هل تنجح الجزائر فيما فشل فيه الآخرون؟
تاريخ النشر : 2022-10-06 08:02

ليست نوايا الجزائر غير المشكوك في نزاهتها وصدقيتها هي العامل المقرر في جسر المسافات بين مربعي تمترس كلا من طرفي الانقسام فتح وحماس، المثقل بالمصالح الذاتية، لطي صفحة الانقسام الذي تسبب فيه انقلاب حركة حماس الدموي في 14 يوبيو /تموز 2007، بكل ما ترتب عليه من فعل ورد فعل، من قبل حركة فتح وحركة حماس، فشلت معه كل محاولات المصالحة السابقة بسبب تخندق كل طرف وراء متراس مصالحه الخاصة التي تراوحت بين ربانية حماس، وحراسة المشروع الوطني من قبل فتح.
القطب الثالث
ليكون السؤال هل لدى كل من فتح وحماس الإرادة لتجاوز حالة الانقسام عبر برنامج سياسي وكفاحي وتنظيمي مشترك كقاسم مشترك يشمل كل القوى الفلسطينية وليس محاصصة بين فتح وحماس، وهل سيقتصر دور القوى الأخرى الوطنية والديمقراطية على الظهور كـ"ديكور" للمشهد، بعد أن عجزت طوال سنوات عن بناء قطب وطني ديمقراطي يكسر ثنائية المشهد الفلسطيني بكل آثاره السلبية طوال خمسة عشر عاما، وبقدر ما هناك حاجة موضوعية لمثل هذا القطب لكسر هذه الثنائية التي كلفت المشروع الوطني الفلسطيني الكثير، من الطبيعي أن تتحمل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مسؤولية هذا العجز، كونها مؤهلة لذلك انطلاقا من تجربتها وصدقيها وكفاحيتها ونزاهتها ووضوح رويتها في الربط بين المرحلي والهدف النهائي، وثقلها النسبي في المشهد الفلسطيني على القيام بذلك الدور المركزي المطلوب أمس واليوم وغدا. ولذلك من المهم أن تتحمل مسؤولية بناء قطب وطني ديمقراطي لإحداث حالة توازن في المشهد السياسي والكفاحي الفلسطيني.
لا تفاؤل..ولكن..!
ومع أن محاولات إنجاز المصالحة بين فتح وحماس لا تثير الكثير من التفاؤل لدى الشارع الفلسطيني، ارتباطا بفشل الكثير من مشاريع المصالحة التي جرت ولكنها بقيت مشاريع، ولم تغادر قاعات الاجتماعات مع مغادرة المتحاورين، ولكنها بقيت كأرشيف يذكر بمحاولات التوفيق بين مصالح حماس ومصالح فتح دون جدوى!.. لكن نظرا لثقل الجزائر الراعية لهذه المصالحة، ربما تفتح نافذة للأمل في أن يحدث الاختراق وتطوى تلك الصفحة السوداء.
وأهمية فرصة الجزائر أن هناك رأي عام فلسطيني يعتبر أن الجزائر ليست في وارد توظيف الحالة الفلسطينية في سياقات أجندتها الداخلية أو الخارجية، لأن هدفها فلسطيني دون غرض إلا مصلحة الفلسطينيين، وهي تحظى بهذه المكانة المميزة لدي الكثير من الفلسطينيين كمواطنين ونخب سياسية وفكرية وثقافية وقوى وأحزاب وفصائل، فهم يثقون في أن الجزائر تتمتع بحد عال من النزاهة والثقة من الجميع، لكن مسألة المصالحة لا تتعلق بصدقية وإرادة الجزائر، ولكن بصدقية وإرادة ونوايا حماس وفتح، وإلا ما الذي منع من إنجاز المصالحة طوال تلك السنوات التي جرت قيها اجتماعات الطرفين بين مكة وصنعاء والقاهرة والدوحة وبيروت ورام الله، كون كل طرف منهما لديه مربعه الفكري والسياسي وخياراته الداخلية والخارجية التي تصل أحيانا حد التناقض، وفي مثل ذلك الواقع كان كل من طرفي ثنائية الانقسام يعمل على كسب النقاط أكثر من بحثه عن قواسم مشتركة، والبحث عن قواسم مشتركة تعني القواسم المشتركة الفلسطينية التي تحتوي الكل الوطني أولا وأخيرا، وأن تكون بعيدة عن التوظيف الأيديولوجي والخيارات السياسية التي يحاول أصحابها فرضها على الآخر، دون وعي أن نجاح الحوار يتطلب شرط التنازل من الجانبين ليس لصالح أجندة هذا الطرف أو ذاك ولكن من أجل فلسطين، وليس من أجل قيمة مضافة لحساب فتح أو حماس.

كلمة السر..التنازل
والسؤال الأهم هل طرفي الانقسام لديهما الإرادة لطي صفحة الماضي بكل مراراته، ووضع أسس وقواعد لتنظيم العمل الفلسطيني المشترك الذي يحتوي كل القوى الفلسطينية الفاعلة في المشهد السياسي والكفاحي؟ وهل حماس على استعداد للتنازل عن سلطتها التي فرضتها كأمر واقع على أهل قطاع غزة بقوة السلاح والقهر، والقهر هنا هو موجه لأبناء فتح وأنصارها في القطاع، الذين يمثلون ثقلا موضوعيا وازنا؟ ومن جهة أخرى هل فتح على استعداد لقبول تسليم السلطة إلى أي قوة سياسية تأتي عبر صندوق الانتخابات، وليس وضع العصي في دواليبها؟ أو تحديد شروط غير مقبولة ليس لدى حماس فقط، ولكن لغالبية القوى الوطنية الفلسطينية.

الشراكة .. ليست المحاصصة
إن وعي كل من فتح وحماس أن الحديث عن الشراكة هي مقولة ملتبسة، وفي تقديري هي مجافية، لأنه من سوء النية وضع مفهوم الشراكة كمعادل للمحاصصة، وتقاسم للسلطة والنفوذ، على قاعدة تقاسم المغانم، بين طرفين أو حتى أطراف، كون ذلك يطرح سؤال لماذا الانتخابات؟! التي هي تعبير عن الديمقراطية والمواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات، إذا كانت هناك محاصصة وتقاسم مغانم؟.
وفي تقديري أن من يطالب بالشراكة بهذا المفهوم ( المحاصصة) إنما يجعل نواياه محل تشكيك، لأن المحاصصة بهذا المعنى هي تعدي على حقوق الآخرين، وهي من ثم تعدي مع سبق الإصرار على حقوق الموطنين، كونها ليست نتاج عملية ديمقراطية يقررها صندوق الاقتراع، وحتى لو شاركت فيها الفصائل الأخرى، ولذلك من المهم مغادرة عقلية الاستحواذ وثقافة المغانم، حتى تحت الاحتلال.
ومن المفيد هنا أن تُسأل حماس هل تعتبر منظمة التحرير الفلسطيني البيت الوطني الفلسطيني الذي هو عنوان الكل الفلسطيني؟ وهل هي على استعداد لمغادرة مربع خلق البدائل، مع الإدراك أن المنظمة بحاجة إلى إصلاح ما أفسدته فيها اتفاقيات أوسلو؟ وهل هي على استعداد أن تكون جزءا منها؟ لكن ليس على طريق الشراكة بمعنى تقاسم الحصص ولكن من خلال صندوق الاقتراع، لأن الحديث عن الشراكة بذلك المعنى ، هو وصفة لسلوك غير ديمقراطي كونه لا يعكس إرادة المواطنين، وهي الإرادة التي يجب أن يعكسها مفهوم الانتخابات.
وفي المقابل ليس من حق فتح أن تشترط على من يريد الالتحاق بمنظمة التحرير الموافقة المسبقة على خطاياها ومنها اتفاق أوسلو وجملة السياسات التي أنتجها ومن أسوأها التنسيق الأمني، كمدخل للوحدة الوطنية.
لا مصالحة دون تنازلات
لكن يجب أن لا ننسى أنه سبق لفتح وحماس أن عقدا وحدهما أحيانا ومع بقية الفصائل مرات أخرى العديد من اتفاقات المصالحة، لكنها لم ترى النور مطلقا، وامتدت ما بين مكة والدوحة وصنعاء والقاهرة وبيروت، ذلك أن الطرفين كانا يفتقدان لإرادة الحل، ولذلك لا نتصور أنه سيكون هناك حلا دون تنازلات من الطرفين ليس لصالح هذا الطرف أو ذاك، ولكن لصالح القضية الوطنية التي يجب أن تعلو حماس وفتح معا، وتبدو مفارقة تلك الرؤية من قبل كل من الطرفين، عندما يتصور أن على الآخر أن يقبل بالمصالحة وفق شروطه ، دون أن يكون هو مستعد لتقديم تنازلات عما يعتبرها مكاسبه، خلال الفترة السوداء السابقة، ففتح تريد المصالحة، على أن تسلم حماس بهيمنتها المؤسساتية ورؤيتها السياسية، فيما تسعى حماس إلى الاحتفاظ بسلطتها الفعلية التي أسستها في قطاع غزة، وجني مكاسب المصالحة دون تعيد الولاية على غزة إلى الحكومة المركزية.
إن ذهنية الهيمنة وشرف قيادة المشروع الوطني سياسيا وكفاحيا لدى حركة فتح، ونظرة حماس إلى نفسها على أنها ربانية، وشعور فرط القوة في هذه الفترة، مما يعطيهما الحق في السيطرة عل منظمة التحرير ومؤسسات السلطة ربما هي أحد العقبات أمام الجزائر، ليكون سؤال اللحظة هل تنجح الجزائر فيما فشل فيه الآخرون؟ نأمل ذلك.