من الرياض..أول شرخ حقيقي في "هيمنة القطب الواحد" عالميا!
تاريخ النشر : 2022-12-10 08:50

كتب حسن عصفور/ لعلها المرة الأولى منذ غياب الرئيس الخالد جمال عبد الناصر 28 سبتمبر 1970، تذهب "الرسمية العربية" بوضوح لا غبار عليه، لتعلن أنها ليست "برغيا" ملحقا في سياسة الهيمنة الأمريكية، ليس منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، وما أسموه "كذبا" نهاية الحرب الباردة عام 1990/ 91، بل وما قبلها، حيث ارتبطت بشكل شبه مطلق بالسياسة الأمريكية، ومحورها، رغم كل ما أصاب دولها العربية ضررا بل وتخلفا عاما.

من الرياض، وعبر قمم 3 وخلال أيام 3، مع الصين وزعيمها الصاعد دون ضجيج ليكون قائدا عالميا خال من الشعارات التي سادت طويلا، وقعت خلالها ما يقارب الـ 35 وثيقة اتفاق وتفاهم، لم تترك مجالا دون أن تتضمنه، من الاقتصاد الى اللغة الصينية، مرورا بالأمن، والاستثمار وعالم التكنولوجيا، وكل ما له أثرا في تطور الدول وتقدمها، وكذلك رفع شأن الوعي الإنساني العام.

من الرياض، تم إعلان التمرد الرسمي العربي على سياسة "الهيمنة الأمريكية" على جزء كبير من القرار العربي، وكسر حلقات تحديد الحركة والانطلاق، وصلت أن ترسم واشنطن ما يجب أن يكون أولا يجب في عالم علوم وسلاح وبضائع، تضع فيتو لأي مادة تراها "مسا" بسيطرتها العامة على حياة المنطقة، وخاصة دول الخليج العربي.

من الرياض، وبموضوعية كاملة، بدأ كسر "هيمنة القطب الواحد" عالميا، واستبقت قمم الرياض خلال أيام ثلاثة (7 – 9) ديسمبر 2022، نتائج حرب أوكرانيا، والتي فتحت الباب لكسر السيطرة الأمريكية، وتتجه نحو صياغة علاقات جديدة، لخصها وزير الخارجية السعودية بعبارة مكثفة جدا، نعم للتعددية لا للاحتكار في العلاقات الدولية.

من الرياض، وضعت العربية السعودية قواعد جديدة لعملها كدولة في النظام العالمي الجديد، وتمكنت من قراءة حقيقية للواقع المتحرك، وما تملك من قدرات تضعها في مكانة خارج "التبعبة"، وأنهت سياسة بدأت مع تولي الملك عبد العزيز آل سعود حكم المملكة، من انحياز لمعسكر تحت شعارات مختلفة، لتبدأ رحلة "تكوين سياسي" جديد، في لا قطبية الانتماء.

والحقيقة التي مهدت لذلك "الطلاق" مع سياسة الانحياز غير الموضوعي للقطب الواحد (المعادي عمليا وجوهريا للطموح العربي)، بدأت منذ زمن بالتدريج وعبر رسائل قصيرة، لم تتعامل معها الولايات المتحدة بالجدية اعتقادا انها "عادة عربية" تطلق كلاما لكنه لا تمارسه، معتبرة أنها دول فاقدة للقدرة أو السيطرة للذهاب خارج "دائرة الاعتقال" الطويل الذي فرضته عليها.

ومن بين تفاصيل تراكمية أدت الى منتج "قمم الرياض" التغييري، انه خلال السنوات الخمس الأخيرة، أي من عام 2017 وحتى تاريخه، كانت الصين هي الشريك التجاري المركزي للعربية السعودية، وليس أمريكا، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز، وتنوعت من النفط الى مختلف المجالات، دون حدود أو عقبات، كما كانت شروط العلاقة مع أمريكا.

بل أن الإمارات العربية عقدت صفقة شراء طائرات رافال الفرنسية وسط رفض أمريكي، وعلها كانت إشارة سريعة أن عالم التعاون لم يعد قائما وفق مبادئ "التحديد الأمريكي"، رغم ان الصين والعلاقة العامة معها، تربك واشنطن اضعافا مما تربكها علاقات تعاون مع أوروبا.

من الرياض، قدمت "الرسمية العربية ردا عمليا على تقرير السياسة الاستراتيجية الأمريكية في السنوات القادمة، باعتبار أن الصين عدوها المركزي، فيما رأتها الدولة العربية "الشريك الرئيسي" في السنوات القادمة.

مفهومان نقيضان أحدهما للآخر يكشف قيمة التحول الذي حدث في قمم الرياض الثلاثة، ما كان له أن يحدث دون تغيير جوهري في "المفاهيم الاستراتيجية" للتطور العام الذي بدأ من سنوات ببطئ ولكن بتدرج، حتى وصل الى بداية الانفجار الكبير في صياغة علاقات خارج ذيلية سياسية.

من الرياض، بدأت "الرسمية العربية" وضع حجر أساس "الشراكة" في النظام العالمي الجديد الاخذ في التكوين، وسيكتمل بعد نهاية حرب أوكرانيا، شراكة تستند الى قوة فعلية لم تستخدم سابقا فيما يبنى سياجا من "الاستقلالية النسبية"، فكان الثمن السياسي مكلفا.

من الرياض، بدأ عصر جديد لدور عربي في النظام الكوني المتشكل بقواعد مختلفة، تنهي موضوعيا عهودا من "الذل السياسي"، والانتقال الى "التأثير السياسي".

ملاحظة: حسنا فعل الرئيس محمود عباس في خطابه بالقمة العربية الصينية بالرياض، ان طالب العالم بعدم التعامل مع حكومة "الرباعي الفاشي" بقيادة نتنياهو ..ولكن هل معنى هيك طلب انه الرئيس تراجع عن كلامه قبل كم يوم بأنه سيتعامل معهم...يا ريت يعلنها ويعملها، وما يكون طلب "مشمشي" والسلام!

تنويه خاص: كان ملفتا رفع علم الشقيقة سوريا ضمن أعلام دول العرب في شوارع الرياض وحول مقر القمم الثلاث مع الصين...هل يكون ذلك رسالة أولية أن "حرارة" العلاقات ستعود بعد قطع بفعل فاعل اسمه أمريكا..لو صارت بتكون الصفعة اللي هي على وجه رأس الحية!