الألفية الثالثة تشهد عودة الربيع الروسي
تاريخ النشر : 2022-10-03 12:45

مع روسيا إلى الأبد شعار الاحتفال المهيب بالحدث التاريخي في الساحة الحمراء بحضور القيصر الروسي بوتين الذي تحدث فيه بصرامة معلنًا إطلاق رصاصة التمدد، ومُذَكرًا بأنّ كييف كانت العاصمة الأولى للإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، حيث أعلن سيد الكرملين عن فتح صفحة جديدة في التاريخ، ووضع حدٍ لصفحة الأنجلو سكسون، فبكل عزيمة وتحدٍ وبلا وجلٍ أو تردد أعلن بوتين ضم جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك، ومقاطعتي خيرسون وزبروجيا إلى الأراضي الروسية الأم، وفي هذا السياق قطع بوتين دابر المعترضين والرافضين لهذه الخطوة تحت غطاء انتهاك السيادة ومخالفة القانون الدولي حيث واجه القيصر هؤلاء وأولئك بتاريخهم أنهم أول من انتهك سيادة الدول والقانون الدولي حيث أطاحوا بدول، ودمروا أخرى واستعبدوا شعوبها واستنزفوا مقدراتها، ولم يستند القيصر على هذا فحسب، فقد استند إلى المادة الأولى لميثاق الأمم المتحدة الذي يكفل للشعوب حق تقرير المصير، واستند أيضًا إلى الاستفتاء الذي جرى سابقًا في العام 2014 في مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك دون وجود قوات روسية تؤثر على نتائج الاستفتاء، وأعلنا فيه استقلالهما عن أوكرانيا وانضمامهما إلى روسيا لاحقًا لكن بوتين لم يضمهما في حينه على أمل أن يجد لهما حلًا من خلال اتفاقيتي منسك الأولى والثانية واللتان منحتا المقاطعتين حُكمًا ذاتيًا وحق تقرير المصير برعاية ألمانيا وفرنسا اللتان لم يأبها بالاتفاقيات ولم تنفذ أوكرانيا أي من تعهداتها.
إعلان القيصر عن قرار ضم المقاطعات الأربع يُعد إعلانًا عن تدشين عالٍم متعدد الأقطاب، وفي هذا السياق دعا بوتن الغرب للحوار من أجل التنسيق بين مراكز القوى العالمية الجديدة الآخذة بالتشكل لضمان عالم مستقر .
من المفارقات أنّ القرار القيصري لا يتفق مع الواقع على الأرض حيث يوجد مناطق لا بأس بها لا زالت تحت السيطرة الأوكرانية، مما يطرح سؤالًا عن ماهية المعركة و مسارها حيث من المتوقع أن تعمل روسيا على فرض سيادتها بأسرع وقت ممكن وإلا ستفقد هيبتها، ويُفرغ قرار الضم من مضمونه، ويصبح كأنّه أثر بعد عين.
الإعلان الروسي وضع تصورًا ملموسًا لنهاية الحرب بين إحدى احتمالين إما أن تضع الحرب أوزارها بنهاية الشتاء الساخن القادم، أو استمرار الحرب لفترة طويلة تعمل فيها روسيا على عزل أوكرانيا عن البحر الأسود تمامًا والذي يُعد المنفذ المائي الوحيد لأوكرانيا على العالم بعد سيطرة روسيا على بحر آزوف، وعلى كل الأحوال سيكون التصعيد العسكري عنوان المرحلة المقبلة، وفي تقديري المتواضع أنّ التصعيد لن يصل إلى استخدام السلاح النووي، وإنما يأتي التهديد الروسي باستخدامه لردع الغرب عن ضم أوكرانيا للناتو، ويبدو أنّ روسيا حققت هدفها من خلال ما لاحظناه من التصريحات الغربية ومن واشنطن على الطلب المستعجل للرئيس الأوكراني زيلينسكي بهذا الخصوص، وأيضًا فإنّ التداخل الجغرافي بين أوكرانيا وروسيا خاصة بعض ضم المقاطعات الأربع أصبح ميدان الحرب على الأراضي الروسية، وهذا يعني أنّ روسيا ستتأثر سلبًا من الإشعاع النووي أيًا كان حجمه ونوعه، وبناءً على هذا فإنّ التصور الأكثر واقعية ومنطقيًا هو لجوء روسيا إلى تكثيف عملها العسكري من خلال حملة كاسحة بإدخال أكبر عدد ممكن من قواتها، واستعمال أسلحة نوعية جديدة في المعارك، وضرب المرافق الحيوية في كييف والمدن الأخرى كمرافق المواصلات من طرق وسكك حديدية، والمنشآت النفطية، ومحطات توليد الكهرباء، واستنزاف مستودعات السلاح من مخزونها، وبهذا يتم تحقيق الهدف الروسي الثاني بنزع سلاح أوكرانيا وفرض حيادتيها، وفي المقابل سيزيد الغرب من تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، وسيبحث عن عقوبات اقتصادية إضافية، ولن يُقدم على ضم أوكرانيا لحلف الناتو، هذا من جهة ومن الجهة الأخرى ستستمر واشنطن بفطام أوروبا عن روسيا ليتسنى لها إخضاع أوروبا والحد من تكاملها مع روسيا .
خلاصة الموقف روسيا عازمة على خوض معركة القدر، والاستمرار بإطلاق رصاصة التمدد، واستثمار المتغيرات لتصفية حسابات تفكك الاتحاد السوفيتي، وتؤكد إصرارها على رسائلها الجلية لواشنطن وحلفائها الغربيين، أنّه كما للصبر حدود فإنّ للصمت حدود .