القدس بدون .. (والبدون ) ....
تاريخ النشر : 2014-11-26 00:19

مرة اخرى تكون المأساة مسطرة على طرقات القهر وتتأجج نيران الحقد وتتغذا من اجساد متكورة متكومة تنتظر لحظة الفرار من الموت المنتشر بازقتها ... كان الموت يطاردهم بكل الازمان ومعادلة الوجود سيطرت على تلك اللوحة المعلقة على ابواب المدينة .... والكل نيام هنا ولا سبيل لمعرفة القاتل من المقتول .... وهل للقاتل صفة اخرى نعجز عن رسم ملامحها ...؟؟؟

هي مأساة شعب فقد ثقته بكل ما يمكن ان يقال وبصرف النظر عن المُقال والذي سيقال ... هو الشعب الذي اصبح بلا عنوان وفقد ألمعيته مع فقدانه للحضن الحاضن لقضاياه ...

تتصدر العناوين من جديد وتحاول ان تنهض بشموخ .... تقف امام الكل لتعلن عن هويتها بكل أهاتها ... وتقول ما يمكن ان يٌقال في حضرة القتل والتقتيل للانسان الرابض والمتطلع نحو الارض السمراء ... جاءت هذه المرة واستحضرت تاريخ من عبر دروبها ومن انكسر على بواباتها محاولا تركيعها ...

لم تخف على كينونتها ابدا ووقفت متحدية كل اشكال تصفيتها منذ البدايات، وعجزوا عن اقتلاعها وحافظت على هويتها وكانت ارادة الحياة فيها الاقوى ودائما كانت الحضن الدافىء للهاربين اليها من بطشهم بصرف النظر عن الباطش والمبطوش ...

القدس ليست هنا اليوم بيوميات من ينطقون العربية ... وان كانت تفرض المعادلة من جديد ... وكل هذا الضجيج ما هو الا ضجيج فارغ المضامين فالقدس ليست هنا هذه الايام وان كانوا يجعجعون بالصراخ من المدن المجاورة المزيفة والعواصم البلاستيكية ( هنا القدس ) وهم يعلمون ان القدس ليست هنا ... وان كان لابد ان تكون القدس هنا ؟؟؟ فهذا السؤال الكبير ولابد من ان تكون الاجابة كبيرة ايضا ...

فيا أيها القاعدون على ارصفة التاريخ تستجدون مجدا او اسما زائلا ... انتظروا قليلا فالمجزرة متواصلة منذ زمن وفصولها لم تكتمل ... وللقتل حكاية لابد من اعادة روايتها من جديد على مسامع من يقتل الان بحواري القدس ومن يموت قهرا ويكون له ان يسمى رقما من ارقام شهداء القهر ليس اكثر ...

ارادوا ان يمارسوا العيش ان استطاعوا الى ذلك سبيلا .... وكانوا ان وجدوا انفسهم في معمان التيه واولي الامر فيهم تنازعوا وتصارعوا على الامر والطاعة عند امراء القبائل الاممية ..

وهذه الحكاية من اولها ... وهذه قصة من داستهم بساطير عصابات تجمعت من بقاع طردوا منها وجاءوا الى ام المدائن لينزعوا عنها ايقاعها ويشوهوا مدماك عمرانها .. ومنذ البدايات كانت ان تحالفت قوات الردع العربية مع عصاباتهم ... وتحققت معجزة القرن العشرين كونها توحدت لقصف عاصمة الفقراء وما ذنب لهم سوى انهم قد حلموا بليلة بحضن الجبل المنتصب شموخا بالمكبر الآشم، وكانوا ان سمعوا نداء حفيف اوراق اشجار الصنوبر، ونعيق اصوات غربان ليل غريبة عن المكان وطارئة بتاريخ الزمان، فمنهم من ركب البحر وناجي القمر وشهد الموج على ملحمة سطرتها أكفهم بعتمة ليل اضاءته انتصارات الحب المتشكل بين ضلوعهم على قسوة من عاثوا بالأرض فساد، وكانت ان احتضنتهم ارضهم ورحبت بمن يأتون مهللين مكبرين مبتسمين فقد كانوا هنا حيث وقف المسيح يوما مناجيا رب عرش السموات والارض ليشهدوا انبلاج حقيقة اشياءهم كما البتول مريم حينما أتها عيسى المخلص نصير فقراء كل الأزمان .... جاؤوا ليرتلوا تعويذة جداتهم المعلقة بأفئدتهم منذ عرفوا ان ثمة وطن مسيج بالغار والياسمين وتنبت فيه ارواح الأنبياء المتجولة بأزقة ايلياء والجلجلة مأسورة بثنايا خرفات تاريخ قتلة الحلم، ومغتالي عصافير البراري كونها تشدو الصبح زقزقة عند أضرحة الشهداء ....

هي الحكاية من اولها ايها السادة ... حينما اصبح القتل للمقدسي امرا مباحا وممكنا ومشروعا من قبل ذاك الذي ابى واستكبر الا ان ينصب ذاته الآمر باسم امراء الليل والحاقد على ليل العشاق ... كان الصمت مدويا يومها ... وكانت المذبحة متواصلة بالشمس الساطعة وبوضح النهار ... والحصار مستمر ... ولا رجوع عن تنفيذ اوامر القتل والتقتيل ... فقد صدر الأمر بإبادة ابناء العتيقة المطاردين باللحظة الراهنة وبكل المواقيت ... كانوا يحاولون العيش في كنف الحياة .... هذا المقدسي بأعراف القوانين والدساتير لا شيء وهم بدون .. وغير معترف بهم من جوار الجوار .. من شقائق المدن الأخرى التي صار لرعاياها وسكناها اسما وعنوان وصار لهم جواز سفر ممهورا بختم الدولة ولفخامة السيد الرئيس ان يمنح العطايا لمن يشاء بأستثناء ابناء اور سالم .... فهم البدون ... بدون شيئ وبدون هوية وبدون عنوان او اسم او كنية وبالتالي بدون الأب وكمن هم اليتامي يصرخون بالوادي السحيق ...

انتظروا قليلا لتستمعوا للقول الفصيح في ظل ترنح معادلة الكفر وسقوط اباطرة المعبد القديم ... فقد تجرأت الشاة على السكين ... وامعنت في التحدي ووقفت شامخة امام الجزار الممتهن للذبح في حواري الفقراء ... ولنا ان نبدا بالأقصوصة ... ولنا ان نستذكر حصارهم وصرخاتهم وعذابات ليلهم وخوفهم ... والمشهد يكرر ذاته قتل بوضح النهار وزبانية العسس يطارودن ويلهثون خلف القمع ومن يقتل اكثر يصير له الأمر الرفيع والشأن العظيم ....

هي الجثث المصلوبة بالميادين والمسحوبة في الشوارع والمتفحمة بالأزقة ... هي الصور المؤلمة التي تناقلتها خلسة ذكريات من بقوا احياء ولم ينطقوا ببنت شفة وخافوا وارتعبوا وما تكلموا ...هناك حيث تدور المعركة ( بدير ياسين القابضة على الذكرى والذكريات ...

يجثو الكابوس في احضان عجوز ظل لعشرات السنين محاولا تفسير التناقض ما بين القتل بمجزرة بوطن التين والزيتون والقتل على الاسوار الشامخة او في قلب عاصمة اللغة العربية ... وتبقى عاصمة عواصم الثقافة العربية...

 

القتل واحد والقاتل الأول ناطق بعبرية ركيكة فكان قد تعلمها منذ وقت قصير والقاتل الأخر قد يصرخ بالعربي الفصيح ويعلو صوته بالضاد موبخا مرهبا مرعبا ... ويشدو بأسم الأوطان العربية المحررة ... ويتأهب لوقفة العز حينما يصدح السلام الوطني للوطن ... هو التناقض مع الذات اعترف ... وهو الفعل الصارخ لجلد الضاد اعلم ... وهو القمع للنفس البشرية خلال تلك العقود اعتقد ...وهو الإنقلاب على كل معايير الانسان وتمردها ... وهي الصرخة المكتومة قد تنطلق الأن حينما يعود القتل سيدا للموقف .. وحينما تصبح القدس من جديد عاصمة للفقراء ومسلسل الحكاية يستمر منذ الصلب على روابي الجلجلة ...