ليمونة المفاوضات !
تاريخ النشر : 2013-11-13 14:37

الصحفى الإسرائيلى شمعون شيفر يشبه المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالليمونة الناشفة التي لم يتبقى منها قطرة واحدة ، وبالتالى أصبحت عديمة الجدوى والنفع ، وحان رميها في سلة الزبالة . هذا الوصف ليس بعيدا عن الواقع أو البيئة التي تجرى فيها المفاوضات ، والمفارقة في المفاوضات الدائرة حاليا أن المفاوض الفلسطينى وعلى مدار سنوات المفاوضات الطويلة قدم ما لدية من تنازلات او قطرات الليمون ،ووصل إلى مستوى تفاوضى لا يستطيع معه تقديم أى تنازلات ، وفى الوقت ذاته ورغم أن إسرائيل لم تقدم حتى الأن أى مبادرات تفاوضية أو جوهرية تدفع بالمفاوضات إلى أفق واضح المسار ، وكل ما قدمته لا يتعدى التنازلات إن جاز هذا التعبير او الوصف على السلوك التفاوضى الإسرائيلى فهى لا تتعدى القضايا الشكلية ، وبالتالى نجح المفاوض الإسرائيلى في عصر الليمونة إلى درجة أن حولها إلى قطعة ناشفة عديمة الجدوى ، ولم يكتفى بذلك بل يضع شروطا جديدة الهدف منها جعل المفاوضات تدور في دائرة مفرغة ، وتحويل المفاوضات إلى غاية في حد ذاتها ، وليست وسيلة لإنهاء الإحتلال. ومن هذه الشروط ألتى تضع المفاوض الفلسينى في حالة من الجمود، وعدم القدرة على الحركة المطالبة بالإعتراف بيهودية إسرائيل كدولة ، هذا علي الرغم أن أول ورقة تفاوضية حقيقية قدمها المفاوض الفلسطينى هى الإعتراف بإسرائيل كدولة وتعديل بنود الميثاق الوطنى الفلسطينى بما يتوافق مع هذا الإعتراف ، وأعتقد إن هذا الإعتراف الذي يمنح إسرائيل الشرعية السياسية ، وكان يفترض أن تقابله إسرائيل بتنازل جوهرى وحقيقى في إتجاه إنهاء الإحتلال ، وقيام الدولة الفلسطينية وإطلاق سراح الأسرى ، تاتى اليوم وتضيف شروطا جديدة ، وتستمر في الإستيطان في ألأراضى التي يفترض إن تقوم عليها الدولة الفلسطينية تطبيقا لحل الدولتين ، والذى في حال فشله لا خيار آخر إلا بالعمل علي الإتجاه في حل الدولة الواحدة وهو ما يتعارض تماما مع الرواية التاريخية اليهودية . ولو أن إسرائيل تعاملت م المفاوضات بنفس القاعدة التي تعامل مها ألفلسطينيون ، أعتقد وبعد هذه الفترة الطويلة من التفاوض لأمكن الوصول إلى إطار حل نهائى ، ولأمكن وضع تصورات وحلول قابلة للتطبيق بالنسبة للعديد من القضايا مثل اللاجئيين ، وقضايا الأمن بالنسبة لإسرائيل، وألأهم من ذلك لساهمت في إحتواء التوجهات المتشددة والرافضة للآخر، وتنامى دور القوى الدينية ، ومن ثم تعميق جذور التناقض في الروايتين التاريختين للفلسطينيين والإسرائيليين. ولعل المفاوضات في كل مره تبدا من جديد، هذا النهج الذي لجأت إليه إسرائيل هو الذي حول المفاوضات إلى ليمونة ناشفة ، وهذا ما لم يشر إليه الصحفى الإسرائيلى في مقالته في صحيفة يديعوت. الفلسطينون ذهبوا للمفاوضات بإعتبارها خيار ووسيلة لحل الصراع من جذوره ، وإسرائيل ذهبت للمفاوضات كغاية في حد ذاتها ، والنتيجة لهذا النهج أن إسرائيل ساهمت سواء داخل إسرائيل ذاتها ، أو في الجانب الفلسطينى في خلق بيئة تفاوضية رافضة للتسوية والحل والقبول بالآخر، وهذا ما نلمسه من تنامى الفتاوى الدينية ، وتنامى دور القوى السياسية الرافضة ، وتراجع القوى الداعمة للمفاوضات . وساهمت أيضا ببروز تحولات إقليمية من أبرزها ثورة التحولات العربية ، والتحولات في موازين القوى ، وكل هذه التحولات عمقت من جذور التناقض والصدام ، والذهاب ثانية للخيارات العسكرية . فى هذه الأجواء عاد الفلسطينيون والإسرائيليون للمفاوضات ، وهم يدركون صعوبة إن لم يكن إستحالة الوصول إلى صيغة تسوية تفاوضية يمكن قبولها لأن قوى ارفض أكبر من التأييد. هذا في الوقت الذي فيه الدور ألأمريكى مغيبا ، ومتراجعا لحساب أولويات أخرى ليست من بينها أولوية تسوية الصراع العربى ألإسرائيلى. وعلى الرغم من ذلك ، ورغم هذه التحديات والشروط التعجيزية التي تفرضها إسرائيل وكما اشرنا مطالبة الفلسطيين بالإعتراف بيهودية إسرائيل، وكأنها تريد من الفلسطينيين إسقاط كل حقوقهم التاريخية ، ونقض روايتهم التاريخية ، كل هذا بمفاوضات دون الإعتراف بمبدا التكافؤ غذا جاز التعبير أيضا بمبدأ التكافؤ في الحقوق من واقع تفاوضى قائم إسرائيل تريد نفيا لهذه الحقوق وإسقاطها تاريخيا ، وهو ما يعنى مفاوضات دون مصالحة . هذه هى العقدة التي تحكم المفاوضات ألأن ، وإذا إستمرت فستحكم على المفاوضات بالفشل المحتوم . لكن الفشل هذه المرة لن يكون سهلا ، والفشل في ظل تنامى قوى الرفض، والتحولات العربية ، والتحولات في موازين القوى في المنطقة ، وفى ظل إحباط متزايد للمواطن الفلسطينيى بسبب الإنسداد التفاوضى ، والحصار الإقتصادى المتزايد، والإذلال للكرامة الوطنية الفلسطينية ، كل هذا سيدفع إلى خيارالطوفان ومن بعدى ، وعندها إسرائيل ستكون كشمشون الذي هدم الجدار علي رأسه ورأس الجميع وستكون إسرائيل هي الخاسر ألأكبر، لأنها من تحتاح ألأمن والبقاء أكثر من الفلسطينيين

دكتور ناجى صادق شراب \أكاديمى وكاتب عربى