"التطبيع" و"الحوار الغائب"!
تاريخ النشر : 2013-11-17 08:04

كتب حسن عصفور/ اصابت القوى الوطنية المصرية، بكافة فصائلها حين شكلت جبهة مناهضة للتطبيع مع دولة اسرائيل بعد قيام السادات بزيارة تل ابيب ومن ثم توقيع اتفاقية "كمب ديفيد"، قرار وموقف حددا اتجاه شعب مصر من الخطوة الساداتية رفضا ومقاطعة لكل من يعتقد أن يفرض دولة الكيان الاحتلالي على الشعب المصري، وكانت أول الرسائل ذات البعد القومي بأن مصر الدولة والكيان غير خاضعة للخطف السياسي بقرار من مؤسسات رسمية..

وساهم القرار – الموقف الشعبي لأبناء المحروسة في تكبيل الاتفاقية مع اسرائيل بحدودها الديبلوماسية، ووربما ارتفعت وتيرة العداء السياسي والنفسي للدولة الاسرائيلية أضعافا مضاعفة بعد توقيع الاتفاقية، وكانت جبهات مقاومة التطبيع جسرا نضاليا مع الشعوب العربية الرافضة لتلك الاتفاقية وما نتج عنها من تأثير أحدث خللا كبيرا في ميزان القوى السياسي – العسكري بين العرب ودولة الكيان، وما مثلته من نقطة انطلاق لكسر وحدة الموقف في التعامل العربي مع اسرائيل، وكسرت المشهد الوحدوي الذي جسدته روح نصر اكتوبر..ولذا كانت قوى مناهضة التطبيع ومواجهته شكلا من أشكال المقاومة ضد الكيان الاحتلالي..

ومن يتابع الحالة الشعبية المصرية يجد أن الكراهية لاسرائيل الدولة والسياسة في أرض المحروسة تفوق ما هو موجود في غيرها من بلاد العرب، وأن الوفود الاسرائيلية الرسمية لا يمكنها أن تشعر باي شكل من الآمان النفسي لو سارت بلا حراسة أمنية في اي شارع بمصر، عدا مناطق السياحة في جنوب سيناء، خاصة طابا وشرم الشيخ، لاعتبارات اقتصادية صرفة، لكن أرض المحروسة ليس آمنة لبني اسرائيل، ومن المفارقات التي تحضر دوما في الذهن العربي هو كيف تجول الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز بكل حرية وآمان في سوق دولة قطر، وتعامل مع أهلها وسكانها وكأنه في بلد صديق جدا، وكتب البعض المتابع للزيارة أنه كان يشعر بالآمان في سوق الدوحة أكثر من شوارع نيويورك أو واشنطن، فيما تسيفي ليفني قضت عدة ايام في العاصمة القطرية وهي تحتل منصبا حكوميا اسرائيليا، وكانت سابقة لمسؤول اسرائيل ان يقضي أكثر من يوم في بلد عربي..

ايراد ذلك ليس لكشف موقف قطر وعلاقتها بدولة الكيان، ولا بطبيعة تلك العلاقة رغم كل النفاق السياسي لجماعتها واعلامها، فهي علاقة مصانة بمصلحة خاصة ثمنا لعمل قامت به دولة الكيان لقطر خلال رحلة انقلاب الاب على الإبن، ولكنها للمقارنة مع موقف الشعب المصري المعادي لاسرائيل دون تطبيل أو تزمير..موقف كان، ولا يزال، منارة لمقاومة الدولة الاحتلالية، ولا زال سفيرها يبحث عن سكن ومقرا لسفارة تعيش حالة "اللقيط السياسي" منبوذة هي ومن يؤجرها..

وبعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 في ارض فلسطين، كأول حالة كيانية رسمية باسم شعبها، والمقدمة الموضوعية لتكوين دولة فلسطين، لم يتم النقاش العميق والموضوعي مع قوى مصر السياسية لأهمية تشكيل السلطة الوطنية وقيمتها التاريخية، وتكاسلت مكونات السلطة عن فتح قنوات حوار جاد وعملي مع القوى المصرية التي عارضت كمب ديفيد وكانت رأس حربة في مقاومتها، واكتفت بالاعتقاد أن العشق المصري لفلسطين كافيا لشرح قيمة الخطوة وأهميتها، ولم تدرك أن "الالتباس" سيبرز بين الموقف المبدئي من "التطبيع" مع دولة الاحتلال، وبين جوهر العلاقة الجديدة التي يجب أن تكون مع السلطة الوطنية..

الالتباس السياسي الذي لم يتم ازالته موضوعيا وعبر حوار معمق ومسؤول أنتج "ازمة اعلامية" بين السلطة الوطنية وحركة فتح من جهة ونقابة الصحفيين المصرية من جهة أخرى، نتيجة وصول وفد اعلامي تضامني  الى أرض فلسطين المحتلة، والمشاركة في فعاليات تظاهرية ضد قوات الاحتلال وأصيب اعلامي مصري خلالها، وللحق كان يمكن لهذه المشاركة أن تكون مصدر فخر لأهل المحروسة لو أن المسألة جاءت في سياقها الكفاحي الطبيعي، كون الزيارة هنا لا صلة لها اطلاقا بـ"مسألة التطبيع" مع اسرائيل، خاصة بعد قرار الأمم المتحدة الذي اعترف بدولة فلسطين فوق الأرض المحتلة عام 1967، زيارة تأتي في صلب تعزيز الدولة الفلسطينية ومشاركة لشعبها في المقاومة والمواجهة، ولا يمكن بأي حال اعتبارها شكلا تطبيعيا، لأنها لفلسطين أرضا وللقضية الوطنية لشعب يدرك جيدا كيف يستقبل المتضامن والمشارك عن ذاك المطبع..التطبيع لن يكون في سياق زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولعل المثل الحي الذي لا يجب أن يغيب عن عقل وذهن العربي أن حضور الوفود التضامنية الأجنبية لفلسطين هو أحد اشكال فضح سياسة اسرائيل العنصرية في بلاد المجموعات التضامنية، شكل مقاوم يرفع من قيمة القضية ولا ينزل بها..

دون اطالة، نرى ضرورة أن تبذل القوى الفلسطينية والمؤسسة الرسمية جهدا مضاعفا لبحث الفرق بين "التطبيع" مع دولة الكيان و"التضامن الكفاحي المشارك" لتعزيز فلسسطين القضية والكيان والشعب"..حوار تأخر كثيرا ولكنه يبقى ضرورة لا بد منها..ولعل الرئاسة الفلسطينية تأخذ ذلك بعين الاعتبار وهي تنظم لقاءات الرئيس خلال زياراته لمصر، والا تبقيها في اطار الغرف المغلقة..فالحركة بركة، كما يقال في بلادنا المنكوبة!

ملاحظة: مشاركة القوى الفلسطينية كافة في لقاء القيادي الحمساوي اسماعيل هنية دون حركة فتح، يشكل عملا قد لا يخدم الهدف المنشود..كان الأجدر ان تكون الدعوة باسم هنية كرئيس لحركة حماس وليس بصفته الانقلابية..عندها سيكون غياب فتح غير مبرر!

تنويه خاص: شيء غريب جدا أن نسمع ونقرأ أن زيارة الرئيس الفرنسي الى ارض دولة فلسطين غير مرحب بها من حماس بل وتعمم عدم ترحيبها نيابة عن الشعب..يا ليت البردويل يبردل لنا اسبابه لرفض الزيارة..صحيح لو طلب يجي على غزة شو رأيك عندها!