الحلم والأمل
تاريخ النشر : 2023-03-23 14:15

في وطننا، هناك من يصنع الأمل، ويمنح الأجيال الشابة الإحساس بأن لحياتها غاية، وأن الأفضل والأنفع للناس في الوطن والبشرية، هو أمر ممكن فعلاً، ويستحق أن نبذل الجهد والموارد لتحقيقه.

في صناعة الأمل الإماراتية، الكثير من مساءلة الواقع، وتحفيز الوعي بأهمية توطين المعرفة في مجتمعنا، والتفكر في مقتربات غير مطروقة لاجتراحها، وتحويل العقبات إلى روافع للنهوض، وبناء الغد.

نُربي الأمل في نفوس الأجيال الشابة، حينما نُشعل عقولها بفكرة وبمعرفة، وبفيض قيمي عميق وسامٍ وحصيف، وبمهارات يتطلبها المستقبل، ونشحنها بالعزيمة والثقة بالنفس، ونحثها على الإبداع والإنتاج.

تمتلئ الأجيال الشابة إحساساً بالأمل، عندما تشعر بأنها قادرة على التأثير في مستقبلها، وأن هناك شيئاً مهماً يستحق عناء العمل من أجله، فتملك حينها إرادة الفِعل، وهي الإرادة التي دفعت عجلة التقدم الإنساني والحضاري إلى الأمام.

وحينما كنت أُسأل في لقاءات ومؤتمرات عن الحكمة الإماراتية في إنفاق المليارات من الدولارات في مشاريع الطاقة المتجددة والعلوم المتقدمة والفضاء والقدرات الدفاعية والقوة الناعمة وتشييد جسور التعاون والخير العام الإنساني، وإعادة ترميم الجسور العربية....إلخ، كنت أقول للسائلين: «إنه عمل وطني وأخلاقي وإنساني بامتياز، ورمز لكيفية تحويل التحديات إلى فرص نافعة، وإن الإمارات، كدولة ومؤسسات وقيادة، تريد أن تقول لمواطنيها: إننا نستطيع أن ننجز الكثير وغير المسبوق، وإننا، كشعب وجزء من هذه الأمة العربية، لسنا طارئين على التاريخ، وإننا امتلكنا قبل قرون قليلة، أكبر قوة بحرية تجارية (قوة القواسم) في الخليج والمحيط الهندي، وإننا نستحق أن نفاخر، وبتواضع، بما أنجزناه في الخمسين سنة الماضية، ولدينا الحلم والأمل أن نكون من بناة المستقبل في الأرض وفي الفضاء أيضاً، ونعتبر أن الاستثمار في الأمل، وفي هذه الأجيال الشابة، هو مهمة ثقافية وعلمية في آن، وهي مهمة تليق بحضارة عربية إنسانية وتستحق أن نعمل لاستئنافها، واستعادة الأمل لشعوبها بمستقبلها، ومواجهة كل عوامل الإحباط واليأس والخوف والفُرقة».

منذ سنوات، دخلت الإمارات عصر برامج الرحلات الفضائية المأهولة، وسخّرت الإمكانيات المادية والعلمية، واستثمرت في الإنسان، وها هي قد أطلقت أحد أبنائها الشباب: سلطان النيادي، شمعة مضيئة في سماوات العالم العربي، وكمصدر إلهام لجيله، في رحلة لأداء مهمة فضائية (طموح زايد 2)، تستمر نحو ستة أشهر، في المحطة الفضائية الدولية، ولاستكشاف نتائج وبيانات علمية حول الفضاء الخارجي، ولعلها أول مهمة طويلة الأمد إلى محطة الفضاء الدولية، وفي إطار تعاون دولي مشترك.

يشكل هذا الرائد العربي الإماراتي مصدراً لإلهام أجيال شابة بمهارات المستقبل وعلومه وآفاقه، اجتهد وتدرب على مدى السنوات الخمس الماضية، انتظاراً للحظة الانطلاق إلى الفضاء، في مركبة فضائية، مع رائدين فضائيين من وكالة «ناسا» الأمريكية، وآخر (اختصاصي المهمة) من روسيا، وانضم إليهم في وقت لاحق فريق آخر من رواد الفضاء، كجزء من هذه البعثة الاستكشافية العلمية.

جسَّد سلطان النيادي معاني الشجاعة والكفاءة العلمية والشغف لتحقيق إنجاز فضائي، واكتساب خبرات، والمشاركة في جمع بيانات جديدة للمجتمع العلمي العالمي المعني بالفضاء.

دارت مركبته أكثر من 14 دورة حول الأرض، قبل أن تلتحم بالمحطة الفضائية الدولية في اليوم الثالث من مارس/ آذار 2023.

سيعود بإذن الله، سالماً وغانماً، وسيحدّث أبناء جيله عن مشاعره وما رأى في هذا الكون الذي تديره قوة إلهية، ويحاول الإنسان فهمه، وربما سيقول سلطان النيادي إنه شعر بالانتماء إلى البشرية جمعاء، رغم اعتزازه بالانتماء الوطني، وإنه شاهد كوكب الأرض من بعيد، كبقعة صغيرة، كرة هشَّة وضعيفة، تسبح في هذا الكون الشاسع، وتشعر بأنها بحاجة ماسة إلى من يحنو عليها، وينقذها من صراعات وحروب وأوبئة، وقنابل نووية، يتحكم في أزرارها حمقى وأباليس، لا يملكون حكمة ولا ضميراً مسؤولاً.

ألم يُصبك الحزن يا سلطان على مصير هذا الكوكب، وعلى بيئة دمرها البشر ولوّثها البطر وشره الاستهلاك؟ وكيف رأيت القمر، وهو ينبثق من جوف الظلمة، واختلاف الليل والنهار؟ وسيسألك تلاميذ مدرستك (أم غافة) في مدينة العين، والتي تخرجت فيها عام 1999، عن لحظات القلق والدهشة، وهل تغيرَّ شيء في جسدك في غياب الجاذبية الأرضية؟ وكيف كان رواد الفضاء يستحمون ويأكلون وينظفون أسنانهم ويقصّون أظافرهم؟ وستولد لدى التلاميذ أحلام المستقبل، في الالتحاق بكليات متخصصة في علوم الفلك والفيزياء، وريادة آفاق الفضاء، والتفكر في هذا الفيض التكنولوجي والمعرفي، وإقرانه بفيض قيمي عميق في الفلسفة والثقافة النقدية الإبداعية والإنسانية، وسيصبح سلطان الطموح والعمل الجاد، ثقافة راسخة في الوطن، وفي وعي الأجيال الطالعة، وسنستحضر دوماً الآية الكريمة: «إن في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك فقنا عذاب النار»، (آل عمران 190-191).