الذَّات الحقيقيَّة والذَّات المزيَّفة 
تاريخ النشر : 2023-03-24 10:48

إنَّ بعض الأشخاص قد فقدوا مشاعر واحتياجات كثيرة في مرحلة الطُّفولة، مثل: الإحساس بالأمان، والعطف، والاهتمام، والرعاية والحُبِّ، ولم يحصلوا عليها من قبل الوالدَين؛ ممَّا أدى إلى حدوث جروح وشروخ كبيرة جدًّا في القلب، واستمرت هذه الجروح عندهم في فترات الحياة المختلفة؛ ممَّا أدى إلى خَلق ذات مزيفة، هذه الشروخ والجروح التي تعرضوا لها في فترة الطفولة أثَّرت بشكل سلبي في هؤلاء الأطفال؛ ممَّا جعلهم لا يستطيعون التكيُّف مع المجتمع.

إنَّ من أهم خصائص الذات المزيفة أنَّ صاحبها يعيش دور الضحيَّة مع ذاته، ويمارس الكذب المتكرر للدفاع عن النفس، بالإضافة إلى صعوبة الشِّفاء من الصَّدمات النَّفسيَّة، وكل هذا وذاك يظهر في الأُسر المضطربة، والتي يعاني أهلها من البرودة في المشاعر وعدم تقديم الحُب والرعاية والعطف لأبنائهم، والقسوة، والأمراض النَّفسيَّة والعقليَّة، فينشأ الأبناء في هذه الأسرة ولديهم ذات مزيفة غير حقيقيَّة، تتسم بالاضطراب والعديد من الأمراض النَّفسيَّة، مثل: إنكار الذَّات، وعدم الثِّقة بالنَّفس، والغيرة، والحسد والحقد، وصعوبة التعامل مع الآخرين أو التواصل معهم.

إنَّ لكل إنسان طفلًا مخبَّأً داخله محبوسًا، هذا الطفل المخبأ المجروح لا يسمح للشخص بالتعبير عن نفسه وعن مشاعره؛ لأن هذا الطفل قد تم تشويهه وجرحه بشكلٍ ما.
وكلُّ شخص منَّا له ذاتان: الأولى ذات حقيقية، والأخرى ذات مزيفة، والفرق بين الذات الحقيقية والذات المزيفة أن الذات الحقيقة لا يكون معها الطفل المحبوس مجروحًا، بعكس الذات المزيفة فهي تُعبِّر عن طفل مجروح ومفتقد للرعاية والاهتمام والشعور بالأمان منذ الصغر.

والذات الحقيقية هي الذات الواثقة بنفسها في مرحلة الطفولة، حيث تلقَّت الاهتمام والأمان، فهي ذات حقيقية، وعندما يراها أي إنسان يعرف أن هذا الشخص حقيقي ويظهر بصورة حقيقية، مريح لكل من يراه، هي ذات أصليَّة في حالة نفسيَّة ممتازة.

أما الذات المزيفة فهي غير أصليَّة، شخصيَّة منقادة وحسودة، لا تحبُّ الخير للآخرين، وترتدي قناعًا آخر لكي تحمي نفسها من الآخرين؛ فتكون شخصيَّة كثيرة الكذب والنِّفاق، مطيعة بشكلٍ غير طبيعي لكي تكسب ودَّ وعطف ومحبَّة الآخرين، وتكتم مشاعرها الحقيقية، شخصيَّة منتقِدَة للآخرين، لا تثق بأحد، والتقدير للذات لديها منخفض، ولديها مشكلات في رسم الحدود في علاقاتها مع الآخرين وتتسم بالاعتمادية والإدمان، هذه الشخصية لا تشعر براحة مع ذاتها، هي شخصية مؤذية وضارَّة، لا تستقيم في أي علاقة سليمة.

كما إن التراكم المستمر للعديد من المشكلات العاطفيَّة والعقليَّة التي لم يتم الانتهاء منها نفسيًّا قد يؤدي إلى القلق والتعاسة والفراغ عندما نتنكَّر للطفل الداخلي، وظهور الذات المزيفة السَّلبيَّة أمرٌ طبيعي في الأولاد الذين تربَّوا في أسر قاسية القلوب.    

ومن هنا يجب أن نسأل: متى يرتدي الإنسان قناع الذات المزيفة؟ يرتديه عندما يريد أن يحمي نفسه من انتقادات الآخرين، وبالأحرى عندما نجد الطفل المختبئ فينا لديه مشكلات نفسية ومجروحًا، ويريد أن يتفادى الجروح من الآخرين.

ومن هنا يجب على كل إنسان أن يواجه الطفل المخبَّأ بداخله، ويعرف هذا الطفل جيدًا؛ لكى يتخلَّص من أيِّ ذات مزيفة، ويكون إنسانًا حقيقيًّا مريحًا لنفسه قبل أي شيء آخر، ومريحًا للآخرين، وعليه بالجلوس مع ذلك الطفل المخبأ بداخله ليكتشف جروحه ومشكلاته، ويتصالح مع نفسه، ويعرف بأنه ليس له أي سبب في هذه الجروح، وأن يتقبَّلها بحُبٍّ، ويبني شيئًا جميلًا لنفسه من الثِّقة والمحبَّة والتَّسامح للتَّخلُّص من أيِّ ذنب.