خطوة سويدية متبوعة
تاريخ النشر : 2014-11-02 11:07

قرار الحكومة السويدية يوم الخميس 30 تشرين الأول 2014 ، بالإعتراف الرسمي بدولة فلسطين ، رسالة سياسية مزدوجة بإتجاهين : 
الأول : نحو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، الذي بذل جهوداً مكثفة مع واشنطن بهدف تعطيل القرار ، ولجم التوجه ، ووقف المبادرة السويدية ، وهذا يضاعف حجم التقدير للقرار السويدي ، أنه لم يأت منفعلاً أو متسرعاً ، بل جاء بناء على قرار مسبق ودراسة متأنية ، الأمر الذي لم يترك للإسرائيليين وللأميركيين أثراً كي يُعطلوا أو يُعرقلوا إتخاذ القرار وإعلانه . 

والثاني : بإتجاه المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، ودعمه على الطريق الطويل لإستعادة الشعب العربي الفلسطيني ، 1- حقه في العودة إلى وطنه وإستعادة ممتلكاته ، و2- في قيام دولته الوطنية المستقلة ، ولذلك جاء القرار بمثابة مكافأة للنضال الفلسطيني ، ورافعة مادية ومعنوية له ، لتعزيز نضاله وإستمراريته ، بشكل واقعي وعملي وحكيم ، فالنضال مهم ، ولكن لا يقل عنه أهمية مضمون النضال وأهدافه وأدواته المستعملة . 

مناسبة القرار ، لا يقل أهمية ، عن مضمونه ، فهو تم على خلفية الإقرار الدولي بإنحياز 138 دولة لصالح عضوية فلسطين في الجمعية العامة يوم 29/11/2012 ، وهزيمة تل أبيب وواشنطن بتسعة دول فقط ضد المشروع الفلسطيني ، مثلما جاء على خلفية فشل واشنطن على يد حكومة نتنياهو العنصرية الإستيطانية المتطرفة ، حول إستئناف المفاوضات ومبادرة الوزير جون كيري في تموز 2013 ، كما سجل القرار زمن إصداره مع توجهات منظمة التحرير المستقبلية لتقديم طلب العضوية الكاملة والعاملة في الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن ، ذلك الطلب الذي ما زال معلقاً منذ 23/9/2011 ، بسبب عدم توفر نصاب التسعة الدول التي تسمح بعرض الطلب الفلسطيني على طاولة مجلس الأمن بأعضائه الخمسة عشر ، واليوم يتوفر النصاب بإنضمام فنزويلا وإنغولا لعضوية مجلس الأمن . 

كما لا يستطيع المراقب إلا أن يسجل أن القرار السويدي ، تم إتخاذه في ذروة بسالة أهل القدس لمواجهة التطرف اليهودي ، والعنصرية الإسرائيلية ، والتوسعية الإستعمارية الصهيونية لتهويد القدس العربية الفلسطينية الإسلامية المسيحية والعمل على أسرلتها ، بما يتعارض مع الواقع ، ومع التاريخ ، وضد قرارات الأمم المتحدة والإخلال بالشرعية الدولية . 

قرار السويد كرة الثلج الأولى ، التي ستدحرج أمام المجموعة الأوروبية تمهيداً لتسهيل الطريق لتطوير مواقفها ، والذي يزداد تفهمها لمعاناة الشعب العربي الفلسطيني بجزئيه المطرود من وطنه خارج فلسطين ، والمتبقي داخل وطنه يواجه العنصرية وقوانينها وإجراءاتها في مناطق 48 ، في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، ويواجه الإحتلال والإستيطان والتوسع ومنع الحياة في مناطق 67 ، في الضفة والقدس والقطاع . 
أوروبا ، وها هي السويد في طليعتها ، ضاقت من السياسات الإحتلالية العنصرية والإستعمارية الإسرائيلية ، فوجهت لها صفعة سياسية حادة ، مما يعكس تراجع مكانة الطوائف اليهودية المتنفذة في أوروبا ، وسيزداد هذا التراجع بشكل تدريجي ، مع كل خطوة مماثلة تقدم عليها دولة أوروبية كما فعلت السويد في خطوتها الأخلاقية الشجاعة ، مع التأكيد أن القرار السويدي سبقه سلسلة من القرارات والإجراءات الأوروبية ، التي تعكس التحذير الأوروبي نحو السياسات الإسرائيلية ، بدءاً من مقاطعة المستوطنات وقياداتها والعاملين بها ولنشاطاتها الإقتصادية ومنتوجاتها الصناعية ، إضافة إلى مقاطعة الأكاديميين في عدد من الدول الأوروبية للجامعات الإسرائيلية وللعاملين بها ، وتتويجاً لسياسة الخطوط الحمر التي وضع مسودتها سفراء أوروبا في فلسطين . 

نشاط الجاليات الفلسطينية في أوروبا ، ما زال محدوداً ، بسبب إنقسام هذه الجاليات على خلفية الإنقلاب الذي إقترفته حماس ضد نفسها وشعبها ، وضد المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، وبسبب تطرف فصائل حركة الإخوان المسلمين وتمددهم على حساب التيارات اليسارية والقومية والليبرالية التقدمية الفلسطينية ، ومن هنا يكمن أهمية تراجع حركة حماس عن مظاهر الإنقلاب وإستعادة الوحدة والإحتكام مرة أخرى إلى صناديق الإقتراع ، والإلتزام بالبرنامج الوطني الديمقراطي الفلسطيني التعددي ، وبمؤسسة تمثيلية واحدة موحدة ، منظمة التحرير ، والتمسك بأدوات كفاحية ، تجعل من مشروع الإحتلال مكلفاً ، وتجعل من النضال الفلسطيني عنواناً للعدالة والإنسانية ولحق الفلسطينيين في العودة أولاً إلى بيوتهم التي طردوا منها عام 1948 ، وفق القرار الدولي 194 ، وثانياً بإقامة دولتهم المستقلة على تراب وطنهم وفق القرار الدولي 181 ، ولذلك ستنعكس حصيلة التراجع عن سياسة الإنقلاب والإنقسام ، بإتجاه سياسة الوحدة والتماسك والإقرار بالتعددية والقواسم المشتركة إلى تعزيز مكانة الجاليات الفلسطينية ومعها الجاليات العربية والإسلامية ليشكلوا معاً مظلة ، مدعومة من قوى التقدم والسلام والحرية في أوروبا لصالح الشعب الفلسطيني وإختزال عوامل الزمن لتحقيق الإنتصار في العودة وفي الإستقلال معاً . 
[email protected]