إسراء فتاة من غزة تعيش في كرفان .. تفجر اسئلتها لولاة الأمر
تاريخ النشر : 2014-11-16 22:47

أمد/ غزة – خاص : تعيش أيامها وكأن العدوان لا زال مستمراً على حياتها ، لا شيئ اختلف ، سوى أن القصف توقف ، ولم تعد تسمع أصوات المتفجرات ، والانفجارات والطيران ، ولم تعد تقرأ ولا تشاهد جنازات الشهداء ، ولكنها اقتنعت أن بعض جيرانها عادوا الى بيوتهم المتضررة ، وهي عادت ايضاً مع اسرتها ولكن الى كرفان وضع قرب بيتهم المدمر .

اسراء ابنة الخامسة عشرة زهرة ، تضع عمرها اليوم في صندوق من "الزينكو" مع أخوتها ووالديها ، في غرفتين معدنيتين ، ومطبخ أشبه بغرفة ألعابها البلاستيكية ، التي كانت يوماً تحت سريرها القديم والذي تحطم كما تحطم كل شيئ جميل في حياتها ، وممر أضيق من طريق النمل ، قبل سباته الشتوي ، ولم تعد تفرق بين سفرها في تلك السيارة القديمة ، في العطل مع والديها وقت الرخاء ، ومعاشها اليوم في هذا الصندوق الذي يسمونه "كرفان"، ولكن تلك السيارة كانت فعل مؤقت وزمانها قصير ، ولكن الكرفان وقته مقام ، وزمانه قد يطول .

اسراء كتبت الى الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمدالله ، والى نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية ، رسالة فجرت فيها اسئلتها ووضعتهم في معاشها القاسي لتخرج بحكم ضمائري منهم أيرضون لبناتهم أن يعيشوا كما تعيش هي هذه الأيام ؟:

رئيس دولة فلسطين

رئيس الوزراء الفلسطيني

الأمين العام لجامعة الدول العربية

لا تحيات لدي لكي ارسلها لكم ، لأن حياتي مسحوبة من المجاملات تماماً ، وليس في صدري أي استطاعة لرسم التحيات وارسالها لأي كائن مهما كان ، ولا يرضيني أن اغشكم فأقول لكم ماليس في قلبي اتجاهكم ، فأنا فتاة في مقتبل العمر ، لم أنهي بعد المرحلة الثانوية ، ولكنني هرمت من كثرة ما عشت النكبة المستمرة ، والتي تسبب بها الاحتلال ، وأدفع اليوم ثمناً لم يكن باستطاعتي دفعه ، ولكنني اجبرت على دفعه بفعل عجزكم ، وضعفكم وقلة حيلتكم ، فأنا اسراء ابنة الخامسة عشرة خريفاً ، هذا وصف عمري فليس في حياتي ربيع عشته ، ولا زهرة نضجت على سريري لأقول لكم أنني ابنة حصلت على فرحة ولو لمرة واحدة في حياتها ، ففي عام 2012 استشهد والدي ، وتضرر منزلنا بقصف اسرائيلي سريع على القطاع ، حزنت عليه ، كثيراً ولكني تعايشت مع غيابه المفجع ، وتعودت أن أكبر في غرفتي وحقيبتي المدرسية ، ورسمت أحلامي على جدران منزلي ، ونثرت أمنياتي على شرفتنا الصغيرة لتكبر مع كل طلعة شمس ، فبيتي كان جنتي وغرفتي كانت الفردوس بالنسبة لي ، فيها اتفقد انوثتي  وهي تنضج يوماً من بعد يوم ، ومرآتي تخبرني عن بلوغ جديد يحدث لي في كل فترة ، فأبتسم وأعيش على أمل يكبر مع الغد ، ولكن اليوم خسرت بيتي وغرفتي ومرآتي ولم يعد يهمني أن نضجت او كبرت ، فلم يعد في حياتي أمل كبير لكي اعيش من أجله .

ليس من فقدان وحرمان ينتابني شعور انعدام الثقة بالحياة ، وليس لأنني خسرت بيتي وغرفتي ، ولكن من قلوبكم التي تحجرت أمام مأساتي ، وتحولت أنا وأسرتي وأمثالي الى أرقام  عندكم ، ولم يعد يهمكم سوى أن تجمعوا الأموال على معاناتي ، وتعلنوا رضاكم وتقدموا كتب الشكر والتقدير الى الدول والجهات التي استعدت أن تقدم دعمها لإعادة إعمار قطاع غزة ، وانشغالكم عني بسوق كبيرة فتحت أمامكم ، ومواقف عديدة تتنقلون فيها ، وأنا كما تركني العدوان الأخير ، كما أنا بدون بيت ولا أمل قريب بحل مشكلتي.

يا سادة أعيش في كرفان قد يتحول في أي وقت الى "كومة" من الصفيح المقطع ، أو المحروق ، أو يتحول الى سفينة خائبة تسبح في المياه العادمة ، أو الى تابوت يحشوني واسرتي بلمحة بصر ، فالكرفان لا أمان له ، ولا أشعر أنه يحميني من البرد أو الرياح أو الأمطار ، أو حتى المياه العادمة ، والطين المنجرف ، والكهرباء التي تصعقه بين فترة وأخرى عند حدوث ماس فيه، فهذا ليس مكان يتعايش معه الأدماميون أمثالنا معه فترة طويلة ، وفي ظروف حياتنا الصعبة في قطاع غزة ، وأن شئتم فهو ابرة مسكن اعطيت لكم قبل أن تعطى لنا لكي لا تسمعوا أصواتنا ، وتقتنعوا أن حلاً مؤقتاً تم توفيره لنا ، فتأخذكم الغفلة الطويلة ، وتدخلون في مناوشات سياسية وخصومات في المواقف مع اضادكم ، وتقنعون أنفسكم أننا أخف معاناة مما كنا عليه في مراكز الإيواء ، ولكن الحقيقة تقول عكس ذالك تماماً فمعاناتنا مستمرة ولم تنقطع يوماً وتزيد كلما طالت فترة انتظار إعمار بيتنا.

أيها السادة لا أقول وأنا في مقتبل عمري ، أنكم خارقون وقادرون أن تبنوا بيتي على عجل وتعيدونني والمشردين أمثالي بسرعة البرق ، ولكننا كلما تطلعنا إليكم وجدنا أنكم مشغولين عنا ، وأبعد ما تكونوا حتى بالتفكير بنا وبمعاناتنا ، وكأنكم نسيتم مشكلتنا ، وتناسيتم هذا الهم الكبير ، وتركوننا لمصيرنا ، بحجة خصامكم مع هذه الجهة أو تلك ، وأن حكومتكم لا تسيطر على مفاصل الأمر والنهي في قطاع غزة ، فمبرراتكم لتطويل أزمتنا جاهزة ، ونحن لا تفهم مثلكم بالحيل والسياسة ، وأنتم قادرون على اقناع من حولنا بصواب مواقفكم ، ولكن أوجاعنا تفضحكم دوماً ، ونحن لطالما بقينا في معاناتنا نعريكم .

أيها السادة ماذا لو كنت ابنة لكم ،أو ابنة لواحد من ابنائكم ، اترضون لها أن تعيش كما أعيش أنا اليوم ، تقبلون لها أن تحشر مع أخوتها الشباب والمراهقين في غرفة معدنية لا تتعدى مساحتها المترين ، اتقبلون أن تصبح ابنتكم ، فتجد نفسها غارقة في المياه العادمة ، اترضون لإبنتكم أن تفقد طعم النوم وتحشو قلبها بالخوف من كل برق نازل من السماء ، أو رياح جارية حولها ، اقنعوني برضاكم عن حال ابنتكم هذه ، لكي اقتنع أن ضمائركم لا زالت حية!!!!.