انعكاس عملة داعش على العالم
تاريخ النشر : 2014-12-03 11:29

العملة الورقية واحدة من مفارقات الحداثة ، رغم ، وفرة هذه المفارقات في العصر الحديث ، اضطرت متطلبات الحداثة ابتكر أوراق نقدية بهدف طي صفحة المعادن النقدية التى اشتهرت بكثرة عوائقها على صعيد التخزين أو في نقلها ، حيث ، استمدت قيمتها بضمان الحكومات المصدرة لها ، ولم يكن بنك اسكوتلندا ، هو ، الأول في اصدارها ، لكنه ، على الإطلاق ، كان الثاني ومازال يُتابع بكل مهارة هذه المهمة بنجاح ، منذ أكثر من 300 عام ، علماً ، كما هو معروف ، حدث تطور تدريجي على الشكل والحجم ومجمل أشكال طباعتها بالإضافة إلى كيفية تعامل الناس معها ، الاقتراب منها ، بحذر ، والابتعاد عنها ، كأنها خدعة ، كما هو كل شيء ، فكانت بلا شك بداية صعبة ، حيث ، أخذت وقت وجهد كي يتقبلها البشر ولم يكن الانتقال من المعادن إلى الورقية بالأمر اليسير ، بل ، كما يشير سجلها التاريخي ، استخدمت الحكومات ، القوة ، في أغلب الأحيان إلى أن تعممت الفكرة عالمياً والذي سهل ، أكثر ، ممارسة الأجيال للأوراق النقدية ، حيث ، يخلو ماضيهم من المعادن ، فكانوا الفاصل الأهم في ترسيخها كثقافة ، لاحقاً ، ومع مرور الوقت ، اشتق السوق المالي قوانين وتعريفات خاصة بالعملات ، العملة الصعبة التى تستعمل كعملة دولية ، وأخرى ، اللينة تخضع لضوابط الصرف ، رغم كلاهما ، لهما قيمة مستقرة في الصرف الدولي ، ومنذ بداية القرن السادس عشر ، بدأت أوروبا وجزء من الولايات الأمريكية ، قبل توسعها ودمج ولايات أخرى إلى اتحادها ، بالبحث عن تفكيك النظام المرتبط بالدينار الإسلامي ، الذهبي ، حيث ، يعود استقلال المسلمين عن دينار البيزنطيين إلى عهد عبد الملك بن مروان ، في العصر الأموي ، وبقت الدول التى تعاقبت على حكم الأمة تتداول به إلى أن سقطت الخلافة العثمانية عام 1918 م .
في أقل تقدير ، أو أقصاه ، وربما ، هيهات لعلماء اقتصاد عرب أن ينتظروا من القائمين على مجلس الاقتصادي العربي أو ربما ، مجلس التعاون العربي ، مراجعة أنفسهم إزاء هذا الاستسلام أمام نظام عالمي قائم على العملة الورقية غير مرتبطة بالذهب أو بالفضة ، وبالرغم ، من حرص علماء الأمة الدءوب بالبحث والاجتهاد ، وبالتالي ، السعي لانفكاك عالمهم الإسلامي عن هذا النظام ، إلا أن ، كانت اطروحة رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد عام 1996 الأهم والقابلة للتنفيذ والمتميزة كبديل قادر على أن يتخلى عن الدولار دون أن تتعرض الدول الاسلامية لأزمات آنية أو مستقبلية ، ومن المفترض أن يكون الوسيلة الأفضل في التبادل المالي والمعاملات التجارية الدولية بين الدول الاسلامية ، حيث ، رأي أن العودة الى تداول بالدينار الاسلامي ، الذهبي ، والدرهم الفضي ، هو ، السبيل الأنسب والوحيد لحماية الإنسان من الظلم والاستبداد المالي ، ولأن العملة الورقية ، وحسب التجارب المؤرخة ، معرضة إلى تضخم مالي ، أي فقدان قدرتها الشرائية ، خصوصاً ، عندما تخوض الدول حروب تضطر إلى طبع عملتها بشكل كبير الذي يسبب ارتفاع مفرط في المستوى العام للسلع ، وبالتالي ، يُمّكن فئة بامتلاك ثروة من عدم عن طريق احتكار وتحكم بالأسعار وهذا يتعارض مع النظرية الإسلامية لأنها تعتبرها احتكاراً .
وفي حدود ما أعلنه ديوان بيت المال ، دائماً ، يبلغ من خلاصته ، قد يبدو بالغة الغرابة ، للوهلة الأولى ، عن ذهنية اعتادت السائد والرافضة تماماً لأي تحول أمام تشبثها بالمكرور ، وقد يكون طريق التحول عند الأغلبية شيئاً من ضرب الخيال ، لكنه ، بين الدول النشطة ، وخاصةً ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ليس هكذا ، أبداً ، حيث تعتبره بمثابة إعلان حرب ، بل ، من الضربات القاضية ، عندما تعلن الدولة الإسلامية داعش ، عن نيتها بسكّ معادن من الذهب والفضة والنحاس وتتطلع إلى البدء بالتداول بها عمّا قريب في مناطق تسيطر عليها بالعراق وسوريا ، إلا أن ما يلفت الانتباه ، تلك الرموز التى اقرتها على عملتها ، منها رمزين ، الأول ، سبع سنابل للفئة الدينار الواحد من الذهب التى تعني البركة والإنفاق ، والأخر ، منارة دمشق ، وهي ، مهبط المسيح عليه السلام وأرض الملاحم كما أخبرت الأحاديث عنها في باب الدجال ، وخيراً أن يفعل المرء بأن ينتظر اتضاح المتتاليات ، أكثر ، قبل أن يبدي رأيه في مستقبل العملة الجديدة ومصيرها ، وتباعاً لم تقدم ، يتضح أن هناك تقاطع واضح مع رؤية السيد مهاتير ، وهذا ، إن دل في دلالته العميقة ، يشير بأن لدى داعش من يرسم سير خطاها ، من عقول ذات امكانيات قادرة على إيجاد بدائل على الدوام ، بل ، تُوفر تلك البدائل ، احترازاً لأي مستجدات تعيق حركتها ، طالما تدرك بأن مصادرها من الضرائب والآبار النفط والفديات الناتجة عن عمليات الخطف معرضة في أي وقت إلى الحصار والتجفيف ، لهذا ، يرتئي مترجم الاطروحة المعدنية ، بأن دفع العملة الجديدة إلى السوق المحلي ، ولاحقاً ، العالمي ، هو الطريق الأقرب إلى الإنعتاق من نظام قامَ بالأصل ومستمر على عمولة الفائدة التى تتكبدها الشعوب ، عامةً ، وهو ، السبب الرئيسي باستعبادهم وسلب ارادتهم وحريتهم والتحكم بهم من خلال عمليات الرهن والارتهان معاً ، ثمة إلى هذا ، اعتقاد يبدو أهم وأخطر لما تحمله الفكرة في طياتها من بعدّ يرمي إلى ما أبعد مما اسلفنا من تقدير ، هو ، الرهان على أزمات اقتصادية التى سميت بالتاريخ ، الكساد الكبير ، تحصل ، نتيجة الحروب وما تتركه من تضخمات واستباحات للأسواق ، حيث ، شهدت الولايات المتحدة عام 1929 م ، أزمة من هذا النوع ، هي ، شهيرة ومعروفة باسم الثلاثاء الأسود بعد انهيار سوق الأسهم وانخفاض تجارتها مع العالم مما أدى إلى تراجع في مستوى الدخل والذي فاقم أمرين ، البطالة وارتفاع الضرائب التى بدورها تشكل صمود لخزينة الدولة ، ف ، مؤخراً ، عاد المشهد يكرر ذاته من جديد ، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي في نهاية 2008 م انهيار لأسعار العملات ، الدولار واليورو مقابل ارتفاع الذهب ، أدى ، بالطبع ، إلى إصابة ركائز الاقتصاد الوطني التى اخفقت بأن تُعافي نفسها بنفسها إلا بعد تدخل مباشر من الدولة ، فأصبح التهديد لا يقتصر على الشركات العملاقة فحسب ، بل ، بات يلمح باستباحة الدولة ، بتكوينها ، لكن ، العلاج كان سهلاً طالما البنوك الأمريكية تحتفظ بعائدات النفط ، للدول المنتجة ، وعلى وجه الخصوص ، دول الخليج ، فتلك المدخرات تحقق مصداقية للعملة حتى لو تعرضت إلى انهيارات أو نكسات ، تظل ، هي لا سواها ، بالإضافة لغزارة الطلب على شراء الانتاج الحربي والبضائع الأمريكية والأوروبية ، دائماً ، تلك العوامل ، الأهم في انعاش البنوك بالإضافة للأسهم التى بدورها تقوم بتمويل الشركات العملاقة وبالتالي ، أوتوماتكياً تحافظ على ملايين الايدي العاملة في شتى الحقول .
أزمة 2008 م ، الاقتصادية ساهمت ومازالت تبعاتها تُساهم في تحولات جذرية في العالم وقد يكون المشرق العربي ، صاحب النصيب الأوفر والأكبر في هذه التحولات ، لا يضاهيه مكان أخر ، لكن ، في المقابل ، نجد تحولات من نوع أخر ، كانت الأزمة سبب في ظهورها ، هو ، تحالف البريكس الذي أتبع سياسة الاكتفاء الذاتي ، وكان السبب في اغلق كثير من الأسواق العالمية وانخفض مستوى التبادل التجاري الذي دفع إدارة البيت الأبيض الغوص والانهماك في معالجة أزمتها الاقتصادية وأغفلت عن خطورة ما يتشكل على الأصعدة المختلفة أو بالأحرى ، تقلصَ ظل نفوذها وتأثيرها عما كان سابقاً لظلها من مرونة بالتحرك ، وبذات التقدير ، انحطت قوتها ، مقابل ، صعود غير مسبوق للجماعات الجهادية ، وبالتالي ، اتاحت لها الوصول إلى العراق وسوريا ، حيث ، انشئوا دولتهم وباتوا قاب قوسين أو أدنى من سك عملتهم المعدنية ، بالتأكيد ، لولا ، الأزمة الكبرى التى لم تعترف بها ، حتى الآن ، الولايات المتحدة بأن حربها على افغانستان والعراق ولد مقاومة واسعة ليس عسكرية ، فحسب ، بل ، متنوعة ويبدو شاملة إلى أن اعتقدوا ساكني بيت الأبيض بأن مع سقوط بغداد ، حققوا النصر عالمي ، في حين ، كانوا للتو قد بدؤوا في حفر خندق هزيمتهم بإشكال متعددة ، باتت عناصر الهزيمة لا تعدّ ولا تحصى والتكهن بما تخبأه الأيام من مفاجآت تعجز الأنوف السياسية التى تدربت على اشتمام الأحداث الفائقة على التقاطها ، وبالتالي ، الكساد المتمدد سيكون السبب في قيام حرب على مستوى العالم من جديد .
والسلام
كاتب عربي