رابع خلاف اميركي- اسرائيلي يتهدد مستقبل اوباما
تاريخ النشر : 2013-11-16 10:05

الخلاف الاميركي-الاسرائيلي حول المفاوضات النووية الايرانية، استغله بنيامين نتانياهو بطريقة استفزازية أراد من خلالها تحدي الرئيس اوباما وتأليب الرأي العام ضده. ويرى المؤرخون أن مثل هذا التعارض القوي بين دولتين حليفتين سيتكرر للمرة الرابعة منذ إعلان تأسيس دولة اسرائيل عام 1947.
ففي المرة الأولى انفجر الخلاف بين الرئيس جون كينيدي ورئيس وزراء اسرائيل ديفيد بن غوريون. وكان ذلك خلال لقائهما في البيت الأبيض، وإصرار الرئيس الاميركي على ضرورة إلغاء المشروع النووي الاسرائيلي في «ديمونة». وأنكر بن غوريون أن فرنسا تساعد بلاده على اقتحام المجال النووي، وادعى ان «ديمونة» ليست أكثر من محطة لتجميع المياه الزراعية.
عندها أحرجه كينيدي بإبلاغه أن وفداً من الخبراء سيقوم بزيارة اسرائيل للتأكد من صحة كلامه. وخرج بن غوريون من البيت الأبيض غاضباً، ليعلن أمام الوفد المرافق له: «من الصعب تحمل رئيس كاثوليكي في البيت الأبيض.» وقد سجل هذه العبارة في مذكراته.
عقب اغتيال الرئيس كينيدي في مدينة دالاس (تكساس)، أصدرت «لجنة وارن للتحقيق» سلسلة احتمالات اتهمت فيها المافيا والـ «سي آي ايه» وكوبا و «اف بي آي» وعشيق جاكلين اوناسيس، والأحزاب الشيوعية المتطرفة. وحيال هذا التشويش، اكتفت في النهاية بحصر التهمة بالمدعو لي هارفي اوزوالد، معتبرة أنه المسؤول الوحيد عن عملية الاغتيال.
هذا الشهر، وتزامناً مع تاريخ مقتل كينيدي المصادف 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، صدر في الولايات المتحدة كتاب مثير للجدل عنوانه: الرجل الذي قتل كينيدي! وقد استند المؤلف روجر ستون في استنتاجاته الى مصادر موثوقة سبق وعرفها أثناء تنظيمه لحملات مرشحي الرئاسة من جمهوريين وديموقراطيين. ولكنه حرص على استخدام شهادة الرئيس نيكسون الذي ردد أمامه العبارة الآتية: «أنا لا أنكر أنني كنت أطمح الى دخول البيت الأبيض. ولكنني لا أستخدم القتل وسيلة لتحقيق طموحاتي».
وبخلاف الـ 140 كتاباً الصادرة في الولايات المتحدة عن حادثة اغتيال كينيدي، أوحى المؤلف ستون للقراء بأن جهة غامضة هي التي استفادت من عملية القتل. ومع أنه ذكر في معرض الاتهام عشر جهات داخلية وخارجية، إلا أن عبارة الامتعاض التي كررها بن غوريون عقب اجتماعه بكينيدي، كانت بمثابة المؤشر للمستفيد من إلغاء رئيس أصرّ على إلغاء المشروع النووي الاسرائيلي. في حين أوصلت تلك الجريمة الى البيت الأبيض رئيساً صديقاً، متعاوناً، ساهمت سياسته المنحازة لإسرائيل بتأمين احتلال ثلاث دول عربية في حرب 1967.
حادثة الخلاف بين الحليفين، الاميركي والاسرائيلي، انفجرت مرة ثانية عقب الاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956. يومها أمر الرئيس دوايت ايزنهاور بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بضرورة الانسحاب من سيناء تحت وطأة التهديد والوعيد. ومع أن اسرائيل أذعنت للقرار الاميركي مثلها مثل فرنسا وبريطانيا، إلا أنها انتقمت من سيد البيت الأبيض من طريق خلق تجمع داخل الكونغرس يُربك سلطة الرئاسة. وهكذا ضمنت اسرائيل لتدخلها المتواصل في الشؤون الاميركية، بابين تلجّ منهما الى مراكز صنع القرار في الادارة والكونغرس.
الخلاف الثالث حصل بعد حرب 1973 وفي أعقاب الرحلات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الاميركية هنري كيسنجر لكل من دمشق وتل أبيب.
وحدث أثناء المقابلة التي أجريتها مع الرئيس ريتشارد نيكسون في مكتبه في نيويورك، أن سألته عن الدور الحقيقي الذي قام به وزير خارجيته في سورية. وعلى الفور طلب مني إقفال آلة التسجيل كأنه يتذكر المؤامرة التي حاكها كيسنجر من أجل إجهاض مساعيه مع الرئيس حافظ الأسد.
في 16 حزيران (يونيو - 1974) قام نيكسون بزيارة دمشق يرافقه كيسنجر. واستقبلهما الأسد في مكتبه وراح يشرح لهما قبوله للقرارين 242 و338 واستعداده للسلام مع اسرائيل، شريطة أن تنسحب الى حدود ما قبل حزيران 1967 وتعيد للفلسطينيين حقوقهم.
وفي كتابه عن حافظ الأسد، يبرز الكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل تلك اللحظات بكثير من الإسهاب والدقة. قال إن كيسنجر تدخل ليمنع تطور المحادثات الايجابية بين نيكسون والأسد، وراح يصرخ: سيدي الرئيس... إننا مضطرون للمغادرة الى اسرائيل. لقد دهمنا الوقت. إن الطائرة تنتظرنا.
وعندما حاول نيكسون استئناف الحديث، وجد نفسه يتعرض للمقاطعة من جانب وزير خارجيته. وامتقع وجهه، وقال: يا هنري، ألا تريدني أن أتكلم؟
ولكن هنري لم يهتز، بل أجاب بلهجة ناعمة، دمثة، أن من الأفضل ترك معالجة هذه القضية الى حين عودتك الى واشنطن.
ولكن العودة الى واشنطن شهدت نهاية الرئيس الذي وقّع اتفاق انفراج العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وفتح أبواب بلاده على صين ماوتسي تونغ.
وفي مكتبه الواقع في عمارة «فيدرال بلازا» في نيويورك (الرقم 1309) استقبلني الرئيس المستقيل مع الزميل باسم المعلم، ليتحدث عن الفضيحة السياسية (ووترغيت). وأوحت كلماته في حينه (حزيران 1983) أنه غير مقتنع بأن السبق الصحافي الذي أحرزه بوب وودورد وكارل برنشتاين في صحيفة «واشنطن بوست»، تنتهي مفاعيله على الساحة المحلية. وفي تصوره أن تداعيات تلك الفضيحة ظهرت أعراضها في أزمة الشرق الأوسط، بحيث نسفت محادثات نيكسون-الأسد، ومنعت تحقيق الوعد الذي يضمن انسحاب اسرائيل من الجولان.
وبعد مرور أربعين سنة على تلك الفضيحة، ظهر في واشنطن موظف مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي اي) يُدعى مارك فيلت، ليؤكد أنه الشخص الذي يقف وراء تلك الحادثة. وأعلن بحضور وودورد وبرنشتاين، أنه كان يلتقي بوب في مرأب للسيارات تحت الأرض، ليزوده بالمعلومات. ولكنه لم يكشف عن الجهة التي كلفته القيام بذلك الدور المريب.
ثم تبين لاحقاً أن فيلت كان خيطاً في شبكة عنكبوتية واسعة تضم الجاسوس بولارد وغيرهما ممن يعملون لمصلحة اسرائيل.
للمرة الرابعة ينفجر الخلاف بين اسرائيل والولايات المتحدة، على خلفية الاتفاق المزمع توقيعه بين واشنطن وطهران. وقبل أن تنتهي المفاوضات في جنيف، توجهت رئيسة الوفد الاميركي وايندي شيرمن الى تل أبيب للاجتماع بنتانياهو وإطلاعه على تفاصيل المحادثات التي يشترك فيها ست وزراء خارجية. واعترفت وايندي بأن زيارتها السريعة لاسرائيل جاءت بطلب من الوزير جون كيري كمحاولة لتنفيس الغضب الذي عبّر عنه رئيس الوزراء أثناء اتصاله بقادة الكونغرس ورؤساء الدول الاوروبية.
ومن أجل مواصلة الضغوط على الادارة الاميركية، أرسل نتانياهو وزير الاقتصاد ورئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت الى واشنطن بهدف حض أعضاء الكونغرس على معارضة أي اتفاق مع ايران لا يقضي على قدراتها النووية. وفي مقابلة أجرتها صحيفة «معاريف» مع الوزير بينيت، قال إنه سيطالب الكونغرس بمضاعفة العقوبات الاقتصادية على ايران، مدعياً أنها خسرت 130 بليون دولار منذ عام 2012.
ويبدو أن هناك خلافاً في أسلوب التعاطي مع هذه المسألة الحساسة بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان. ففي أول تعليق أعلنه ليبرمان من مكتبه في الخارجية، اعترض على الطريقة السلبية التي طرحها نتانياهو للمناقشة أمام الملأ. علماً أن علاقته بوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون كانت سيئة للغاية. ويُستفاد من موقفه الجديد، أنه في ولايته الثانية، يسعى الى تمتين علاقته بالوزير جون كيري.
وترى الادارة الاميركية أن الرئيس اوباما تنبه الى خطورة الفخاخ التي ينصبها له نتانياهو، بدليل أنه حذر الكونغرس من نتائج نسف الجهود الديبلوماسية الاميركية. ووصف اوباما الساعين الى إفشال المفاوضات بأنهم لا يتركون له أي خيار آخر سوى خيار استخدام القوة العسكرية ضد برنامج ايران النووي.
وواضح من طبيعة التطمينات التي قدمتها واشنطن للدول الخليجية، أن تعاونها مع ايران - في حال نجحت المفاوضات - لا يختلف عن تعاونها مع الاتحاد السوفياتي السابق. أي الاعتراف بعداوتها وبدورها، مقابل تدخلها لحل الأزمات المشتركة مثل أزمة «حزب الله» في لبنان... وأزمة تفكك وحدة العراق... وأزمة الحرب الأهلية في سورية... وأزمة الحوثيين في اليمن... وأزمة «حماس» و «الجهاد الاسلامي» في فلسطين.
المفاوض الايراني - لا فرق أكان وزير الخارجية محمد جواد ظريف، أم رئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي - يرفض مقايضة تجميد البرنامج النووي بتجميد مختلف النشاطات التي تقوم بها ايران في المنطقة. وقد عبر عن هذا الموقف مرشد النظام علي خامنئي وقاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الجمهوري والمشرف العام على معارك النظام في سورية.
وعلى هذه المآخذ السياسية، ترى دول مجلس التعاون الخليجي أن المكاسب التي ستجنيها طهران من وراء هذا الاتفاق أكثر بكثير من الفتات الذي تقدمه ايران. وهي تتساءل عن الوضع الذي سينشأ بعد ستة أشهر مثلاً، عندما يتبين للأميركيين ان الايرانيين نفذوا شروط الصفقة، وأنه سيكون بالمستطاع رفع العقوبات بكاملها.
في معرض اتهامه الرئيس اوباما، يقول نتانياهو إن تفاوض الولايات المتحدة مع ايران لا يختلف عن «اتفاق ميونيخ» الذي سلّم مصير اوروبا الى النازيين. ووصف جون كيري بأنه يعيد تمثيل دور الوزير البريطاني نيفيل تشامبرلن.
ويُستدَل من ردود فعل طهران، ان الرئيس حسن روحاني مصرّ على إنجاح المفاوضات مهما كلف الأمر. لذلك طلب من وزير الخارجية محمد ظريف الرد فوراً على تعليق جون كيري في الامارات العربية المتحدة، وقوله: «إن ايران لن تقبل الاتفاق». واعتبر ظريف أن بعض السياسيين، مثل الوزير كيري والوزير الفرنسي فابيوس، لا يراعون الحقائق بل يحرّفونها بهدف إزالة هواجس الدول المعنية. ووعد باستئناف المحادثات في جنيف يوم الأربعاء المقبل، مع الموافقة على تفقد مصنع «آراك» لإنتاج الماء الثقيل من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل 11 كانون الأول (ديسمبر).
ويرى المراقبون أن ايران، والدول المشاركة في محادثات جنيف، تريد التوصل الى اتفاق سريع يزيل عن الايرانيين كوابيس العقوبات الاقتصادية... ويبعد عن الدول الغربية خيار الحرب الوقائية.
ومعنى هذا أنه لم يبقَ أمام اسرائيل من خيار آخر غير خيار شن الحرب، من دون حليفتها الكبرى.
عن الحياة اللندنية