قبل عقدين ونصف من الآن كنت أعمل مع صديق ألماني في جامعة بيرزيت, وقد التقينا بعد يوم عمل لتناول طعام الغذاء في جفنا, وحدثته كثيرا عن معاناتنا من ويلات الاحتلال واشتياقي الكبير أن يكون لنا دولة فلسطينية أستقبل فيها شمس الصباح, كان يستمع إلي باهتمام وبعد أن انتهيت قال لي" انتم لستم كفء لإدارة دولة" شعرت عندها وكأن الأرض تنشق من حولي وتريد أن تبتلعني ولكني تمالكت نفسي وسألته أن يفسر لي ذلك,ورغم تفسيراته الكثيرة إلا أني شعرت بحقد شديد عليه لأنه يهدم مشروعي ,ثم قال لي" أنت غاضب لأنك لا تريد أن تفهم واقعك"فقلت له بالدولة يتغير الواقع!ابتسم ولم يعلق!
كان صديقي يجد صعوبة بالغة في أن ينسق ولو للقاء فقد كانت تنقصه براعة التنسيق والإدارة, ولكنة كان يناقش بموضوعية وكان يجيد علم السياسة والتبوء بالمستقبل.
وبعد مضي كل هذا الوقت عادت جملته تطاردني التي عصفت كثيرا بأحلامي آنذاك وكيف أستطاع أن يكتشف أننا لسنا كفء لإنشاء وإدارة الدولة؟ ولماذا لم ننشي الدولة؟ هل لأننا نعمل ببطء؟ ونحتاج إلي مزيد من الوقت!أم لأننا كما وصفنا صديقي الألماني لا نستطيع ذلك؟ أين الكوادر والطاقات الفلسطينية الهائلة ؟وأين نحن من الدولة؟ هل هي قاب قوسين أم أدني؟ أم أننا ما زلنا في بداية المشوار؟وهل الظروف الجغرافية والسياسية مواتية وتساعدنا علي إقامة الدولة؟ وهل الشعب يريد دولة؟وهل الفصائل مجمعة علي إقامة الدولة؟أم أن لكل شخص منا تطلعاته وأفكاره الخاصة بالدولة؟ وهل يريد كل من دولة؟ وهل بإمكاننا إقامة الدولة طالما نحن منقسمون؟ أسئلة كثيرة جدا لا أجد لها إجابات.
لقد تلاشي غضبي مع الزمن من صديقي الألماني الذي صدمني, ولكني أصبحت أعيش صدمات أخري كثيرة لا أريد أن أسردها هنا فهي معروفة لنا جميعا ونعاني منها بشكل مزمن.
ولكن ما دامت دولتنا في مرحلة المخاض ولا يوجد تاريخ محدد لولادتها ونحن ننتظرها بحكومتين وعشرين فصيلا وعشرين شعبا وعشرين عرقا وألف قبيلة فمن الواجب علينا أن يكون لدينا مجموعة من البدائل والسيناريوهات نتعامل معها حتى نفك أزمتنا, ونفرج كربنا فالمواطن الفلسطيني مبدع وجمل صبور وحمال الآسية وله في الحروب ما ليس لغيرة ويجابه حصارا منذ العام 1991 في قطاع غزة بكل رباطة جأش.
عندما لا يتمكن المرء من حل مشكلته فهو يلجأ لصديق, وصديقنا موجود معنا .
لماذا لا نطلب من وكالة الغوث في غزة أن تشرف علي محطة توليد الطاقة ؟وتقوم هي بالبحث لها عن وقود وتحضر خبرائها للصيانة, وهذا الحل سوف يحرج المجتمع الدولي ويجعله يرفع الحصار عن الطاقة. والوكالة تقوم برعاية أكثر من مليون شخص في غزة في مجالات كثيرة مثل الإغاثة والتعليم والصحة والأعمار والبنية التحتية! فلماذا لا نضيف لها بندا جديدا ألا وهو الطاقة؟
أستاذ جامعي وكاتب مستقل
جامعة غزة