رفع سعر الفائدة في أمريكا سلاح ذو حدين
تاريخ النشر : 2022-10-01 16:01

تسبب استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، وعدم التعافي من أزمة كوفيد 18، وكذلك حدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وحدوث تغيرات مناخية في مناطق مختلفة في العالم بالزيادة في الأسعار التي نلاحظها في الوقت الراهن وهو ما نطلق عليه ارتفاع معدلات التضخم. حيث بلغ معدل التضخم السنوي على مستوى العالم أكثر من الضعف خلال الفترة من مارس/آذار 2021 إلى مارس/آذار 2022، وفق منظمة العمل الدولية.

ويعني ارتفاع معدل التضخم زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية مثل الأطعمة والطاقة والنقل والملابس، ما يؤدي بدوره إلى رفع تكلفة المعيشة.

فقد سجل التضخم في الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر الماضية رقماً قياسياً لم يصل إليه منذ 41 سنة، فقد بلغت نسبة التضخم في أغسطس 9.1%، وللسيطرة على التضخم فقد قام البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بسلسلة من رفع سعر الفائدة منذ مارس من هذا العام، والتي كان آخرها في سبتمبر حيث وصل سعر الفائدة إلى 3.25%، مما سيؤثر سلباً على معظم اقتصادات دول العالم وخاصة الناشئة منها.

ربما يسأل القارئ نفسه نحن نعيش في قارة بعيدة عن أمريكا فلماذا نستخدم عملتها؟ وكيف ستتأثر حياتنا وحياة المواطنين في دول العالم برفع سعر الفائدة في أمريكا؟ وهل يمكن لرفع سعر الفائدة كبح التضخم؟

بداية الدولار وغيره من العملات هي سلع يتحدد سعرها وفق قانون العرض والطلب، والدولار الأمريكي هو العملة التي تلقى قبولاً عالمياً في المعاملات الدولية، بعد اتفاقية بريتون وودز منذ العام 1844م وحتى العام 1971م كان الدولار مغطى بالذهب، ولكن بعد أزمة النفط العالمية في السبعينات تخلت أمريكا عن غطاء الدولار بالذهب تدريجياً، وقد ساند الدولار في الاقتصاد العالمي ربطه بالنفط وتجارة الأسلحة ومنتجات التكنولوجيا، كما يستمد الدولار قوته من الهيمنة الأمريكية على العالم، وبالتالي تحتاج دول العالم المختلفة لاقتناء الدولار من أجل تمويل وارداتها وسداد ديونها والسياحة وغيرها من المعاملات...

وعلى صعيد الاقتصاد العالمي فسيكون لرفع سعر الفائدة في أمريكا انعكاسات خطيرة، حيث ستتحرك الأموال الساخنة من الدول الناشئة متجهة إلى السوق الأمريكي، وهذا سيؤثر سلباً على العملات المحلية التي ستنخفض قيمتها أمام الدولار، وسيدفع هذه الدول إلى إتخاذ سياسات نقدية متشددة ترفع بموجبها سعر الفائدة بمعدلات أعلى من سعر الفائدة في أمريكا حفاظاً على أسعار عملاتها المحلية أمام ظاهرة الدولرة، وهذا الأمر سيزيد كلفة الاقتراض الخارجي، وسيدفع بإتجاه أزمة مديونية عالمية ربما تؤدي إلى إعلان بعض الدول عن إفلاسها وعدم قدرتها على الوفاء بإلتزاماتها.

أما على الصعيد المحلي فإن رفع سعر الفائدة في أمريكا سيزيد من قوة الدولار أمام الشيكل، وبالتالي زيادة كلفة الواردات مما سيتسبب بموجات جديدة من ارتفاع أسعار السلع المستوردة خصوصاً في الاقتصاد الفلسطيني والذي يعتمد على الاستيراد لمعظم السلع التي يستهلكها، وسيستفيد من هذا الرفع من يتلقون رواتبهم بالدولار الأمريكي عند تحويله إلى الشيكل، أما أكثر المتضررين هم الذين يتلقون رواتبهم بالشيكل وعليهم قروض بالدولار لأن تكلفة القرض ستصبح أكبر عليهم، وسيكون هناك آثاراً إيجابية محدودة على ميزانية السلطة الفلسطينية في حال استمر تدفق المساعدات الدولية بالعملات الأجنبية.

خلاصة القول أن رفع سعر الفائدة هو سلاح ذوي حدين حيث لا يمكن التحكم في كافة العوامل المؤدية إلى ارتفاع معدل التضخم، ويمكن أن يكون لرفع سعر الفائدة نتائج إيجابية لو تمت السيطرة على أسعار النفط والغذاء وعادت سلاسل التوريد إلى العمل بشكل طبيعي، وجاءت نتائج السياسة النقدية المشددة الحالية وفق التوقعات، وإلا فإن الرفع المتتالي لسعر الفائدة سيكون له نتائج كارثية على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي وسيؤثر سلباً على مؤشرات الاقتصاد الكلي عالمياً وفي مقدمتها انخفاض الطلب العالمي، وزيادة معدلات البطالة، وتباطؤ النمو وربما الدخول في أزمة اقتصادية عالمية جديدة.