الواقعية السياسية لدى "نتنياهو"
تاريخ النشر : 2013-11-18 13:47

الواقعية السياسة العقلانية لدى "نتنياهو" يفهمها؛ على أن العالم لا يحترم ولا يقيم وزناً إلا للقوي، والعمل ضمن معطيات الواقع الحاضر الملموسة والكامنة، وبالتالي استثمار القوة(الظالمة)، والفارق في موازين القوى، الذي يتمتع به إلى أقصى حد، وخاصة أمام الفلسطينيين "الضعفاء"، بحسب قراءته لمعطيات الواقع.

الواقعية السياسية لدى "نتنياهو" هي نتاج لحالة الغطرسة، والزهو بالقوة العمياء، واستثمار الضعف الفلسطيني والعربي إلى أبعد الحدود، خاصة بعد تحطم، أو إشغال أقوى واكبر ثلاث جيوش عربية، وظهور قوى إقليمية قوية وصاعدة، بحجم إيران، كانت تبحث عن أسباب القوة والوحدة طوال الوقت؛ في الوقت الذي كان فيه العرب يبحثوا، وما زالوا؛ عن أسباب الفرقة والخلاف، وبث الأحقاد والضغائن، وقتال بعضهم البعض.

أكثر ما يغيظ ويقلق "نتنياهو"؛ هو العمل بالواقعية السياسية من قبل بعض التيارات العربية، التي تفهمها وتفسرها بأنها فن التغيير، والقوة بالقوة، وليس فن الممكن ضمن ما هو متاح وموجود. فالواقعية لدى  من يؤرقون "نتنياهو، لا تعني الاستسلام أو الاعتراف بالأمر الواقع، بل فهم الواقع بكل سلبياته وقسوته، ثم وضع خطط تكتيكية وإستراتيجية لمواجهته وتجاوزه وتغييره، وذلك من خلال مصادر القوة المتعددة والكامنة لدى الشعوب والتي لا تنضب، ولا تنفذ.

بالمقابل يرى بعض المتابعين بان "نتنياهو" مرتاح مع المفاوض الفلسطيني الذي يرى بان فن الممكن مع الوقت ومرور الزمن قد يصلح ويعيد بعض الحقوق لأصحابها، فمدرسة المفاوض الفلسطيني، لا تعترف بالأحلام والأوهام وبعثرة الشعارات البراقة، بل بالواقع الموجود كما هو، من اختلال واضح، وفاضح، لموازين القوى؛ وهو ما يزيد من عنجهية وتصلب مواقف "نتنياهو".

المدافعون عن مدرسة التفاوض؛ يرون بان التفكير في المواجهة المسلحة هو ضرب من اللاعقلانية، وعدم التعاطي العلمي والصحيح مع الواقعية السياسية، في مواجهة محسومة النتائج سلفاً، وأن اتخاذ قرار المواجهة ليس إلا انتحاراً سياسياً، يتحمل تاريخيا من اتخذه وقرره، دون معرفة العواقب.

من هنا يقرأ "نتنياهو" أن المفاوض الفلسطيني جنح للواقعية السياسية التي تعرف الواقعية السياسة بأنها فن الممكن، والتعامل بمرونة وموضوعية مع الواقع وشروطه الراهنة على قدر الإمكانيات المتاحة، وعدم الانجرار وراء الخطابات العاطفية، والمجانية في التضحيات؛ ولذلك طرح شروطه التعجيزية للحل النهائي والتاريخي؛ لقراءته الصحيحة من وجهة نظره، التي  خرجت بنتيجة مفادها؛ ضعف، واضح وبين، في الجانب الفلسطيني؛ وبالتالي يمكن ابتزازه وهو في أضعف مراحله.

مما سبق؛ يؤمن "نتنياهو" بان الواقعية السياسية تحتم عليه الضغط حتى آخر قطرة ماء، فسياسة القوة المجردة - كما يراها -  والتي تميل لصالحه بشكل لا يقارن بالوفد الفلسطيني، والخالية من الأخلاق والقوانين، والمبنية على تحقيق أكبر قدر من مصلحة دولة الاحتلال؛ هو ما يسعى له جاهدا.

"نتنياهو" يتمرد ويقفز عن الواقع والمجتمع الدولي؛ وإلا كيف نفسر عدم انصياعه للقوانين الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن. "نتنياهو" تفكيره يقوم على فهم الواقع وتناقضاته، وموازين القوى التي تحكمه، والبيئة الداخلية والخارجية المؤثرة فيه، ومن هنا هو يلعب ويتقن اللعب على الضعفاء فقط؛ فيما لم يجرؤ حتى الآن على ضرب إيران، وكل  ما يصدر عنه ما هو إلا جعجعة، وكلام يطيره الهواء.

يرى بعض المفكرين انه في المنظور العلمي؛ لا يجوز أن ترسم  وتتشكل سياسة محددة، وتكون نهج حياة، على شاكلة المفاوضات حياة؛ تبقى الشعب الخاضع للاحتلال محل تجارب،  فيما الواقع يتشكل حسب مشيئة "نتنياهو"؛ من استيطان وفرض الوقائع على الأرض بفعل الفارق في موازين القوى.

يوجد بيننا من يسمون أنفسهم بالواقعيين الجدد الذين يرهقونا بتفصيلات، وتقسيمات وتهجمات، وشتم وردح، وخطط تشوه وتقزم، وتفبرك وتبدل الحقائق؛ دون أن يشغلوا عقولهم بإبداع وسائل نضالية جديدة ترهق العدو وتوحد الصفوف؛ بدل إرهاق الشعب وقواه.

انطلاقا من حقيقة أزلية، وسنة كونية، مفادها؛ أن لا شعب يخلو من مصادر القوة؛ يمكن للفلسطينيين أن يستخدموا ما لديهم من مصادر قوة لا تنضب، ويفعلوها للضغط على "نتنياهو"؛ لكن يبقى السؤال: هل الطرف الفلسطيني مدرك لتلك القوى، ويفعل تلك القوى الكامنة فيه، أم انه غير ذلك ؟!