المرحوم بسام ربحي المزيني – سيرة حياة
تاريخ النشر : 2022-12-08 14:25

ربما يسأل سائل لماذا هذه السيرة؟ فأقول باختصار: إن المقام مقام وفاء واحتفاء، وإني لأعتز بكتابة سيرة المرحوم بسام ربحي عطا المزيني، بحماسة واندفاع لسببين: السبب الأول: وفاء لذكراه العطرة تعريفاً به، والاستفادة من تجارب حياته، لأعطي القاصي والداني نبذة عن حياته تتلخص: بمَ نجح بسام المزيني في الحياة؟ وكيف سار في الحياة؟ وكيف سارت الحياة به؟ بلا مبالغة، حيث جمع بسام المزيني بين آلام الوطن وآماله في شخصيته كرائد من روّاد المجتمع الفلسطيني، أما السبب الثاني: احتفاء بصداقة وود الأخ "أنس بسام المزيني"،

فهو نعم الأخ والصديق، وقد استحكمت بيننا أواصر الألفة، إذ يعتبر الأخ العزيز أنس نموذجاً طيباً وإنساناً يفتح مسامه لكل من حوله من متغيرات، وهو بحق صديق يمزج بين التسامح والتواضع والكبرياء والطموح، خبرته، وعرفت فيه الحفاظ على الأمانة، والتمسك بالصدق، والرغبة المخلصة في العمل، والتسامي عن كل نزعة فيها أنانية أو كراهية للآخرين، ويذكر أنس لي دائماً أن طريق والده في عالم التجارة لم يكن مفروشاً بالورود والرياحين، بل كان مليئاً بالأشواك، وقد يزكي هذا الفهم أن أنس المزيني يداعبه الأمل في أن يجد نفسه في مستقبل أيامه صورة عن أبيه في كفاحه ونجاحه في صوره المتوالية، وليس ذلك على الله ببعيد.

لذلك كله، فقد أوحت لي تجربتي مع أنس المزيني، ومعايشتي له بضرورة كتابة هذه السيرة والمسيرة لوالده طيب الذكر رحمه الله.

مقدمة:

أجمل ما في شخصية المرحوم بسام ربحي المزيني أنها تمثل شخصية الرجل العادي في بلادنا أصدق تمثيل، فهو يمتاز بصدقه، وأصالته وبساطته، والذين زاملوه، واتصلوا به عن قرب يعرفون حق المعرفة أنه لم يحاول أن يعادي أحداً؛ لأنه يريد أن يعيش مع الناس جميعاً في خير وأمن واطمئنان، لا يحمل للناس إلا ما يحمل لنفسه، من رغبته في الخير، والبعد عن الشر، والاستزادة من نعم الحياة، ورغبته في أن يحيا دائماً، ويحيا معه الآخرون جميعاً، في سعادة، وكرامة.

أسرته وعائلته:

ينحدر المرحوم الحاج بسام ربحي عطا المزيني إلى بيت عريق في حي الشجاعية بمدينة غزة، وتاريخ عائلة المزيني يدل على ماضٍ موسر عريق، إذ يمتد نسب آل المزيني ضارباً في أعماق الماضي، فهم من قبيلة مُزينة، ويسمون أيضاً: (المزِني) و(المزِيني)، حتى يبلغ جد الأسرة الذي اشتهرت به إلى بلال بن الحارث المزني الذي أقطعه النبي r أرض العقيق في المدينة المنورة، والذي يمضي نسبه مرة أخرى ضارباً في أحشاء الزمن حتى يبلغ عمرو بن أد، الذي تزوج من ُمزينه القضاعية القحطانية، وأنجبت منه ولدين هما: عثمان وأوس، واشتهرا بأولاد مُزينة التي سميت باسمها القبيلة، فهي عدنانية الأصل قحطانية الأخوال،

وقد سكنت في الجاهلية ما بين مكة والمدينة، فأسلمت القبيلة، وقدم في العام الخامس الهجري أربعمائة رجل بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وازداد عددهم، وقد اشترك عن قبيلة مُزينة ألف صحابي في فتح مكة، وتفاخر أسرة المزيني بأمجاد لها في التاريخ، فمن مشاهير هذه القبيلة قائد معركة "نهاوند" لفتح بلاد فارس النعمان بن مقرن المزني، وشاعر الحكمة صاحب المعلقة الشعرية زهير بن أبي سلمى المزني، وابنهُ صاحب قصيدة: (البردة النبوية) كعب بن زهير، وقبيلة مزينة كغيرها من سائر قبائل الحجاز تحالفت مع قبيلة حرب التي قدمت من اليمن عام 131هـ، ولذلك يسمى معظم المزنييّن بالحلف الحربي، إلا أن هذه الأسرة ظلت محتفظة باسمها الأول: المزيني.

استقرت عائلة المزيني في حي الشجاعية بمدينة غزة في جنوبي فلسطين، وسكنت أسرة بسام المزيني بشارع الباز في منطقة "إجديدة" خلف مسجد السيد علي، وكان لهم مجلس أو ديوان عُرف بـ "مجلس آل المزيني" هناك، فكان ذلك المجلس مقراً لاجتماع العائلة والجيران والأصدقاء، ومنبراً للصلح بين المتخاصمين، ويقدم للمعوزين كل عون عن طيب خاطر، ووجد من هذه الأسرة فضلاء، فكان منهم المعلمون والشيوخ، وعمل بعضهم في تجارة الأقمشة، وهي التجارة الرائجة في ذلك الوقت.

وربما كان من المناسب التوقف – ولو قليلاً – عند بعض الشخصيات المؤثرة من عائلة المزيني، حيث اشتهر منها: الحاج سلمان المزيني، فكان من أثرياء بئر السبع، وكان يملك فيها حوالي 120 ألف دونم، ومن أعلام هذه العائلة المجاهد الكبير الحاج صادق سلمان المزيني، وفي حياته صفحات لا يحصى عددها، سجلت فيها مواقفه، وتعد مثلاً في قوة الوطنية وصدق التضحية والعمل بحماسة لإعلاء كلمة الحق وعمل الخير، ومن عائلة المزيني نذكر أيضاً الحاج ربحي عطا المزيني (والد بسام) الذي عمل في تجارة غزل الصيد، وكان له محل تجاري مشهور يُدعى بـ: (محل ريري) يقع على شاطئ بحر غزة، وكان له قدرة عجيبة على أن يأسر الناس ببساطته، وطيبته وشعبيته، وحبه الزائد للناس جميعاً.

وأعمق ما تكون النخوة عندما تكون سجية موروثة تنتقل من الأجداد إلى الآباء والأبناء، كما رأيناها في أسرة بسام المزيني منذ عرفت لهم أعمال ورويت عنهم أخبار، وهم كرام يجودون بما عندهم، ويأبون الضيم لأنفسهم ولمن يلوذ بهم، فكانت تلك الأسرة على حظ كبير من النعمة، ترفرف عليها السعادة ممثلة في الحياة الوادعة.

ميلاده وحياته ووفاته:

ولد بسام ربحي المزيني في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1958 في حي الشجاعية أحد أحياء مدينة غزة القديمة، وفي هذا الحي عاش طفولته، ونشأ على سجية الروح الدفاقة والحياة الاجتماعية الفاعلة التي تقوم على أساس الروابط الطبيعية من التمسك بالموروث، وحب الأسرة والمحافظة عليها، والتخلق بالأخلاق الحميدة، والمحافظة الشديدة على آداب العرف الاجتماعي من كرم الخلق وعلو الهمة، وما يثير فيهم من حمية ونخوة وتنافس على المجد وتوارث الفضائل، وتركت تلك المؤثرات آثارها البيّنة في تفكيره وحياته.

وكان بسام المزيني سادس أخوته الثمانية لوالد يعمل تاجراً لغزل الصيد، وكان لبسام النصيب الأوفر من الرعاية والعناية وتحقيق طلباته من والده، الذي كان ينظر إليه نظرات كلها عطف وحب وحنان، ووصيته كوصية ذاك الإعرابي الذي حين سئل: مَن أحب أبنائك إليك؟ أجاب: (الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يعود)، فغدا بسام - بلا منازع - فتى الأسرة المدلل لذكائه الحاد، وصغر سنه، وخفة روحه.

كان بسام المزيني طموحاً منذ صباه، وساعد على شدة طموحه أكثر من سبب، فقد كانت حياته مليئة بالنشاط والقدرة على التحرك ومحاولات الاستفادة من الحياة على أوسع نطاق، ولا شك أن أول من أثّر في بسام هو جاره التاجر المعروف الحاج خالد الحصري الذي أبدع في الأعمال التجارية الحرة، فكان من أكبر التجار الذين عرفتهم مدينة غزة، والذي كان له تأثير واضح في تكوين شخصيته، فتتلمذ عليه، وتلقى عنه فن التجارة ومعرفة أصولها، وقد عامله الحصري معاملة الأخ الكريم عندما عمل معه في تعبئة: (شاي الحصري) المشهور الذي كان يستورده من جزيرة سومطرة بإندونيسيا وقتئذ.

كان بسام المزيني يحلم بمستقبل أفضل، ويحرص على ادخار كل راتبه الذي يتقاضاه طيلة ست سنوات من عمله مع الحاج خالد الحصري، فصمد كالصخر على هذا الأمر، فحياة الإنسان العصامي لا تكون في بدايتها هادئة ولا ناعمة ولا مستقرة، بل غالباً ما تكون في البداية متعبة، متقلبة، تنتقل، وينتقل معها صاحبها من سيء إلى أحسن، وكان بسام المزيني يتفاءل بتلك الصعوبات والمشاق، وهذا كله من دواعي العصامية والشهرة، فقد استوعب الكثير من الدروس، وأحس أنه بحاجة إلى أن يخطو خطوة جديدة، وهكذا، فقد كانت غزة على موعد مع تاجر عصامي، فلم يكد ينتهي عقد السبعينيات من القرن العشرين، إلا وكان اسم بسام المزيني على ألسنة الكثيرين من رجال التجارة والأعمال الحرة.

بدأ بسام المزيني العمل باسمه منفرداً، وفي يده مبلغ لا بأس به من النقود مما كان يدخره، فكان أول عهده بالتجارة، افتتاح محل تجاري استأجره في عمارة المرحوم زياد البنا بحي الشجاعية لتصنيع منتجات (شامبو الجسم)،

وقد اتخذ طريقة جديدة لاجتذاب الجمهور إلى بضاعته، ولتشجيعهم للإقبال عليها، فوضع صورة (سوبر مان بسام) على منتجه الجديد، وسارت الأمور هينة، لينة، ليس فيها ما يسبب الضيق أو التعب، وليس فيها ما يعيقه عن التقدم نحو المال بخطوات سريعة وثابتة، وبدأ يمهد لانطلاقة جديدة، تتلاءم وما استفاده في هذه المرحلة من دراسة وتجربة، في استيراد مواد التنظيف والصابون بأنواعه المتعددة، وأثبت بسام أنه إلى جانب تمكنه من تجارته فإنه عالم بنفسية الجمهور، وأخذ يتعرف إلى كبار التجار في الداخل والخارج، وأصبحت علاقته الجديدة علاقة زمالة، وأكسبته هذه المعرفة ميزات جديدة.

بدأ بسام المزيني يفكر في مستقبله من زاوية جديدة، ففي مطلع الثمانينيات من القرن العشرين أسس مع إخوانه شركة لاستيراد المشروبات الغازية المعروفة باسم: (كولا كريستال، وتروبي كولا، و3es)، وكانت تلك الفترة - بحق – فترة نضج عقلي وتجاري، واستفاد بسام كثيراً من ظروف البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إذ كانت نهضة التجارة أبرز صور الانطلاقة الاقتصادية في غزة، حيث تعددت الشركات التي لعبت دوراً لا بأس به في ميدان الاقتصاد.

ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية أواخر عام 1987م التي عمّت أرجاء الوطن الفلسطيني المحتل، وقف بسام المزيني يؤدي دوره الوطني في ترك الاتجار بالبضائع الإسرائيلية كباقي التجار الشرفاء، واستجابة لنبض الجماهير وقتئذ، واتجه للاتجار بالمواد التموينية، ليجعل من تجارته أداة طيعة لخدمة الوطن في شتى مجالاته، وكان - رحمه الله - يردد باستمرار مقولته المشهورة: (يجب أن ندافع عن الوطن، كل حسب إمكانياته المتاحة، وأن ننظر إليه كشيء جليل مقدس)، وكانت أسلحة بسام بسيطة: اليد النظيفة، واللسان العف، والقلب الطيب.

وظل بسام المزيني وفياً لنفسه وللناس الذين اتصل بهم، وتعرف عليهم، وارتبط معهم بأحاسيسه ومشاعره وآلامه وآماله، لم يتبدل ولم يتغير، ولم تستطع ظروف الحياة الجديدة أن تخرجه عما ألفه في صغره، وما تربى عليه في بيئته الكادحة. فكان لا يفكر في الربح المادي، فهو – مثلاً – كان يمهل التجار في دفع مستحقاتهم، ولا يضايقهم، ويمنح التسهيلات الواسعة لهم، فكانوا يتوافدون إليه بأعداد كبيرة، ويأسر بسام كل من يقابله ببساطته وحيويته وإخلاصه في عمله.

كان بسام المزيني مشغوفاً بأن يعرف كل شيء، ويقرأ كل شيء، ويحرص على أن يتعرف على الكثيرين، ويتقرب – مع احتفاظه بكرامته – إلى الكثيرين، ويستفيد قدر استطاعته من تجارب الكثيرين، فأسس مع أخويه: "الحاج حسام والحاج عصام"، وشريكهم رجل الأعمال عطا الله الزعبوط، شركة لتجارة الأقمشة، وبينما كانت السوق مستمرة في الاتساع أكرمه الله عام 1991 بتأسيس شركة جديدة بمفرده أطلق عليها اسم: (شركة عتيد التجارية) لاستيراد وتصدير جميع أنواع الأقمشة والجلود، وقد ظهرت في تلك الفترة تطورات مختلفة ومتعددة تتمثل في تنفيذ عديد من الأعمال ذات الوزن الكبير،

خلال تلك المرحلة الدقيقة من عمر الشركة، وافتتحت الشركة 16 مخزناً لاستيعاب التعاقدات الجديدة، وشكلت تلك الشركة نواة رئيسية لجلب مصدر رزق يعيل كثيراً من أبناء قطاع غزة، وعندما يصل التاجر إلى هذه المرحلة يكون قد قطع شوطاً كبيراً في الوصول إلى الشهرة، وقد بذل بسام المزيني - في سبيل الوصول إلى هذه المرحلة - الكثير من الجهد والعرق والتعلم من أخطاء الغير، لذلك سرعان ما أخذ مكانه بين التجار الأصلاء.

وسافر بسام المزيني إلى معظم البلاد الأوروبية والعربية المشهورة في صناعة الأقمشة، فأكثر من زيارته لتلك البقاع، لمعرفة كل ما هو جديد في عالم الأقمشة والجلود، وإبرام التعاقدات التجارية بنفسه، وشحنها إلى غزة، وكان يرى دائماً عندما يذهب إلى بلد غير غزة أنه يكسب تجارب، أكثر مما يكسب مالاً، كان يمتاز بأعصاب قوية وإلى فهم صادق لما يطلبه الجمهور من بضائع ومستلزمات، ولكي ينجح التاجر ينبغي عليه أن يكون قبل كل شيء على قسط كبير من حدة الذكاء وسعة الحيلة، ثم ينبغي عليه أن يكون بعد ذلك متمكناً من تجارته، وبسام في كل ظروفه، وتصرفاته وحياته رجل وتاجر بكل ما في كلمة الرجولة من معان.

اعترت بسام المزيني ضائقة مالية شأنه شأن المواطنين في قطاع غزة على اختلاف طبقاتهم وفئاتهم؛ بسبب الحصار الجائر الذي وقع عام 2006م الذي حال دون الاستيراد من الخارج في أخطر فترة مرت في البلاد، ما زاد في فداحة الغلاء ومرارة الظلم والحرمان، لكن بسام المزيني خرج من هذه الضائقة بأعجوبة من أعاجيب القدر، إذ كانت مخازنه الكبيرة مكدسة بالأقمشة والجلود على اختلاف أنواعها وألوانها، فباعها كلها - كما كانت تباع قبل الحصار - وكان يشترط على التجار أن تكون الأسعار مناسبة، وفي متناول الجميع منعاً للاحتكار واستغلال الناس، إن الدارس للحياة يستطيع أن يضع يده على مفتاح شخصية بسام المزيني التي مرت بتجارب متباينة، والتي تلخصها كلمة (النخوة)، وتدل سيرته وسيرة أهله على أنها خليقة موروثة فيه.

واستمر بسام المزيني في تجارته لم يتراجع، ولم يرفع الراية البيضاء، ولم يفكر مجرد تفكير في أن يهرب من الميدان الذي اختاره، بسبب مآسي الحصار الخانق، فعمل في تجارة الأراضي والعقارات، وأبدع فيها، فما وجد الرجل نافذة ينبثق منها، ولو شعاع أمل ضئيل، إلا فتحها، وأطل منها على أمل جديد.

لم ينتمِ بسام المزيني لأي فصيل فلسطيني، ولم يسجل اسمه في دفتر أي فصيل أو حزب، ولكنه كان داعماً للجميع وقريباً منهم، وكان مُحباً لفلسطين: الوطن والإنسان، وكان مقر شركته ملتقى للجميع والتي لم تخل يوماً من الرجال، وهم نخبة من أصدقائه وأقربائه، من أمثال: الأستاذ عواد عبود، ورجل الأعمال عطا الله الزعبوط، والمختار منير صبيح، والحاج يوسف فتحي المزيني، والشيخ عمر فورة، والحاج إسماعيل سلمي، والأستاذ محمود الحلبي، وغيرهم، يوجز بعضهم ما يعرفه من الأخبار والأحداث، ويذكر البعض أيام الزمن الجميل بما تنطوي عليه نفسه من أخلاق حميدة، وطنية صادقة.

كان بسام المزيني متديناً محافظاً على الصلاة، وحج بيت الله الحرام، وكان يميل في أوقات الفراغ إلى ممارسة الرياضة البدنية، يحب السباحة، ويقوم بالجري برفقة محاسبه حمدي سعد، وبلغ من شدة ميله إليها أن أصبح له بنية الرجل السليم، ونشاط الرياضي المقدام، وثقة العقل المستقل، وهمة الكفاح الذي يأبى أن يستكين لمغالبة الأحداث.

انصب جهد بسام المزيني لعمل الخير، فكان له باع طويل فيه، ولا تتسع هذه المقالة لأكثر من الإشارة لأعماله الخيرية، فقد بلغت فيه طيبة النفس إلى درجة تكاد تكون غير محدودة، فكان يجذبه الخير كما يجذب المغناطيس الحديد، فيندفع إليه، ويسعى إلى كل نفع للغير عام أو خاص، وكان ملجأ الفقراء واليتامى والمصابين بأي مصيبة كانت، بهمة لا تعرف الملل، وكانت له معونة شهرية لطائفة من الأسر الفقيرة يأوون إليه، فكان – رحمه الله - في مقدمة الملبيين لها والعاملين على نجاحها ودوام أثرها، وكان يحسن إليهم وهو في مرض الموت، ويموت بسام وفي ودائع سره صدقات للمستعينين به لم يكن يطلع عليها أحداً من أقرب المقربين إليه، ولم يتجرد بسام المزيني من عاطفة صلة الرحم، فالأسرة عظيمة الشأن في عرفه، فساعد شباب عائلته الفقراء في مشاريع الزواج.

وساهم بسام المزيني في بناء مسجد الكوثر غرب مدينة غزة، ودعم إعمار العديد من المساجد القديمة، كمسجد الشهيد عبد الله عزام، وغيره. وتبرع بجزء كبير من أمواله للجان الزكاة، كما كانت له جهود في دعم الجمعيات الخيرية والجامعات المحلية في قطاع غزة ومساعدتها مالياً من أمثال: مستشفى الوفاء لرعاية المسنين، وجمعية البيت الصامد، وجمعية أصدقاء الطالب، كما ساهم في دعم مسابقة الحديث الشريف الرابعة، والتي أقامتها وحدة الأنشطة اللامنهجية بعمادة شؤون الطلبة بالجامعة الإسلامية، كما دعم بسام المزيني حفل الإفطار الخيري الرمضاني التي كانت تقيمه "جمعية الخدمة العامة"، وساهم في إسعاد الطفل الفلسطيني من خلال دعمه لبرامج جمعية "زيتوننا" الخيرية التنموية.

وقصص بسام المزيني وحوادثه في الكرم وعمل الخير لا تحصى، ويحكى أنه ذات مرة دخل: (محل الحداد لبيع النجف) بجوار المدرسة الهاشمية بغزة، وتوقف عن الشراء عندما ترامى إلى سمعه حديث خافت بين البائع والمشتري يتعلق بشراء نجفة لأحد المساجد لم يكتمل ثمنها، وكان الرجلان لا يعرفان من يجلس أمامهما، فتفاجأ الرجال بأن بسام المزيني يضع يده في جيبه، ويسدد ثمنها بالكامل.

كان بسام المزيني يتعامل مع مصانع الخياطة "الكابوي"، ويجهز كمية كبيرة من الملابس والشنط المدرسية قبل افتتاح العام الدراسي تبلغ 2,000 شنطة وبنطلون سنوياً، ويقوم بتوزيعها على الطلبة الفقراء في شتى مدارس قطاع غزة.

اقترن بسام المزيني من السيدة الفاضلة نائلة فائق الكولك في 31 أيار/ مايو 1985م، ولم تخل حياة بسام من نعمة الأبناء، فقد ولدت له زوجته ابنين وخمس بنات، وهم: (أحمد، وأنس، وهدى، وهبة، وهلا، وهمسة، وهفن)، فكانوا قرة عين هذا الأب العطوف، يهتم بتربيتهم تربية صالحة، ويشجعهم بكلمات رقيقة تحفزهم على المضي قدماً في دراستهم ومستقبلهم بدافع الحنان في نفس الأب الرحيم، وكان أصدق الناس في كل ما يتعلق بحياته، في علاقته بنفسه، وعلاقاته بأسرته: الصفاء والود والحب والإخلاص، وهي الدعائم الأولى لوجوده وكيانه، وتسير بهم الحياة الوادعة على هذا النحو، حتى أصيب بسام المزيني بوفاة ابنه البكر "أحمد" عام 2010م، بعد زواجه بـ 24 يوماً،

ولم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، فكان الحزن على جميع الوجوه، حزن ساكن مستسلم لقوة القدر مختلط بشيء من الدهشة والذهول. وجاءت تلك الحادثة الأليمة التي نالت منها بسام المزيني نصيبه، فضعفت صحته، وأصيب بمرض عضال، وكانت حالته تزداد كل يوم سوءاً على سوء، ولمّا شعر بسام بدنو عمره وقرب أجله أخذ يكثر من أعمال الخير والإحسان ابتغاء مرضاة الله، فقام برحلة إلى الديار الحجازية لأداء مناسك العمرة برفقة زوجته وشقيقاته ونجله أنس.

وأخيراً، توفي بسام المزيني في 11 أيلول/ سبتمبر 2014م، وترك الحياة الدنيا راضي النفس وهو يناهز السادسة والخمسين من عمره، وصلّوا عليه في مسجد الكوثر، وشُيع في موكب مهيب، وكان حزن الأهالي على رحيله عظيماً، ودفن في المقبرة الإسلامية شرق مدينة غزة، رحم الله بسام المزيني سيرة ومسيرة للخير والعطاء بلا حدود، فلقد كان تاجراً صادقاً، أحب كل الناس وأحبوه، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

ويمضي ابنه الشاب "أنس بسام المزيني" على سيرة والده، وكان في نحو الثامنة عشر من عمره حين فقده، وكان الابن المدلل لوالده، الذي كان لا يفارقه في روحاته وغدواته في الاستفادة من تجربته في الحياة، فهو خير خلف لخير سلف.