الكفاءات الوطنية والحاجة إلى رؤية وطنية
تاريخ النشر : 2014-12-09 21:47

أصبحت السمة الغالبة التي تشهد عليها منطقة الشرق الأوسط اشتداد الازمات في بيئة صراعية حادة على السلطة، وتحديداً المناطق الأكثر سخونة منها في الوطن العربي، حتى الحالة الفلسطينية على الرغم من خصوصيتها ليست ببعيده عن ما أصبح يدور من حديث في الأروقة، وبين الناس، والأحزاب، والنخب، وصانعي القرار حول الكيفية التي يمكن أنْ تُخرجنا من دائرة الأزمات المتتالية والفشل في إدارة شؤون البلاد والعباد، حيث تعلو الأصوات في مجملها بأنه يجب أن يتولى زمام الأمور وإدارة الحكومات ذوو الكفاءات، وفق مبدأ "وضع الرجل المناسب في المكان المناسب"، وإشاعة استخدام مصطلح "حكومة التكنقراط"، في غياب واضح لأي حديث عن رؤى تتبناه تلك الحكومات تراعي البيئة والظروف الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية السائدة في كل بلد من البلدان العربية، في إطار إدراك واضح لمواطن القوة والضعف في بيئتها الداخلية، وأين تكمن الفرص والتحديات في محيطها الخارجي سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي؟.

وفي المحصلة يأتي من ينشغل بشكل دائم ومستمر في معالجة الأزمات، والبحث عن الحلول التي قد تكون بمثابة مسكنات بهدف تسوية الأزمات وتهدئتها دون البحث عن آليات حل تلك الأزمات من جذورها، حيث سرعان ما تعود أن تنفجر من جديد، وكذلك الانشغال بالأمور الثانوية الصغيرة، وترك القضايا الكبيرة والمهمة وفق القاعدة الشائعة والغير صحيحة، التي تقول: "أنا مشغول إذن أنا فعال".

لابد هنا من التفريق بحاجة شعوبنا الماسة للكفاءات الوطنية، والإعمال بمبدأ "الرجل المناسب في المكان المناسب"، وبين حاجتنا أيضاً إلى رؤى، وخطط استراتيجية واضحة المعالم ومتفق عليها وطنياً تسير على هداها الحكومات المتعاقبة في إطار منظومة التكامل، فقد يقود الإنسان سيارته بكفاءة عالية، ولكن إذا كان لا يملك خارطة للطريق واتجه الوُجهة الخطأ، فإنه لن يصل إلى هدفهِ الذي أنطلق من أجل بلوغه، وقد يدخل في طرقٍ وعرةٍ قد تؤدي إلى إعطاب سيارته، وفي المحصلة أيضاً لابد من أن الوقود قد ينفذ.

حينما تمتلك الحكوماتُ المفوضة بإدارة شؤون البلاد والعباد أهداف ورؤى واضحة للمستقبل، وتقنع بها شعوبها، فإن هذا بحد ذاته يفجر الطاقات ويضاعف الإنتاج على كافة الصعد، فوضوح الهدف والرؤية المقنعة تجعل من أصغر مواطن، وأصغر جندي يستشعر أنه يحمل رسالة ودور في بناء الوطن وحماية أراضيه، وهذا الوضوح والاستشعار يعطيه سعة في الأفق وقوة في القلب وأمناً ورشاداً، ويمنح الحكومة والقيادة ثقةً وشرعية تمكنها من الاستغلال الأمثل لما تمتلكه من مواطن قوة، وما هو متاح من فرص، وكذلك مساعدتها في معالجة مواطن الضعف، ومواجهة التحديات بكل حكمةٍ وصلابة.