سر عودة الخالد ياسر عرفات الى فلسطين وانطلاقة الكيانية المعاصرة!
تاريخ النشر : 2022-07-02 09:26

كتب حسن عصفور/ خلال مفاوضات "أوسلو" السرية عام 1993، طرح الوفد الإسرائيلي إمكانية عودة بعض الشخصيات القيادية من منظمة التحرير الى الأرض المحتلة، لتعزيز الاتفاق في حال تم التوصل له، خاصة وأن جوهر التفاوض ارتبط بالعمل على صيغة ترسل الى "وفد واشنطن"، ولم يكن الأمر متعلقا بكل التطورات اللاحقة.

وحدث نقاش داخلي بين أعضاء من اللجنة التي تشرف على إدارة التفاوض السرية، هل يتم إبلاغ الرئيس أبو عمار أم نعتبرها فكرة لا أكثر يتم تأجيل بحثها الى حين الانتهاء من صيغة الاتفاق، ولكن توافقنا على ضرورة إعلام الرئيس بالأمر لقيمة المعلومة وأهميتها في آن...

عندما طرحت الفكرة، سأل الشهيد المؤسس عن الأسماء المقترحة فأخبره الوفد المفاوض بها، وفجأة تغير المشهد بسؤال محدد، وماذا عن ياسر عرفات، فأخبرناه لم يذكر أبدا، وبهدوء أصاب أعضاء الخلية السرية الخمسة الآخرين بصدمة أحدثت صمتا طال وقته وكأنه زمن بعيد، أخبروهم أن "ياسر عرفات" يرغب بالعودة الى فلسطين.

والحقيقة، أن الطلب كان خارج كل الحسابات، ولم يكن أبدا ضمن المتوقع بأن يطالب أبو عمار العودة ضمن صيغة غير محددة أو معلومة التكوين، ولم يكن هناك خيار أمام "الوفد المفاوض" في أوسلو، سوى عرض الأمر وفقا لما حدده الرئيس، ولم ننته بعد من شرح الأمر، حتى وقف رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض وصرخ بصوت عال، هذا تخريب وتدمير للقناة وإعلان بإنهاء المفاوضات ولا يمكن أن يتم قبوله أبدا، وحدثت مشادة حادة جدا أقرب الى "التشابك بالأيدي"، وأصيب المضيف النرويجي بذهول غير محسوب جراء الفكرة ورد الفعل عليها.

ووسط "معركة الكلام"، سأل مستشار الوفد الإسرائيلي القانوني (كنا نسميه رجل رابين)، هل الفكرة جدية...ثم طلب الحديث منفردا مع أحد أعضاء الوفد، وبعد أسئلة عدة حولها، قال إنها "فكرة مثيرة"، ولكن يجب العودة الى رئيس الحكومة (رابين)، لأنه وحده من سيقرر في هذه المسألة وليس الوفد المفاوض، أو شمعون بيريز.

وفي تونس توقع الخالد أن يوافق رابين، على الفكرة، وسط دهشتنا كيف يمكن له ذلك، فعودة ياسر عرفات ليس مسألة عودة قيادي أي كانت صفته ومكانته، ولم يشارك أي من أعضاء اللجنة "الحالة التفاؤلية"، التي سيطرت على الرئيس.

ومع انطلاق الجولة الجديدة، كانت "مفاجأة القرن السياسية"، عندما قال المستشار القانوني أن رابين وافق على ذلك، ولكن هناك شروط لا بد منها لكي تتم، منها تغيير جوهر الاتفاق من تفاوض لوفد واشنطن ليصبح بين منظمة التحرير وإسرائيل، ما يؤدي الى "اعتراف متبادل" بينهما، وهذا يتطلب تعديل بعض مواد ميثاق منظمة التحرير التي ستتعارض مع الاعتراف...

والحقيقة أن العرض الذي قدمه المستشار القانون لم يكن صدمة فحسب، بل "صدمات مركبة" من الاعتراف المتبادل الى تغيير الميثاق...

وفي "اللجنة المصغرة" تم نقاش تفصيلي الى العرض الإسرائيلي، بعدها وافق الرئيس الخالد مبدئيا وأعضاء اللجنة، وخلال أسابيع كان النقاش الجوهري يتعلق بالعرض وكيفية التنفيذ والمقابل الإسرائيلي لذلك، وفي ليلة 20/ 21 أغسطس 1993 تم التوقيع بالأحرف الأولى على نسخة "اتفاق إعلان المبادئ" المعروف إعلاميا باتفاق أوسلو، قبل التوقيع الرسمي على الاتفاق في ساحة البيت الأبيض 13 سبتمبر 1993.

للمرة الأولى يتم الإشارة الى مسألة إصرار الخالد أن يعود، وهو يعلم يقينا أنها "المخاطرة الكبرى" في مساره المنطلق من رئيس رابطة الطلبة الفلسطينيين الى الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، ربما تفوق أو توازي انطلاقة الرصاصة الأولى للثورة أول يناير 1965، وهو ما كان نقاشا لماذا أصر الخالد أن يدخل الى أرض فلسطين عبر اتفاق انتقالي.

بناء أول كيان فوق أرض فلسطين في التاريخ يستحق "مغامرة كبرى"، أي كانت النتائج، فصناعة الأحداث التاريخية لا تأت من "حسابات صغيرة"، بل هزات تصل الى حد الزلزال الكبير.

كان بإمكان الخالد أن يبقى خارج الوطن، زعيما ورئيسا يقود ويقرر وفق واقع خاص، دون أن يتعرض أو يعرض نفسه الى "مصير مجهول"، مع عدو قومي لا آمان له في ظل الصراع التاريخي مع الشعب الفلسطيني..ولكن ياسر عرفات ليس من أصحاب "الحسابات الصغيرة" أو رهان "تحت القدم" ..فكان القرار الذي وضع حجر الأساس لأول سلطة كيانية فلسطينية في التاريخ فوق أرض فلسطين بحكم فلسطيني.

من انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة برصاصتها الأولى في الأول من يناير 1965 الى انطلاقة الكيانية الفلسطينية المعاصرة الأولى في الأول من يوليو 1994...كان التاريخ الحديث لزمن الخالد المؤسس ياسر عرفات...

ملاحظة: في الفاتح من يوليو 1994 عاش قطاع غزة يوما قد لا يراه ثانية سوى يوم إسقاط الانقلاب – الانقسام – الانفصال...خروج نصف مليون مواطن استقبلوا "المؤسس الأول" لكيانهم الأول الخالد ياسر عرفات...حقائق التاريخ لن يزورها "صبية الصدفة السياسيين"!

تنويه خاص: زكريا الزبيدي.. الذي حفر اسمه ورفاقه في عملية "العبور الكبير" نورا وطنيا.. نال شهادة الماجستير من جامعة بيرزيت عن رسالة "الصياد والتنين"..عنوان لخص الحقيقة التي لن تنكسر أبدا دون نيل حق طال زمنه..سلاما لك يا طالب الحرية والعلم!