حق تقرير المصير لا الوصاية
تاريخ النشر : 2022-10-03 12:17

رحم الله الشهداء.

لنمض الى ما هو عملي واستراتيجي.

لا الجدل والصراخ سيفيدان، ولا الخلاف، في ظل شراسة الاحتلال، ونحن في العام 2022، أي ما بعد الاستقلال بعشرات السنوات.

إمعان في القتل وإصابة الشباب وأسرهم وأطفال، هدم بيوت، تخويف الأهالي، سطو على الأشجار التي تسبح لربها مسالمة خضراء. عقاب مضاعف من خلال استخدام القوة المفرطة، بدلا من التفكير بحلول تحفظ كرامة البشر.

ليس هناك من جديد، لكن توقيت القمع المكثف الوحشي المتكرر، ألا يدل على أمر ما؟ هل يدفع الاحتلال شعبنا الى فعل ما، كي يتم توظيفه سياسيا؟ أم أن الأمور كما هي، احتلال وقمع مستمر؟

إذن ربما أهم ما في التساؤل هو الفعل لا الكلام؛ وهذا الفعل الفلسطيني صار الآن من أكثر الأفعال النبيلة في حياتنا.

أسئلة:

-       ترى ما الذي يمنع تحقيق المصالحة الآن؟

-       وما الذي يمنع من عقد انتخابات؟

-       وما الذي يمنع من تطوير الأداء الفعلي لمؤسسات القطاع العام: الوزارات في تقديم الخدمات، وتطوير المستقبل؟

-       ما الذي يمنع القطاع الخاص من التفكير الحقيقي في معادلة الربح الشخصي-الربح العام؟

-       وهل فعل هناك من دور لكل ما هو غير رسمي وحكومي؟

بلدنا صغيرة، ونرى ما نرى، ولعل الناس-الشعب، يرى أفضل منا؛ وهو بذلك الأكثر قدرة للحكم الموضوعي، وبوصلته معروفة، حتى وإن تضمن تحقيق المصالح الذاتية.

باختصار، صعب أن يستمر الحال هكذا؛ لأسباب وطنية وإنسانية متعددة، لكن من أهم أسباب التغيير، هو توظيف الاحتلال وحلفاؤه، الحالة الفلسطينية، باتجاه الوصاية: وصاية على المال، والأعمال، والكلمات، والأرض، والأطفال، والنساء. أما المأساة الكبرى، فهي طلب الخلاص من مسبب مآسينا والساكتين عليها.

فعل الارتقاء الوطني، لا يبحث عن أسم، بل عن مشروع، وخطط، للإجابة على تلك الأسئلة الموجعة. وهنا سيكون للحديث عن حماية شعبنا له شكل مميز ومضمون قويّ.

لا يجوز أبدا اللعب والمغامرة أو أي فعل دنيء يصيب الوحدة الوطنية، لسبب بسيط، أنه في خارج الوحدة الوطنية ينجح المحتل في تحقيق مآربه؛ فلم يتغير ألف باء الاستعمار: فرّق تسد!

في ظل الوحدة الوطنية فصائليا وشعبيا، سنجد دوما مجالا للتعامل مع حالة الصراع العجيبة؛ والتي اختارها الاحتلال ليزيد من تعقيداتها.

في ظل الوحدة سنجد طريقا للنضال الوطني الذكي، بعيدا عن الاقتتال، لأننا معا نتحمل المسؤولية، فنبادل لكل فعل منسجم مع أولوياتنا. ونعتقد أن هذا هو طريق حماية شعبنا، بعدها يمكن أن نطلب حماية دولية.

التاريخ!

التاريخ هو الملجأ للفهم، لأننا لسنا الحالة الأولى التي لعب ويلعب به الاستعمار.

 الذي وصلنا الى حالة من الزهد بتعلمه، حتى تكاد دائرة التاريخ تغلق في جامعاتنا، يظل هو البوصلة حتى نتعلم من أنفسنا والآخرين.

بتقصي واستقصاء حالات بلادنا العربية، (لعلي أرجع بمقال مخصص لإحدى الدول)، كان الاستعمار يلجأ خلق حالات الوصي المباشر وغير المباشر، والمأساة أن هناك من يصدّق ذلك، وفي النهاية يكون الحل هو الوحدة الوطنية، فهي الضامن للسلم الأهلي، التي تمنع تدخل الاستعمار في شؤون الشعوب الداخلية.

من سنوات، نشعر يوميا بشيء من الوصاية الاقتصادية، ليس في بروتوكول باريس الاقتصادي، بل في القبول والتسليم بهذه الوصاية التي نعيشها، والتي يريد الاستعمار (اسمه الاستعمار) لوي أذرع شعبنا، لجعل حديثنا أكثر دبلوماسية، وصولا أن يسمي الرئيس الأسماء بمسمياتها بكل صراحة في الأمم المتحدة.

لا يا عمي إحنا قادرين ندير شؤونا بأنفسنا، ولو في حد بحاسب (لجان المجلس التشريعي)، كان تلتفت كل وزارة لشغلها الحقيقي المطلوب منها، مش معقول الوزارة أي وزارة تنشغل في معظم شغلها بعيدا عن شغلها الحقيقي. الإعلام كسلطة مدعو كسلطة مستقلة ليقول كلمته.

ما يحدث، ربما نعرفه ونتوقعه، لكن المهم من أجل صيانة الوحدة الوطنية، أن يرى شعبنا ما هو تطوير حقيقي، تقودها السلطة، يقوي من تنفيذ استحقاق الوحدة الوطنية.

الأمور منتظمة، ومنظومة حكم وإرادة وعمل وطني سياسي، مدعوم بإرادة شعبية، مفتاح هذا كله يتعلق بالحكم والإرادة؛ كون السلطة الوطنية كما نعرف، هي ذراع لمنظمة التحرير، وطريق التطوير معروفة، فمن أراد الارتقاء بالأداء فعلا يعرف مفاتيحه، فكل أرض لها دليل.

حماية أبناء وبنات شعبنا مرهون بحماية مشروعنا الوطني، وكل عومل تقوية بقائنا تصبح عوامل وطنية بامتياز.

هل نعدد؟

لا ضرورة، لكن للوطنيين اليوم، في الوظيفة العمومية بشكل خاص الانتباه الى ما جرى من زمن وما زال يجري، باتجاه وضع الأمور في نصابها، لسبب قلناه أن تقوية وجودنا ووقوفنا على أرضنا بقوة هو مصلحة وطنية عليا.

من يريد دعم فلسطين أهلا به، لكننا لسنا موظفين الا عند شعبنا، ونستجيب لأولوياته..

يا عالم لا يصح الا الصحيح، ليس في هذا اكتشافا، لكن فيه تحقيق المصلحة الوطنية العليا.

وكل وما لديه من ملاحظات، فلم الخوف، ونحن تحت سلطة الاحتلال أولا وأخيرا!

هذه البلد لها شعب هو صاحبها. لن تكون لأفراد، ولا لموظفين كبار أو صغار، يهمهم الانتفاع بالميزات؛ فمن يحق له ذلك، ليدفع من عرقه أداء راقيا! لا كلاما مكررا سخيفا.

وجود هؤلاء الأقل كفاءة يساعد في الإساءة للعمل العام والقيادة السياسية، ويضعفنا. نريد تقوية للشعب لا لأفراد. نريد خلاصا وطنيا لا خلاصا فرديا لفرد حوله شلة تواليه.

لا نريد أن نصحو يوما على أية فوضى لأسباب نعرفها؛ فمنذ الآن نحن قادرون على تجنب ما يعيقنا، ولسنا استثناء، وهناك من يستغل الظروف للفتنة لقطف ثمار إما شخصية، أو هو أداة..لجهة استعمارية من حيث يدري أولا يدري لجهل، أو إيثار لمصلحة مؤقتة.

الوطنيون من الفصائل، خصوصا فتح، يعرفون هذا جيدا، لذلك فإن العمل التنظيمي الحقيقي-المهني، هو رافعة، أرأيتم لماذا يراد لفتح ما يراد لها؟

لذلك، فعند أية مصالحة حقيقية، ينبغي ونحن في طريقنا للتحرر، ألا نتشاجر على أسماء ومسميات وهيكليات تبدد لحمنا، بل: تفضلوا نحن بحاجة الى تحقيق الهدف هنا وهناك، هل من قادر عليه؟ تعال وتعالي ورونا شو راح تعملوا؟ ووقتها بكون هناك حد يراقب ويحاسب.

من الضروري تقوية السلطة الوطنية لأنها فعلا هي المهيأة دوما لتقوية بقائنا الذكي والمقاوم. وهي ملك لشعبنا، والموظفون فيها موظفون لدى الشعب. هكذا يكون الفعل، وأظن أن هذا بأيدينا إن أردنا، وليس فقط "مشي الأمور" والسلام.

تقوية الثقة بالقيادة السياسية والحكومية، والمؤسسات، يدفع الكل الفلسطيني الى التفرغ للإبداع، وهو منظومة شاملة، اقتصاديا واجتماعيا وتربويا وثقافيا، لأنه في ظل الفعل الصواب والحقيقي، يضطر غير الفاعل للفعل، أو التنحي، ويمكن بسهولة ملاحظة أي إخفاق أو أي إنجاز.

الفعل منظومة، باختصار، لعل الواجب الوطني ومصلحة فلسطين العليا تقتضي تقوية بقاء شعبنا، والتخطيط الحقيقي لفلسطينيي المستقبل، فهل نحن بحاجة الآن للقول بأن علينا الاهتمام بأولوياتنا في جميع المجالات؟ الجواب هو تصفح وسائل الإعلام، والاطلاع على الأداء ومخرجاته، والذهاب الى الجذور، وأن يتم تفعيل أداء الطاقم الواحد الناقد والنقدي والتعاون، فالكل للواحد والواحد للكل، والجميع لفلسطين، "واللي شايف حاله مش قادر يروح ع دارهم أشرف له".

بلادنا صغيرة يا عالم، ونعرف بعضنا بعضا، وهي بلاد تنزف أيضا، وتحتاج إنقاذ عام، لا بيانات وكلمات، ولا خطب.

أتذكر هنا بيت شعر، كنت أحسبه لأبي تمام لافي قصيدته فتح عمورية التي تبدأ ب السيف أصدق انباء من الكتب، فوجدته للقيسراني:

وهذه الهمم اللائي متى خطبت تعثرت خلفها الأشعار والخطب

هو من قليل افلاطون طلع الشعراء الغنائيين من مدينته الفاضلة!

رحم الله الشهداء وصبّر أهلهم. شفى الله الجرحى، وأطلق سراح المعتقلين.