البحرين.. سقوط مدو للأحزاب الدينية السياسية
تاريخ النشر : 2014-12-03 09:35

اضطر أحد المرشحين الدينيين أن يحلف لجارتي أنه «مستقل» فعلا كما كتب على لوحته الانتخابية ولا يتبع جمعية سياسية دينية حتى تعطيه صوتها، وهكذا فعل الكثير من الناخبين في الانتخابات النيابية والبلدية البحرينية التي جرت مؤخرا بالمرشحين الذين شكوا في استقلاليتهم فاضطروا للحلف أنهم فعلا مستقلون كما كتبوا بالخط العريض على لوحاتهم الإعلانية ولا يتبعون أيا من تلك الجمعيات الدينية السياسية بالباطن، جاء ذلك إثر انكشاف اثنين من مرشحي الفصل السابق 2010 الذين حلفا أنهما مستقلان ثم انضما لكتلة جمعية الأصالة السلفية داخل المجلس!!
هكذا بدا مزاج الشارع البحريني يوم السبت 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 متحسسا من الأحزاب الدينية السياسية، وكما آلت الأحزاب السياسية الإسلامية في جميع الدول العربية إلى تراجع حظوظها بعد فصلين تشريعيين فإن البحرين لم تكن استثناء.
إذ تراجع عدد المقاعد النيابية التي تحصلت عليها جماعة الإخوان «جمعية المنبر الإسلامي من أصل 7 مقاعد في أول انتخابات نيابية عام 2002 إلى مقعد واحد فقط في الفصل التشريعي الحالي 2014. أما جماعة السلف ممثلين بجمعية الأصالة ففي الفصول التشريعية الـ3 بما فيها هذا الفصل الأخير احتفظت بـ5 إلى 6 مقاعد من أصل 40 مقعدا لكنها لم تحصل إلا على مقعدين اثنين فقط!! ».
من الواضح جدا أن الصوت الانتخابي «السني» لم يخضع للفتاوى الدينية وكان متحررا منها رغم استغلال مرشحي الجمعيات السياسية الدينية لكل العناصر الدينية ومنها استضافة دعاة دينيين في الخيم الانتخابية من المملكة العربية السعودية والكويت، ورغم الاستعانة بفتاوى شرعية (اختاروا القوي الأمين) فإن الشارع البحريني السني وجه ضربة للأحزاب السياسية الدينية السنية منذ الفصل التشريعي الثالث وحتى قبل أحداث الربيع العربي وقبل أن تتلقى جماعة الإخوان المسلمين الضربة القاصمة في مصر، قصمت انتخابات 2010 ظهر الإخوان حين أعطى الشارع السني ظهره لهم ومنح ثقته للمستقلين الذين شكلوا أكبر الكتل، وتلقى الإخوان ضربة قاصمة بخسران 5 مقاعد من أصل 7 التي كانوا يستحوذون عليها في فصلين تشريعيين حين ذاك، ثم أكمل الشارع البحريني عليهم في هذه الانتخابات الأخيرة فلم يفز من قائمتهم سوى مرشح واحد.
المستقلون هم الفرس الأكثر حظا في السباق الانتخابي الأخير حيث كان مصطلح (مستقل) مستخدما بشكل يلفت الأنظار عند المرشحين للتبرئة والنأي عن العمل الحزبي السياسي الديني وكأنه سبة أو تهمة... سبحان مغير الأحوال.
أما الشارع الشيعي فلم تتح له فرصة لاختبار خياراته وقناعاته السياسية بحرية تامة منذ عودة الحياة النيابية إلى يومنا هذا، فمنذ عام 2002 والمرجعيات الدينية لجماعة المرشد الأعلى (الولي الفقيه) هي التي تهيمن على الدوائر الشيعية هيمنة شبه تامة، باعتمادها على عنصرين اثنين الأول هو هيمنة ميكانيزم «العقل الجمعي» للمحافظين من أبناء الطائفة الشيعية في المناطق القروية، والتي ترتهن للفتاوى الدينية ارتهانا يكاد يشل ملكة التفكير عندها، حيث الفتوى تعد مصدرا أساسيا من مصادر القرار في الكثير من مناحي حياة الفرد المتدين بتدرج الالتزام الحرفي بالفتوى أو بالاستشارة بما يسمى «الخيرة» (وهي استشارة رجل الدين قبل الإقدام على اتخاذ أي قرار هام في الحياة كالزواج أو قرار موعد الانتقال للبيت الجديد) وصولا إلى قرار المشاركة من عدمها في الانتخابات لذا فإن فتوى المشاركة أو فتوى المقاطعة تجد لها استجابة كبيرة وتقود إلى درجة كبيرة قرار مجاميع واسعة من التيارات الشيعية المحافظة، خاصة في القرى، المفارقة أن الاستجابة تكون واسعة للفتوى حتى وإن تناقضت الفتاوى الصادرة من ذات المرجعية الدينية!!
ففي 2002 قاطعت جماهير جمعية الوفاق الانتخابات استجابة لفتوى دينية من الشيخ عيسى قاسم، لكنها في 2006 شاركت وبكثافة حين قال عيسى قاسم بالحرف الواحد في 26 رمضان 1427هـ أي في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2006 «إن المشاركة في الانتخابات وإيصال المرشح الصالح إلى المجلس النيابي وظيفة شرعية لا تفريط فيها، والمقاطعة تعطي فرصة للمتسلقين والنفعيين والحكوميين بأن يتصرفوا في مصير الشعب بكل حرية بلا قيود وسلبيتي في العملية الانتخابية فيما أقدره أنا وفيما أفقهه أنا تشركني في الإثم» انتهى.
إلا أن عيسى قاسم حرم المشاركة هذه المرة وأصدر فتواه بتحريم المشاركة تحريما قطعيا ورغم تنامي رغبة المشاركة من الكثير من أفراد الجمعية فإنهم رضخوا في النهاية لفتواه، وهكذا انتقلت فتواه من النقيض إلى النقيض وخلال سنوات معدودة ووجدت صدى كبيرا لدى مقلديه في كلتا الحالتين!!
أما العنصر الثاني الذي تعتمد عليه الأحزاب السياسية الدينية الشيعية في دوائرها فهو تحالفها مع تنظيمات راديكالية متشددة مصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية مثل «حزب الله» و«جماعة 14 فبراير» في إرهاب معارضيهم ومخالفيهم داخل مناطقهم، وهي تنظيمات مارست الإرهاب والعنف والتهديد والتخويف وحرقت منازل وممتلكات أكثر من مرشح حيث بلغ عدد السيارات التي أحرقت لمرشحين في الانتخابات الأخيرة خالفوا الفتوى الدينية لعيسى قاسم 20 سيارة وحرق 4 متاجر والكتابة على جدران منازلهم ووسمهم بالخيانة وتهديدهم من قبل كوادر متشددة في التيار الشيرازي مقلدي الشيخين هادي ومحمد المدرسي، وبلغ حد الابتزاز لكل من حاول كسر القيد إن خالفت حتى جريدة «الوسط» المعروفة بميولها لجماعة المرشد الأعلى الإيراني قرار اللجان الإشرافية على الانتخابات الذي قضى بعدم تصوير الناخبين في المراكز العامة من وجوههم والاكتفاء بتصوير الطوابير من الخلف، كي يؤمن الناخب على نفسه، بأن صورتهم الجريدة من الأمام ونشرت صور وجوههم منذ الصباح الباكر على موقعها الإلكتروني معرضة حياتهم وسلامتهم للخطر، في ظل أجواء كهذه تحجب الحقيقة ويختفي المقياس الحقيقي لحجم التأييد أو الولاء لذلك الحزب في الشارع الشيعي فلا تستطيع أن تؤكد أن القناعة أو الإيمان بقدرات هذا الحزب السياسي هي التي تقود الجماهير لاختيار مرشحيه أو أن تقودهم إلى قرار المقاطعة؟ أم أنها تقودهم خضوعا بفتوى دينية أو خوفا من ترهيب؟
وفي المرة الوحيدة التي حاولت الوفاق أن تصل بمجهودها الذاتي في الحملات الانتخابية في 2010 عادت واستعانت بالفتوى حين شعرت بالتهديد في عقر دارها في أكثر من دائرة من منافسين شيعة مستقلين، فاضطرت أن تخرج الشيخ عيسى قاسم من فراشه وقد كان مصابا بالحمى وتسحبه لخيامها الانتخابية.
إنما في نهاية اليوم خلصت انتخابات 2014 البحرينية إلى هزيمة قاصمة للأحزاب الدينية السياسية، فخرجت الوفاق الجمعية الشيعية الدينية من السبق تماما بقرار مقاطعتها، ودخل اثنان من المعممين الشيعة إلى المجلس النيابي مستقلين عنها من التيار الإخباري ومعهم 13 شيعيا من تكنوقراط منهم 3 نساء تحدين الفتوى الدينية وتحدين الإرهاب الذي حرق خيامهن وتعرضن لشتى أنواع التهديد والابتزاز إلا أنهن صمدن حتى النهاية، ومن «السنة» لم يحصل «الإخوان» و«السلف» مجتمعين إلا على 3 مقاعد من أصل 40 مقعدا، هذا هو المشهد العام للمزاج البحريني، مزاج تغير 180 درجة عن عام 2002 الذي كان خاضعا لتجاذبات الأحزاب الدينية السنية والشيعية التي ساهمت في قسمة الشارع ولم توحده، مزاج الشارع البحريني جاء لصالح المستقلين من الشيعة والسنة فهم سادة مجلس 2014 والكتلة الأكبر في الفصل التشريعي الرابع.. ولا عزاء للأحزاب الدينية السياسية.

عن الشرق الاوسط