الأردن أمام مخاطر وتحديات جديدة بعد الانتخابات الإسرائيلية
تاريخ النشر : 2022-12-06 12:03

لم نكن بحاجة، في دُنيا العرب، كَي نُدركَ إلى أيِّ «هَاويةٍ» وَصَلنا، عند سَماعِ عبارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مرحّباً بالرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، عشية الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وعشية الانتخابات النصفية الأمريكية، قائلاً: «لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا اختراعها»..!
فعلى الرغم من النكهة الانتخابية والشعبوية للعبارة، غير أن دلالات مضامينها الفعلية على أرض الواقع تبدو شديدة السطوع والوضـــوح؛ إذ أن المنطقـــــة العربية تشهد اصطفافات وشراكات إقليمية جديدة، عمـــودها الفقــــــري هو دولة الاحتلال، ما يضمن رسوخاً لها في مستقبل المنطقة الجيوسياسي في برامج ورؤى أصحاب القرار السياسي في عالم العرب. وما يعني أيضاً أن مقرّري السياسة العرب يرون اليوم أن مصالح بلادهم تتقاطع عضويا في شراكات استراتيجية مع دولة الاحتلال، بخلاف الواقع الفعلي لتلك المصالح، وبعكس لذاتها ولمصالحها..!
تتغيّر أحوال العالم، ومنها أحوال إقليمنا العربي، على نحو متسارع؛ فالحرب في أوكرانيا تُنذر بأمد ممتد، مع ما يتصل بهـــــا من أزمات متصاعدة في العلاقات الدولية، وأزمات في الطاقة والغذاء. ناهيك عمّا يحدث في داخل الاتحاد الأوروبي من تصدّعات في العلاقات البينية المكتومة نسبياً حتى الآن. وبالتوازي مع تلك الحرب، تتصاعد توترات أخرى في الصين وإقليم الكوريتين. يُضاف إلى ذلك تراجع فرص تسويـــة الملف النووي الإيراني على المستوى الدولي، وتصاعد لغة التهديد العسكري بديلا لآفاق تسوية ذلك الملف المزمن.
في منطقتنا، وفي جوارنا الأردني المباشر، أنهت الانتخابات العامة الإسرائيلية الأخيرة، بنتائجها العتيدة، كلّ أشكال الهوامش والدبلوماسية التقليدية في الخطاب السياسي العربي، والأردنـي والفلسطيني منه على وجه الخصوص، وعلى رأس ذلك عناوين التمسّك بحلّ الدولتين والوصاية الهاشمية على المقدسات. ذلك أنّ نتائج تلك الانتخابات، التي تَوّجت «نتنياهو ملكاً على عرش التطرّف»، في دولة الاحتلال، لم تكن بين يسارٍ ويمين، ولا حتــى بين متطرّفين وبين الأشد تطرّفاً، بقدر ما كانت اندفاعاً لكامل مجتمع دولة الاحتلال إلى مرحلة أخرى من المشروع الصهيوني الذي أوجد ذلك المجتمع، كنتيجة طبيعية لحالة الضعف العربي والفلسطيني، وتراجع الاهتمام العالمي، والأمريكي تحديداً، بمنطقتنا، إضافة إلى ما تشهده الساحة الدولية من أزمات عسكرية واقتصادية متفجّرة، تُلهيه عن الالتفات عمّا يحدث في هذه البقعة من العالم.
بعد تشكيل نتنياهو لحكومة المستوطنين الأكثر إرهاباً وتطرّفاً في دولة الاحتلال، وبمشاركة أحزاب «الصهيونية الدينية»، سنكون نحن في الأردن على موعد من الاشتباك اليومي مع مفردات التطرف ضدّ عرب فلسطين الخط الأخضر، والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة، والحرم القدسي وأحياء القدس؛ حيث سيكون زعماء الصهيونية الدينية، التي أوصلتهم نشاطاتهم الإرهابية ضد العرب الفلسطينيين إلى الكنيست، على رأس مؤسسات الأمن والتربية والشؤون الداخلية في دولة الاحتلال.
هذا بالإضافة إلى ما هو أهــم وأخطر، في مفردات تنفيذ بنود ما عرف بصفقة القرن، التي كان نتنياهو شريكاً فيها، ولا تزال حاضرة بقوة في خطابه وبرنامج حزبه، مـن يهودية الدولة وتهجير عرب الخط الاخضر إلى ضمّ أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن الشمالي.
ولعل نُذُر تلك المرحلة، وكرد فعل على تصاعد الإرهاب الصهيوني، واضحة تماماً فيما تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة من عمليات وانفجارات غير مسبوقة، وفي قلب المناطق الأمنية المدججة ببرامج الحراسة الإسرائيلية شديدة الحساسية.
إن مَن أصعدتهم الصهيونية اليوم إلى الكنيست، وعلى رأســهم «بنيامين نتنياهو» و«سموترتش» و«بــن غفير»، ليسوا مجرّد أسماء فـــي تــــاريخ المشروع الصهيوني، بل هم عناوين لمرحلة متقدمة مـــن نجاحات المشروع الصهيوني في بلادنا. وهي عناوين فعلٍ داخلي، تجسّد في دولة الاحتلال على شكل تيّارات ولُوبيّات فاعلة، خلال السنوات القليلـــة الماضيـــــة، منها؛ «اللوبي لتعزيز وتطوير (تهويد) الجليل»، و«اللوبي لتعزيز استقرار نظام الحكم»، و«اللوبي لتشجيع التجمعات السكانية الاستيطانية»، و«اللوبي لفرض السيادة على يهودا والسامرة»، و«لوبي أرض إسرائيل في الكنيست»، و«اللوبي لتشجيع الولادة في الشعب اليهودي».
ما من شك أن كل هذا سيضع الأردن بكلّ مستوياته في حالة تحدٍّ ومخاطر استراتيجية غير مسبوقة، تفرض على المسؤولين طريقة أخرى وغير تقليدية من التفكير والتخطيط والأداء والتفاعل مع الأحوال المتفجرة فــي فلسطين المحتلة، حتى لــــو اقتضى ذلك تغييراً جذرياً فــي السياسات، فضلاً عن عدم الركون إلى حماية الحلفاء الغرب، فلم يعد أحد يحمي أحداً في زماننا هذا. مع التذكير بأن الإعلام لا يمكن له أن يكون بديلاً للسياسة.

والظهور المتكرر والدائم في وسائل الاتصال بأنواعها قد يفضي إلى غير ما يريده رجل السياسة من أغراض.
هذا هو الوضع الذي يواجه الأردن وهو وضع خطير ومصيري وعلينا أن نعلم حجم المخاطر والتغيير الذي سنواجهه إذا لم نعُّـــــد أنفسنا. لقد سرقوا فلسطين منا فدعونـــا نحمي الاردن ونبقيه هادئا وآمنا.
أما في الجانب الفلسطيني، ونتيجة لتآكل كل الأشكال السياسية الناظمة لحياة الفلسطينيين، ووصول الهجمة الصهيونية إلى مراحل متقدمة من قمع الناس والاستهانة بحياتهم وكرامتهم، فإنّ ردود الفعل الفردية التي نراها اليوم في مدن وشـــوارع الضفــــــة الغربية والقدس ضد جنود الاحتلال لتؤكّد أكثر من أيّ وقت مضى أن هذا شعب حـــــــيّ ولـــن يموت، حتى لو وصلت الصهيونية ومشروعها إلى ذُروة ذُراها، ووصول الخذلان العربي لهم إلى هاويةٍ كالتي نراها اليوم.
*رئيس وزراء أسبق
عن "عمون" الأردنية