لا حل إلا بالتفاهم والشراكة بين الشعبين
تاريخ النشر : 2014-11-27 11:17

إضافة إلى سلسلة المعارك ، أو المجازر ، المتبادلة ، والرجحان فيها إلى قسوة العدو الإسرائيلي ، وعدم إنسانيته في التعامل مع الشعب العربي الفلسطيني ، سواء قبل إعلان الدولة عام 1948 ، وخلالها ، وما بعدها في قطاع غزة وكفر قاسم ، والسموع ، وخلال حرب 1967 ، وإتساع الدولة ، لتحتل كل فلسطين ، إضافة إلى أراضي مصرية وسورية ولبنانية ، ومعارك المقاومة ، ومحاولات تحطيم إرادتها ، ولبنان وإجتياج 82 ، وصولاً إلى إنتفاضة 87 ، وما تخللها من بطش شديد وكسر الأيادي ، وسقوط الشهداء من المدنيين ، وقتل المشتبه بهم ، إلى الإنتفاضة المسلحة ، وعملياتها الإستشهادية عام 2000 وما تلاها .

خلال عمليات الإنتفاضة المسلحة وعملياتها الإستشهادية ، قُتل في العملية الواحدة ، عدد من الإسرائيليين ، أكثر من عدد الذين قُتلوا في حروب ، وسقط من الضحايا الفلسطينية ما يوازيه ، في إجتياح الضفة الفلسطينية عام 2002 ، وإعادة إحتلال المدن الفلسطينية ، وفي حروب المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على فلسطين ، ضد قطاع غزة ، 2008 ، 2012 ، 2014 ، سقط الألاف من الشهداء والمعاقين والجرحى ، ودُمرت بيوت بالألاف ، وتشرد شعبنا ، بما لا يوازي من قبل من حيث الكيف ، فماذا كانت النتيجة ؟؟ .

أولاً : الإسرائيليون اليهود ، ومن يحملوا جنسيتين ، ورغم عمليات الإنتفاضة المسلحة الثانية وعملياتها الإستشهادية ، ورغم المقاومة وصواريخ حزب الله عام 2006 ، والقذائف الفلسطينية في حروب العدو الإسرائيلي على قطاع غزة ، لم يرحل الإسرائيليون عن فلسطين ، وبقوا لعدة أسباب :
1- الفقراء منهم لا خيار لهم سوى البقاء ، فأوضاعهم الأقتصادية والمالية لا تسمح لهم بالتحرك خارج ( بلدهم ) ، ولا بلد لهم سواه .
2- الأغنياء منهم ، تشكل إسرائيل مصدر الثراء لهم ، وتجنيداً لأموالهم ، ومكان إستثمارها وتنميتها ، وإذا كان ثمة قلق ، فأوضاعهم تسمح لهم أثناء الحرب بالسفر إلى خارج فلسطين لتمضية بعض الوقت ، حتى تزول الأزمة ويزول الخطر ، ويعودوا إلى سابق عهدهم ، لعل فترة ما بعد الحرب تفتح لهم مجالات أوسع للإستثمار والربح ، فبعضهم تُجار حروب ، ويستفيدوا من نتائجها كما حصل الأن مع الإسمنت والحديد لقطاع غزة .

3- المتدينون منهم ، لا يرحلوا لأسباب عقائدية ، فهم يعملون ويُخلفون الأطفال وبكثرة أكثر من الفلسطينيين ، حتى يزداد عددهم ، ليضاهي عددهم عدد الفلسطينيين وأكثر ، ولذلك فهم يتمسكون بإسرائيل لأسباب عقائدية غير بسيطة .

4- جميع هؤلاء ، لن يرحلوا ، لأن مشروع الإستعمار التوسعي الإسرائيلي الصهيوني اليهودي ، ما زال ناجحاً ، وغير مكلف فلماذا الرحيل وهم يتمتعون بالإمتيازات من قبل الحكومة ، ويتلقون الدعم من قبل الطوائف اليهودية المتنفذة في العالم ، ومن قبل الولايات المتحدة ؟؟ .

مشروع إحتلال فلسطين ، مشروع ناجح صهيونياً ويهودياً وإسرائيلياً ، وعندما يتحول إلى مشروع مكلف سياسياً وأخلاقياً ، إسرائيلياً ويهودياً ودولياً كما حصل مع جنوب إفريقيا العنصرية ، سيكون هناك إعادة نظر من قبل اليهود الإسرائيليين نحو التغيير في تعاملهم مع أصحاب الأرض الشعب العربي الفلسطيني كما فعلها رئيس إفريقيا كلارك ، أو يختاروا الرحيل عن فلسطين ، خاصة لمن يتمتع بإزدواجية الجنسية .

ثانياً : الشعب العربي الفلسطيني ، تعرض لهجمات مفزعة ، ومذابح متكررة على أيدي العصابات الصهيونية قبل وخلال عام 1948 ، مقابل تواطؤ عربي ، دفعتهم للرحيل عنوة ، فكانت النكبة بخسارة ثلثي مساحة الوطن الفلسطيني وتهجير نصف الشعب الفلسطيني عن بيوته وأرضه وممتلكاته .

وبقي على أرض فلسطين ، في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة ، مائة وخمسون الف فلسطيني من الفقراء المحاصرين ، تحولوا اليوم إلى شعب منتج يصل تعداده إلى حوالي المليون ونصف المليون يشكلون خُمس سكان إسرائيل ، أنتجوا أفضل المبدعين ، من راشد حسين وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم ، واميل حيبي وإميل توما ، وقادة عمالقة في طليعتهم توفيق طوبي وجورج طوبي وإبراهيم نمر حسين ، وأطال الله في أعمار عبد الوهاب دواشة ، ومحمد بركة ، ورائد صلاح كل منهم في مجال نضاله .

فلسطينيوا 48 ، كانوا ولا زالوا العقبة الأولى في عدم نجاح المشروع الصهيوني على طريق فشله .

في الإحتلال الثاني عام 1967 ، لما تبقى من فلسطين ، في الضفة والقدس والقطاع ، كان النجاح الثاني لتمدد المشروع الإستعماري الإسرائيلي ، ولكنه وضع المدماك الأقوى لفشل مشروعه إستراتيجياً ، فالتحولات النوعية التي إجتاحت الشعب العربي الفلسطيني ، شكلت حالة نوعية متقدمة ، لا يمكن التراجع عنها ، أو إنهاء تداعياتها ، والتحكم بنتائجها ، إذ تحول الشعب العربي الفلسطيني على أرض وطنه إلى شعب له قيادة موحدة تتمثل بمنظمة التحرير ومعه برنامج وطني ، يهدف للخلاص من الإحتلال .

وكانت الإنتفاضة الأولى عام 1987 ، وحصيلتها إتفاق أوسلو عام 1993 ، على ما فيه من تنازلات جوهرية ، لصالح العدو الإسرائيلي المتفوق ، ولكنها وضعت أسساً جوهرية لصالح مسيرة الشعب العربي الفلسطيني وإنجازاته التراكمية المتمثلة بما يلي :

أولاً : الإعتراف لأول مرة من قبل الإسرائيليين والأميركيين بالشعب الفلسطيني ، وبمنظمة التحرير ، وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني .
ثانياً : عودة أكثر من ثلاثمائة الف عربي فلسطيني إلى فلسطين مع الرئيس الراحل ياسر عرفات ، وكانت هذه الخطوة الديمغرافية السكانية الثالثة التي تُعيد التوزان الديمغرافي بين فلسطين وإسرائيل 1- ما تبقى في مناطق 48 من 150 ألف ، 2- أهل الضفة والقدس والقطاع ، 3- عودة 320 الف فلسطيني بفعل إتفاق أوسلو حتى غدا اليوم على كامل أرض فلسطين ستة ملايين ومائة الف يهودي إسرائيلي ، مقابل خمسة ملايين وأكثر من سبعمائة الف عربي فلسطيني وهو عدد متقارب .

لذلك حصيلة الصراع بين المشروعين ، بين المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، وبين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، أن هنالك شعبين يعيشان على أرض واحدة ، فشل كل منهما في طرد الأخر وإنهاء وجوده ، رغم ما تعرض له من أذى وقتل ، بصرف النظر عن الدوافع الإستعمارية للأول أو الدوافع الوطنية للثاني ، فلكل مشروعه وأسانيده وذرائعه .
[email protected]