الرئيس الفلسطيني يخطب أم يفعل؟
تاريخ النشر : 2014-12-02 10:29

امد/ رام الله - كتب هاني المصري: أوحى الرئيس أبو مازن في خطابه أمام الجامعة العربيّة أنّه سَيَبُقُّ البَحْصَةَ، وقال إنّ استمرار الأمر الواقع مستحيلٌ، وإنّ سياسة «الانتظار والتريّث» التي اعتمدها طوال الفترة الماضية لم تعد مجدية، وأكد أنّه إذا لم تستأنف المفاوضات وفق الشروط أو المتطلّبات الفلسطينيّة، فإنه سيتوجه إلى مجلس الأمن، بهدف الحصول على قرار بإنهاء الاحتلال خلال مدة زمنيّة محددة.
وإذا لم ينجح في ذلك، جرّاء عدم الحصول على الأصوات التسعة المطلوبة لعرض مشروع القرار للتصويت، أو إذا توفّرت هذه الأصوات واستخدمت الإدارة الأميركيّة الفيتو ضده، فإنه سينضم إلى الوكالات الدوليّة، بما فيها محكمة الجنايات الدوليّة، وسيوقف التنسيق الأمني، وسيطالب الاحتلال بتحمل مسؤولياته، من دون أن يوضح ما إذا كان هذا الإجراء يعني حل السلطة وتسليم مفاتيحها للحكومة الإسرائيليّة كما سبق وأعلن أكثر من مرة، أم أنه يعني إعادة النظر في شكل السلطة ووظائفها وطبيعتها والتزاماتها، بما يتناسب مع تجاوز الحكومات الإسرائيليّة لاتفاق «أوسلو»، أم أن الأمر يعني شيئًا آخر.
بعد حصوله على الدعم العربي، من المفترض أن يرى مشروع القرار النور خلال أيام أو أسابيع قليلة، أو بداية العام القادم كحد أقصى، بحجة إنهاء المشاورات مع الدول للحصول على تأييدها لمشروع القرار، إذ إنه ضمن حتى الآن تأييد سبعة إلى ثمانية أصوات في مجلس الأمن.
إن التمسك بالوهم واضح جدًا في خطاب الرئيس الذي أعاد طرح شروطه (عفوًا، طلباته) لاستئناف المفاوضات، بعدما كان في خطابه في الأمم المتحدة في أيلول الماضي يائسًا تمامًا من إمكانيّة استئناف المفاوضات.
أي استئناف للمفاوضات من دون موافقة إسرائيليّة على إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وجميع الإجراءات الاحتلاليّة أحاديّة الجانب، ومن دون أن تكون المفاوضات في إطار مؤتمر دولي مستمر وكامل الصلاحيات، وعلى أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، سيعطي الفرصة لغلاة المتطرفين الصهاينة للقضاء على أي أمل متبقٍ لتحقيق السلام، في ظل وجود مخططات إسرائيليّة لزيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربيّة خلال السنوات القليلة القادمة ليصل إلى مليون مستوطن.
ثمة مخاوف من استمرار السياسة الانتظاريّة التي تندّر منها الرئيس في خطابه الأخير. وما يعزز ذلك أولًا انتظارُ وَكَيْلُ المديح للمبادرة الفرنسيّة التي تستهدف إصدار قرار من مجلس الأمن يعطي الفرصة لاستئناف المفاوضات ويجعل الاعتراف الفرنسي، وربما الأوروبي، بالدولة الفلسطينيّة مؤجلًا عامين إلى ما بعد نجاح أو فشل المفاوضات الجديدة.
كما تظهر المخاوف من احتمال امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، خصوصًا إذا تم تعديل مشروع القرار العربي وإفراغه من مضمونه، وهذا الاحتمال لا يمكن إسقاطه كليًا من الحساب، خصوصًا في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات الإسرائيليّة ـ الأميركيّة، وفي ظل أن قراراً عن مجلس الأمن لا يصدر تحت البند السابع، أي لا يملك قوة إلزاميّة، لا يعتبر مسألة بالغة الأهمية، كونه لا يغيّر جوهريًّا الموقفَ الأميركيَّ الداعم لإسرائيل، خصوصًا إذا كان المقابل الفلسطيني له مهم جداً، وهو العودة إلى دوامة المفاوضات العبثيّة.
إن هذا الاحتمال المستبعد (امتناع الولايات المتحدة عن التصويت بدلًا من استخدام «الفيتو») حتى إذا تحقق، لا يمكن التعويل عليه، لأن القرار الجديد سيضاف إلى عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعيّة العامة للأمم المتحدة، التي أدانت الاحتلال وجرائمه، خصوصًا الاستيطان والمجازر والإجراءات والسياسات والقوانين العنصريّة، بما فيها الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي وتقرير «غولدستون»، من دون أن تغيّر هذه القرارت الواقع على الأرض.
أخطر ما نواجهه حاليًا أننا نحقق إنجازات رمزيّة، أو حتى سياسيّة وقانونيّة، من خلال الاعتراف الدولي والقرارات الدوليّة، والاعترافات من الدول بشكل منفرد، في حين أن ما يجري على الأرض معاكس كليًا، إذ يقضي على أي أمل بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينيّة.
ما حال دون تطبيق هذه القرارات ومنع نجاح جميع المبادرات الرامية للتوصل إلى حل، هو الاختلال الفادح في ميزان القوى لمصلحة إسرائيل، جرّاء تفوقها العسكري وتعنتها السياسي والأيديولوجي، والنفاق الدولي والعجز العربي، وجرّاء حالة الضياع الفلسطيني الناجمة عن الانقسام والإستراتيجيات المتناقضة، خصوصاً لناحية اللهاث وراء سراب الحل المتفاوَض عليه ثنائيًا برعاية أميركيّة، إضافة إلى الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل، وتعاملها معها كدولة مدللة فوق القانون الدولي.
إن كسر هذه المعادلة يتطلب التركيز على تغيير موازين القوى مهما كلّف ذلك من وقت وجهد وتضحيات، حتى يصبح الاحتلال مكلفًا لإسرائيل ومن يدعمها.
تأسيسًا على ما سبق، فإن المدخل لاعتماد إستراتيجيات جديدة قادرة على تغيير موازين القوى يتجسد بإعطاء الأولويّة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس شراكة سياسيّة حقيقيّة وأسس وطنيّة وديموقراطيّة.
إذا حاكمنا خطاب الرئيس على هذا الأساس، فإن الخطوة الأولى التي تنسجم مع التوجه نحو المجابهة القادمة تكون بترتيب أوضاع حركة «فتح»، والدعوة إلى عقد الإطار القيادي المؤقت لـ»منظمة التحرير»، والأخير عليه الشروع في إعادة بناء مؤسسات المنظمة بشكلها الجديد لتكون البيت الفلسطيني الذي يتسع لمختلف مكونات الطيف السياسي الفلسطيني.
بدلًا من ذلك، دعا الرئيس إلى إجراء الانتخابات كطريق لتحقيق المصالحة، علماً أن الذي ينوي التوجه فعلا للمجابهة عليه أن يستعد لها. أما الانتخابات تحت الاحتلال وقبل تحقيق الوحدة، فهي تذكي التنافس والخلافات الداخليّة وبحاجة إلى موافقة إسرائيليّة وأميركيّة حتى تجرى (ولن تأتي الموافقة من دون ثمن باهظ)، ولن تؤدي إلى الوحدة، وإنما إلى تكريس الانقسام وتعميقه، وقطع الطريق على أي مجابهة حقيقيّة مع الاحتلال.
إن ما سبق يجعل الحديث عن وقف التنسيق الأمني والانضمام لمحكمة الجنايات وتحميل الاحتلال المسؤوليّة عن احتلاله مجرد تهديد لفظي لن يجد طريقه للتحقيق، لأن تنفيذ التهديد يعني التسلح بأوراق القوة، لكن هناك فرق بين الحصول على السلاح وبين استخدامه، فقد ننضم إلى محكمة الجنايات الدوليّة ولا نُفَعِّل هذا الانضمام مثلما حصلنا على الفتوى القانونيّة لمحكمة لاهاي ولم نفعِّلها، وقد نوقف التنسيق الأمني ونحمّل الاحتلال المسؤوليّة عن احتلاله من دون أن يكون لدينا بديل مثل «منظمة تحرير» قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات التي تهدد القضيّة الفلسطينيّة، وهو ما يعني فتح طريق الانهيار والفوضى والفلتان الأمني.