليم» 16 مرة، و«المعلومات» 11 مرة، و«الكفاءة» 10 مرات. ويمكن تفسير هذا التراجع فى الخطاب التنموى لدى «السيسى» إلى أمرين؛ الأول هو موقعه قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، الذى يرتب عليه مسئوليات واختصاصات لا تدخل فيها عمليات التنمية بصورة مباشرة. والثانى ربما وجود رغبة لدى «السيسى» فى عدم الزج بنفسه والمؤسسة العسكرية فى صميم اختصاصات القطاعات المدنية بالدولة.

قضايا أقل اهتماماً:

ظهرت فى أجندة «السيسى» قضايا أقل اهتماماً، كان نصيب كلٍّ منها من 3% فأقل من اهتماماته، وشملت هذه القضايا كلاً من «الإخوان» التى جاءت فى المركز العاشر، واستخدم «السيسى» الكلمات الدالة عليها 146 مرة، كان من بينها 38 مرة لكلمة «الإخوان»، و10 مرات لـ«الفكر الإخوانى»، و84 مرة لها علاقة بخطاب الجماعة وفكرها، و14 مرة ذكر فيها «مرسى»، جميعها تقريباً مقرونة إما بكلمة «الرئيس» أو «الرئيس السابق». وفى المركز الحادى عشر جاءت قضية الاستعانة بالإحصاءات والأرقام فى شرح القضايا الأخرى، وهذه شكلت 3% أيضاً، ثم قضايا الأمن الداخلى، ونصيبها 2%، والقيم السياسية كالاستقرار والتظاهر والحرية والعدالة والكرامة والمعارضة وغيرها، وهذه جميعاً كان نصيبها 1% من الاهتمام، حيث ورد بشأنها 39 كلمة مفتاحية استخدمها «السيسى» 61 مرة. وأخيراً القضايا الثقافية التى بلغ نصيبها 1% تقريباً، واستخدم «السيسى» الكلمات المفتاحية الخاصة بها 61 مرة. وكان اللافت فى هذه القضية هو تركيزه على استخدام الثقافة فى بث حالة من «التفكير» داخل المجتمع، حتى لا ينقاد وراء ما يشاع أو يحاول البعض نشره من أفكار ومعلومات.