لقمة العيش الفلسطينية أمر من المر
تاريخ النشر : 2022-12-04 08:13

معاناة ما بعدها معاناة يتكبدها آلاف الفلسطينيين كل صباح أمام نقاط التفتيش الإسرائيلية في طريقهم الى العمل داخل دولة الاحتلال؛ بجهاز الكشف عن المعادن، فحص تصريح العمل، وجهاز بصمات الأصابع ...ذلك هو الروتين اليومي الذي يصادف الجميع في الطريق الى لقمة العيش دون أن ننسى الطوابير البشرية التي تشتد في كل مرة تشهد فيها إسرائيل اختراقا أمنيا يستهدف أمنها الذي لم تنعم به رغم طول الجدران الاسمنتية وعشرات الحواجز والسواتر وآلاف من كاميرات المراقبة.

وفقا لجهاز الإحصاء الفلسطيني فان عدد العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل قد بلغ 200 ألف عامل، يستعمل غالبيتهم بشكل يومي الحواجز الإسرائيلية التي تحيط بالمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية وقد يستغرق العبور مسافة عشرة كيلومترات أكثر من ساعتين، أو ربما قد لا يتم أساسا، عندما يقرر القائمون على المعابر على غلقها دون إعطاء تفسير، وعادة ما يستعمل جنود الخدمة أساليب استفزازية تشحن الأجواء بين الطوابير وتزيد من منغصات الحياة، ولحسن الحظ أن المعابر تكون أٌقل حراسة في طريق العودة في الحالات الأمنية الطبيعية، لك أن تتخيل أيضا كيف يبدأ يوم العامل الفلسطيني ولك أن تشعر قليلا بحجم المعاناة اليومية التي يعيشها شعب محتل .

تتقاسم النسوة أيضا نفس المعاناة مع الرجال من أجل العبور الى لقمة العيش، على الرغم من وجود ما يسمى ب "البوابة الإنسانية"، والتي من المفروض ان تسهل عبورهن ولكنها نادرًا ما تكون مفتوحة. ولطالما تدخلت المنظمات الغير حكومية للمطالبة باستغلال البوابات المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة والمرضى لتسهبل عبور النساء وتجنيبهم مشقة الاصطفاف في طوابير الرجال ولكن المطالبات دائما تقابل بالرفض باستعمال حجج مختلفة، وهو ما يدفع بالعديد من النساء الى ترك مناصب عملهن بعد التعرض لمشقة الروتين اليومي في حواجز الاحتلال الذي وصفتها منظمة العمل الدولية ب " الغير إنسانية والمهينة "

زعمت إسرائيل مؤخرا بأن شعبة التحقيقات الجنائية التابعة للشرطة العسكرية الإسرائيلية قد فتحت تحقيقا بعد شكاوى من سائقين فلسطينيين بأن جنود إسرائيليين قاموا بضربهم والاعتداء عليهم عند حاجز مكابيم شمال القدس؛ ترتبط لقمة عيش هؤلاء السائقين ينقل العمال الفلسطينيين الخارجين من الداخل المحتل. وغالبا ما يتم ابعادهم بالقوة من المناطق المقابلة للحواجز الأمنية، والحقيقة أن الأجهزة الأمنية في إسرائيل تعلم كل شاردة وواردة تحدث في نقاط التفتيش والعبور وتعلم بالمضايقات والاستفزازات اليومية التي يقوم بها جنود الخدمة اتجاه العشرات من العمال الفلسطينيين العابرين لنقاط التفتيش نحو وظائفهم، ولكنها لا تحرك ساكنا وتتجاهل الشكاوي المقدمة من طرف الضحايا، ذلك لأن وجود العمال الفلسطينيين في إسرائيل هو في حذ ذاته أمر غير مرحب به ولا يدخل ضمن مقاربة " انعاش اقتصاد الفلسطينيين مقابل الاستقرار الأمني " التي يتحدث عنها المسؤولون الأمنيون، وانما لحاجة سوق العمل الإسرائيلي لليد العاملة، ومن منطلق أن غالبية الفلسطينيين المتحصلين على تصاريح العمل في إسرائيل، مضطرون للذهاب الى هناك بعد أن أنفقوا مئات الدولارات للحصول عليها، فان عليهم أن يتحملوا كل شيء . 

كما تتخدد إسرائيل من هواجسها الأمنية ذريعة في فرض واقع مرير على الفلسطينيين الذين توجهوا الى سوق العمل الإسرائيلية بعد أن تقطعت بهم السبل نتيجة لحصار اقتصادي يمارسه الاحتلال ليرهن من خلاله قوت الفلسطينيين ومصادر دخل السلطة ويعمق من جراح قطاع غزة الذي ترتفع فيه نسبة البطالة لمستويات قياسية لتجعل من تصاريح العمل الإسرائيلية مطلبا لشريحة كبيرة من شباب غزة البطال، ومع أن العمالة الفلسطينية تحقق رقما يفوق 800 مليون شيكل تساهم في انتعاش الأسواق وترفع من القدرة الشرائية لعائلات العاملين في إسرائيل الا أننا وان قارنا حجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الفلسطيني بسبب التضييق الإسرائيلي فلربما قد تكون عشرة أضعاف أو أكثر من المداخيل التي تحققها تصاريح العمل.

ومع مجيئ حكومة اليمين المتطرف يبدوا ان الأمور ستتجه من سيئ الى أسوأ، وقد نشهد المزيد من التضييق على حركة الفلسطينيين واضافة الحواجز والتشديد على حركة الدخول والخروج، على اعتبار أن المعالجة الأمنية التي سينتهجها نتنياهو و بن غفير ستؤدي وبلا شك الى المزيد من التصعيد، الأمر الذي سيترتب عليه المزيد من المعاناة عبر الحواجز الأمنية قياسا برفع مستوى التأهب