محمود عباس إلى أين
تاريخ النشر : 2013-11-18 17:58

في المدارس السياسية ومهما كان تنوعها وتوجهاتها هناك ثوابت ونهج يتم الحكم عليه من خلال المتابعة ومن حلال استكشاف مربعات هذا البرنامج أو ذاك ويمكن الحكم عليه إذا كان هذا البرنامج يخدم قضية ويخدم دولة أو يخدم مجتمع.
سأتجاوز عن مشاعري الخاصة في التسميات الاعتبارية للرئيس محمود عباس، فهو رئيس لكل شيء في حياة الشعب الفلسطيني وبدون قواعد ديمقراطية سليمة وبدون مراعاة لأي حكم تاريخي لمعطيات القضية الفلسطينية، هكذا بأقل الكلمات يمكن وصف نهج وسلوك الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أؤتمن على أهم قضية في العصر الحديث وأعقد قضية ويحكم شعب من أصلب شعوب العالم إذا ما جيّر عطاء هذا الشعب في قنوات صحيحة لاسترداد حقوقه وكرامته.
سؤال يطرح نفسه إلى أين يسير الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
سؤال أصبح محيراً حيث لا خطوط نهائية يمكن أن تحدد الاجابة على هذا السؤال أمام انهيارات حقيقية ومتدرجة ومتدحرجة تمس كل الأيقونات الفلسطينية بمختلف معانيها المادية والمعنوية.
لو بحثنا في نهج محمود عباس في مربعين منفصلين، ولكن هذين المربعين ذات علاقة متصلة وعضوية بينهما أي لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر:
1-باعتبار حركة فتح هي طليعة المشروع الوطني وهي مفجرة الثورة الحديثة وهي التي رسمت الجماهير على عاتقها أحلامها وطموحاتها في تحرير فلسطين وما لبثت هذه الجماهير أن أحبطت في بداية الأمر من برنامج تنازلي متدرج إلى أن أخرج حركة التحرر الوطني من ثوبها وبدرجة مغايرة كلياً لبرنامجها تحت وقع الحلول المرحلية ثم أصبحت حلول استراتيجية مع العدو الصهيوني إلى مربع التعاون المشترك والصداقة المرجوة مع هذا العدو، كان لنهج محمود عباس في داخل حركة فتح ومن موقعه القيادي بعد رحيل عرفات هو صاحب الضربة القاضية لأيقونات ثورية داخل حركة فتح بل تصفية وبشكل واضح لكل المعطيات الثورية والنضالية لأن يكون هذا الجسم له امتدادات كحركة تحرر أو نموذجا يدل على تاريخ حركة أو على تاريخ ومطالب ومعطيات ومنطلقات، فقد تم التخريب في كل شيء في حركة فتح وتحولت حركة فتح من طليعة إلى الخروج المادي والوطني بترك مربعات فراغ ملأها الآخرون وأصبح يساوم فيها الآخرون على حركة فتح وعلى تاريخها وحاضرها.
بقيادة السيد محمود عباس أصبح كل شيء هلاميا في حركة فتح لا برنامج سوى برنامج المفاوضات والاستنكار لخطوات مدمرة يتخذها العدو الصهيوني يوميا ضد وجودنا الفلسطيني والوطني أيضا.
أطر هلامية وقيادات ليست ذات مسؤولية أو تجربة أو خبرة في ادارة الصراع والحوار مع القاعدة والجماهير بحيث أصبح الكادر الحركي يدافع عن نهج محمود عباس الذي هو يخدم وكما يصف قادة العدو الصهيوني بأن نهجه يخدم نظرية الأمن الصهيوني بالتنسيق الدائم والجاد والوفي لحماية الاستيطان والمستوطنين، فضلا عن البعد الاستراتيجي لنهج محمود عباس الذي يكرس دوليا واعتباريا دولة الكيان الصهيوني.
2- محمود عباس كمتسلق على القرار الوطني الفلسطيني من خلال منظمة التحرير ومن خلال هيئات ومؤسسات لا شرعية مهيمنة على القرار الوطني الفلسطيني يستنزف منظمة التحرير التي أنشئت في أوائل الستينات كمؤسسة تحررية تطالب بتحرير فلسطين إلى الزج بإسمها في زواريب وحارات ومستنقعات أوسلو المتدرجة التي أصبحت تشكل أهم الأمراض في الساحة الفلسطينية وما آلت إليه الأمور من إنقسامات سياسية بين تجمعين سكانين مهمين في الضفة وغزة كان يمكن لأن يكون هذين التجمعين برنامجا واحد تقوده حركة تحرر وطني بكل قواها لتحرير فلسطين.
لم تتوقف ممارسات محمود عباس والشيء المحير فيه أن يتحدث جهاراً عن برنامج حل الدولتين الغير عادل والغير منصف للشعب الفلسطيني وأهم ما في هذا البرنامج هو وجود حل عادل لقضية اللاجئين، عندما ذهب محمود عباس إلى الأمم المتحدة ذهب ليتحصل على دولة غير عضو في الجمعية العامة تقف حدودها عند مجلس الأمن، ربما كان هذا النشاط الدبلوماسي قد يكرس المطلب الصهيوني في رسم الخريطة اليهودية الأمنية لتلك الكيانية أي باعتراف على حدود 67 اي يعني ذلك تكريس دولة الكيان على أكثر من 82% من أرض فلسطين، ويعني ذلك أيضا تبادلية الأرض التي لم تنصاع لها اسرائيل وهي في حدود 9 أو 10% أما على الأرض فتتحكم اسرائيل في حدود 40% من اراضي الضفة الغربية.
تجاوز الرئيس الفلسطيني حدود الوطنية الفلسطينية والأخلاق الفلسطينية والعربية بالمنظور الوطني والقومي والاسلامي عندما وصف إسرائيل بالدولة الجارة، وعندما أعطى وعداً بأن إسرائيل "وجدت لتبقى" وهذا تجاوز قرار وعد بلفور الذي لم يجزم ولم يعطي تاريخا لتنفيذه.
السيد محمود عباس مستمر في نهجه إلى آخر مقولة قالها بتاريخ 17-11-2013 عندما قال أن المفاوضات مستمرة بصرف النظر عن الوقائع على الأرض، وفي هذا يفشل الضغط الأمريكي على حكومة ناتنياهو التي أدانت الاستيطان لما يقارب 3000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات الكبرى في القدس ومناطق في الغور، أي أن السيد محمود عباس أصبح مدافعاً عن المتطرفين الصهاينة الذين يخشاهم ناتنياهو عندما اعتمد سياسة الاستيطان الجديدة، وبالمعنى السياسي والقانوني أن بإمكان الاحتلال التوسع في الاستيطان طوال فترة المفاوضات لتنجز ما تنجزه من استيطان جديد، وأمام التقدم التكنولوجي للاحتلال فيمكن أن ينجز أكثر من 3000 وحدة سكنية في هذا الوقت.
أما البعد الثاني لنهج عباس ما تتعرض له القدس من اقتحامات للحاخامات الصهاينة لباحات المسجد الأقصى وهي يومية وكما يحدث في الخليل عندما يؤدي الجنود الصهاينة راحتهم اليومية في داخل الحرم الابراهيمي، فيمكن أن تصل الأمور لهذا الحد لتشريع الوجود الصهيوني في المسجد وربما يتذرعوا بدعوى أن هذا المسجد مقام فوق الهيكل فيمكن أن يأدوا الصلاة في داخله، أو التقاسم الزمني والمكاني للمسجد الأقصى.
عباس ينسف كل الخيارات أمام الشعب الفلسطيني حيث يصبح الشعب الفلسطيني بلا خيارات حقيقية ولا خيارات ممكنة لاسترجاع قوتهم ووحدتهم ووحدة فعلهم أمام تعنت صهيوني بل هجوم صهيوني على كل ما تبقى من الأرض الفلسطينية فهو نبذ المقاومة ولاحقها ونسق مع الاحتلال في مطاردة المقاومين وأكد وأصر ومن خلال خطة ممنهجة لمنع أي انتفاضة يقوم بها الشعب الفلسطيني وكما هو الحال من انقسامات عمودية وأفقية في الضفة الغربية وغزة، حيث أصبح مشروع التحرير غائبا كليا وأمام فشل ذريع لحل الدولتين التي غالبا ستقوم دولة الاحتلال بانهاء هذا التفاوض لأن اسرائيل كرست ما تريد في مناطق الغور وفي الضفة الغربية من استيطان وتشبع وعزل كنتونات سكنية فلسطينية في داخل الضفة الغربية تحكمها أجهزة أمنية، ففي هذه الحالة أصبح وجود السلطة هو عبارة عن مكتب مالي لأموال الرباعية لتوزيع الرواتب على المؤسسات الفلسطينية والأجهزة الأمنية ومن السهل أن تتخلى اسرائيل عن تلك القيادة السياسية لوضع بدائل أخرى محلية تقوم بضبط الأمن في الضفة الغربية ووضع وكلاء جدد لأداء مهامهم المالية والادارية في الضفة الغربية أي الرجوع لمبادرة ايجال آلون وشامير بخصوص الضفة الغربية.
أما غزة فهي المحاصرة تحت ذريعة حكم فصيل وتحت ذريعة برنامج المقاومة في حين أن غزة ينقصها الوحدة الوطنية وكل شيء فيها مكرس لخدمة فصيل وليس لخدمة أيقونات الشعب الفلسطيني بكامله في قطاع غزة.
برنامج محمود عباس الانفصالي في الضفة الغربية أتاح لانفصال ورغبة وطموح بالانفصال في قطاع غزة والطرفان يرتكبان جرما تاريخيا في حق الشعب الفلسطيني حيث أنهما لا يريدان أن يتجاوزا نرجسيتهما بالرجوع الى معطيات القضية الفلسطينية وما تستوجب من تنازلات حقيقية عن مطالب الفصيل ومطالب البرنامج المحدود لكل منهما ففلسطين تحتاج إلى برنامج تحتاج لانقاذ ما يمكن انقاذه مما تم تخريبه في العقلية الفلسطينية والثقافة الفلسطينية والمؤسسة الفلسطينية.
لن يتراجع محمود عباس عن مهمته إلا بانهيار كامل للأيقونة الفلسطينية وانهيار كامل لحركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح وعلى أنقاد ذلك سيتم تنفيذ الحلم الاسرائيلي في يهوذا والسامرة وأعتقد أن هذه هي مهمة الرئيس الفلسطيني لا نقولها جزافا ولا تبليا ولا اتهاماً فلقد أصم أذنيه عن وحدة حركة فتح واستقطاب مناضليها وكوادرها وقياداتها الحقيقيين واستبدلهما بقيادات ومركزية هامشية مقدما مصالح أبناءه على مصالح الإطار عندما ربط أي مصالحة فتحاوية فتحاوية بما يرضى عنه أبناءه فمن المهازل أن يتم ربط مواقف وطنية وحركية بمواقف شخصية مشخصنة لا تدور إلا حول أبناءه ناهيك عن أن أي رئيس لدولة ما لا يمكن أن يقوم بالتحريض على جزء من شعبه لمجرد أن هناك حكم لفصيل أو مجموعة تتناقض معه في برنامج وتلتقي في الانفصال فهو يحرض بشكل دائم على غزة والشعب الفلسطيني في غزة ويتعرض أبناءه في داخل غزة وفي الضفة الغربية لكل علميات التمييز والحصار والازهاق، لا لشيء إلا لعملية الاقصاء الجغرافي وتجزئة الشعب الفلسطيني وهذا ما يطعن في وجوده أصلا كرئيس لدولة فلسطين وللشعب الفلسطيني.