حماس وخطيئة العلاقة مع بشار
تاريخ النشر : 2022-06-25 08:34

تكاثرت التصريحات والتسريبات والمصادر "القيادية التي ترفض الإفصاح عن اسمها" والتي تتحدث عن اتخاذ قرار إعادة العلاقات بين حركة حماس ونظام بشار الأسد في دمشق وعن قرب زيارة وفد قيادي من الحركة لدمشق للإعلان الرسمي ذلك...

ووسط حالة الصمت الرسمي المطبق من جميع الأطراف ورفض تأكيد أو نفي تلك التسريبات والتصريحات، ومع ازدياد ما يمكن تسميته "غزل غير مباشر"، بات من حكم المؤكد أن الدخان له أساس، وهو أمر لا يخفى على متابع...

ومع كل مرحلة من المراحل التي يتم فيها تغيير المسار أو اتخاذ قرارات معاكسة تماماً لقرارات سبقتها، نجد من يبرر ويجد الأعذار، حتى وإن كان مضاداً لموقف سابق أو نقيض له، بل يهاجم من ينتقد أو يعارض، ويصبح وحده من يملك مفاتيح الوطنية وفهم الشرع ووكيل المقاومة الحصري، وهذا أمر جلل ومنهجية خطيرة...

لكن هؤلاء ليسوا موضوع هذا المقال، ولا تعنيني تهجماتهم ونفسياتهم فقد اعتدت عليها ممن كانوا قبلهم، ولا أتوقف عندها للحظة...

لكن موضوعه محاولة وضع النقاط على الحروف، ومحاولة وقف هذه الخطيئة القاتلة التي لا نهوض بعدها إن حدثت، ولهذا الغرض سأتناوله عبر عناوين فرعية، منها ما يُطرح للتبرير، ومنها ما هو تذكير...

قبل البدء لابد من وضع بعض المباديء والأسس الخاصة بهذا الموضوع: 

المباديء والقيم منظومة متكاملة لا تتجزأ
د. أسامة الأشقر: عندما تتخذ قراراً كبيراً في ظرف حسّاس معقّد، وتَقْبل إظهار القرار على أنه موقف أخلاقيّ وتتجاوب مع ذلك؛ ثم تتخذ قراراً آخر مناقضاً له مع استمرار سببه، وتُبْرِز الأمر على أنه قرار يراعي المصلحة الراجحة المعتبرة، أو أنه من الضرورات، فهذا خلل منهجي في آليات صناعة القرار الاستراتيجي وصياغة مدارجه من المفتَتَح إلى المختتَم.
حماس تحديداً أكثر من دفع ثمناً لموقف أخلاقي مبدأي بعدم الوقوف مع نظام بشار والمشاركة في جرائمه، وهذا الموقف لا يمكن أن يكون عكسه إلا خارجاً عن منظومة الأخلاق والمباديء
عدنان حميدان: إن رفض التعامل شعبيا ورسميا مع نظام بشار الأسد بالنسبة لحركات المقاومة الفلسطينية أمر أخلاقي وسياسي في آن واحد، وليس مجرد مثاليات يعيشها فصيل أو تنظيم باتخاذ موقف حدي من نظام فقد حضوره وتاريخه من قبل مع الفصائل لا يشفع له بعد أن فتك بشعبه
إن فرضت بعض القيادات رؤيتها ومواقفها ودفعت باتجاه الأمر وحدث فعلاً، فسيمثل ذلك سقوطاً مدوياً لا نهوض بعده، وخسارة أخلاقية وقيمية لا تعويض بعدها
إن مثل هذا القرار سيسبب شرخاً داخلياً داخل حماس قبل غيرها، ومن يتابع مواقف وتعليقات الفلسطينيين خاصة من فلسطينيي سوريا يدرك تماماً حجم الاستياء والغضب والحنق حتى ممن هم مع المقاومة ومن داعميها، بل جاءت بعض التعليقات الرافضة من مسؤولين سابقين داخل حماس نفسها
أجزم أنه لو تم استفتاء داخل حركة حماس لكانت نتيجته وبالأغلبية المطلقة ضد إعادة العلاقات مع نظام بشار في دمشق، فالمظلوم لا يقف مع ظالم
لا يمكن قبول أي تبرير مهما كان، وكل محاولات التبرير وخلق الأعذار تؤكد الموقف غير المسبوق الذي وضع فيه هؤلاء أنفسهم، هم نفسهم من دافعوا عن مغادرة سوريا وهم من يدافعون عن خطيئة العودة
إن الحديث اليوم ليس عن تسريبات صحفية مشكوك فيها، أو حديث عن أمر غير موجود، بل عن "قرار اتخذ" وبقي فقط إخراجه، إلا إذا تدارك الحكماء الأمر
لا خير فينا إن لم نقلها 
 

هل النظام في دمشق يختلف اليوم عما كان عليه يوم قررت حماس الانتقال لدمشق؟

لا شك أن نظام الأب لا يختلف عن نظام الابن، وقد سفكوا من دماء السوريين والفلسطينيين في الماضي ما لا يعد ولا يحصى، لكن مرحلة جديدة كانت في حينها قد بدأت أساسها محور مقاومة معادٍ للاحتلال، في أجواء تصالحية كبرى لتوحيد الصفوف، يومها لم يكن الوجه الطائفي الحاقد قد ظهر بهذا القبح، ويومها كانت الجماهير العربية تفرض إيقاعها على الأنظمة التي وإن كانت تتعامل مع الاحتلال سراً لم تكن لتجرؤ على الجهر بذلك كما هو الحال اليوم، كانت المقاومة هي شفرة الجميع التي لا يستطيع أن يتجاوزها أحد، كانت الفائدة يومها متبادلة، نظام يسعى للتمسح بالمقاومة الصاعدة، وقيادات تبحث عن مقر لها وعن مكان تتحرك فيه بحرية مطلقة وسط مئات الالاف من أبناء شعبها وملايين من السوريين الذين احتضنوا تلك القيادات بأزهى صورة.

اليوم لا مجال للمقارنة، فنظام بشار دمر البلاد والعباد، قتل وشرد وهجّر وأخفى الملايين، سلّم البلاد لكل حثالات البشر من ميليشيات طائفية مجرمة، ولقوى إقليمية ودولية عاثت وتعيث فساداً حتى يومنا هذا، لم يفرق في إجرامه بين فلسطيني وسوري، ساوى بينهما في إجرامه، وللتذكير فقد قتل 5000 فلسطيني وشرّد 80 ألفاً غير الذين أخفاهم ولا يعرف مصيرهم، وبحسابات النسبة والتناسب وبمقارنة الأرقام بين عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والمقدر بنصف مليون لاجيء عام 2011 وعدد السكان من السوريين – قرابة 22 مليوناً – فيكون عدد من قتل من الفلسطينيين لو كانوا بعدد السوريين 220 ألفاً وقس على ذلك.

اليوم إن عادت القيادات لدمشق فلا مصالح متبادلة ولا بلاد ستفتح ولا حرية تحرك، بل إذلال سيكون متعمداً، وإهانات وتسجيل مواقف وفرض رأي...

لا نتحدث هنا عن الموقف المبدأي والقيمي والأخلاقي، بل عن حسابات الربح والخسارة المجردة، لمن يتساءل عن الفرق...

 

لماذا لا تكون علاقات طالما هناك علاقات وزيارات مع إيران وروسيا؟

ثم يُستكمل السؤال: إيران وروسيا أيضاً أوغلوا في الدماء وأجرموا، فلماذا تثور الثائرة عند الحديث عن عودة العلاقات مع النظام في دمشق؟ وماذا عن العلاقان مع السيسي في مصر؟

والحقيقة أن هذا الخلط العجيب ليس بريئاً، لأن من يطرحه يدرك أن إيران قوة إقليمية في المنطقة لا يمكن تجاوزها، ومع كل التحفظات ورأيي الشخصي الواضح والمعروف فإيران هي مصدر الدعم الوحيد لحركة حماس، والتعامل معها هو اضطراري يصل حد الدفاع عن الوجود وسط تآمر المحيط العربي الرسمي، لكن هذا لا يعني قبول الابتذال في العلاقة مع إيران والمديح القميء لمجرميها...

أما روسيا فهي لاعب دولي محوري يتسابق السوريون نظاماً ومعارضة للحج إليها قبل غيرهم كلما تم استدعاؤهم، ولا يمكن تجاوز تلك الحقيقة، خاصة عندما يجتمع العالم على تجريم المقاومة ومحاربتها، فإن أي باب عالمي دولي يفتح عليها طرقه، حتى وإن كان الولايات المتحدة الأمريكية، طالما لا يترافق ذلك مع أي تنازلات أو أثمان تدفع...

أما عن السيسي فهي ديكتاتورية الجغرافيا، معبر رفح هو المنفس الوحيد لقطاع غزة الذي يتحكم به من يحكم في القاهرة، ومرة أخرى لا خيار إلا التعامل مع أي نظام في القاهرة وبمحاذير لا تخفى على أحد...

لكن السؤال الحقيقي ما الذي ستجنيه حماس من عودتها لدمشق، ما هو الاضطرار في ذلك، وفي المقابل ما الذي ستخسره من هكذا خطوة كارثية، وأعني هنا الحاضنة الشعبية العربية التي تقف ضد إجرام هذا النظام

 

الحاضنة الشعبية لا بتطعمي خبز ولا بتجيب سلاح!

ويزيدون: عن أي حاضنة تتحدثون، تلك التي تتآمر على المقاومة وتطبع مع الاحتلال وأصبحت شريكاً له؟

وهنا يجب التوضيح أن الحديث ليس عن الأنظمة العربية التي سقطت غالبيتها في جريمة التطبيع، لكن عن الجماهير العربية التي كانت وما زالت تعتبر فلسطين قضيتها المركزية، وبالرغم من انشغالات كل شعب بمآسيه لم ينس فلسطين يوماً، وما زال على العهد...

هذه الشعوب والجماهير تتحدث ولا يهمها مواقف أمثال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة أو الصاعقة أو جيش التحرير الفلسطيني ممن وقفوا بشكل مباشر مع بشار الأسد ضد الشعب السوري، ولم يتوقفوا للحظة عن تطبيع فتح والسلطة وغرقها في أحضان بشار منذ سنوات، لأنهم عند الشعوب لا قيمة لهم، وقد سقطوا وانتهى الأمر، لكن الأمر مختلف عندما يتعلق الأمر بغزة وبالمقاومة، ومن هنا يكون العتاب والصدمة ومن ثم الغضب والسقوط لا قدر الله...

ومن يطرح معادلة أن الحاضنة لا تغني ولا تسمن من جوع يطرح في الحقيقة موقف أناني غير مسبوق بحجة أن مصلحتي فقط ما يعنيني، وهو ذات المبرر الذي يسوقه المطبعون مع الاحتلال، بحجة المصلحة والمصالح، وهذا طرح خطير يوازي أن يقول السوري السوري مثلاً سأتعامل مع "إسرائيل" لمقاومة النظام فمصالحنا مشتركة ولا يهمني باقي قضايا الأمة أو الشعوب

 

لا تسألوا ماذا فعلت وتفعل حماس لكن اٍسألوا الآخرين ماذا فعلوا وقدموا لحماس

الآخرون هنا هم الأنظمة العربية، التي لم تكتف بعدم الدعم بل ساهمت وتساهم في حصار غزة، وتجريم المقاومة، وملاحقتها، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن...

هل خطيئة الآخرين تبرر ارتكاب الخطايا؟ هل جريمة الآخر مبرر لارتكاب الجرائم؟

هل هذا عضك "كلب" ترد عليه بعضه!

وما علاقة مواقف الأنظمة الأخرى من إعادة العلاقات مع نظام مجرم أوغل في دماء الفلسطينيين قبل السوريين؟

قلت في تغريدة قبل أيام: "إن كان هناك ما يمكن تبريره للعلاقة مع إيران من حيث الدعم في وقت تخلى فيه العرب عن واجبهم، فلا يوجد أي مبرر من اي نوع لإعادة العلاقات مع النظام المجرم في دمشق الذي سفك دماء الفلسطينيين قبل السوريين... ناهيك عن النواحي المبدأية والأخلاقية والإنسانية التي لا جدال فيها..."

المظلوم صاحب القضية والذي اكتوى بظلم الطغاة والأنظمة قبل الاحتلال لا يقف مع مجرم ولا يصالحه ولا يهادنه ولا يقف معه بأي شكل من الأشكال

تقاعس أو إنحراف أو إجرام الآخرين ليس مبرراً على الإطلاق لأي خطوة تقترب ولو من بعيد من مثل تلك المواقف

المنطقة مقبلة على مواجهة كبرى وتحالفات ومحاور وعلى حماس أن تختار محور المقاومة والممانعة

هذا إن بقي هناك محور للمقاومة والممانعة!

هذا المحور المزعوم سقط يوم تدخل حزب الله في سوريا لقتل السوريين وسقط يوم تدخل فيلق القدس في طول وعرض سوريا لقتل السوريين، ويوم وقف متفرجاً على غزة وهي تذبح في أربع مواجهات كبرى غير الجولات السريعة، ويم كشف عن وجه طائفي بغيض يبرر فيه ذبح الشعوب العربية في أكثر من قطر...

الدم الفلسطيني ليس أغلى من الدماء العربية التي سفكها وما زال هذا المحور المزعوم، بل لا نبالغ وننقل حقيقة أن من قتلهم هذا المحور من أبناء الأمة أضعاف من قتلهم "الإسرائيلي" وهذا ليس تجميلاً لوجه الاحتلال البشع بل حقيقة مؤسفة مثبتة...

إن سياسة المحاور وسياسة الاصطفاف هي التي دفع الفلسطيني ثمنها في أكثر من محطة تاريخية ربما أكثرها وضوحاً إبان غزو الكويت والموقف الذي اتخذه عرفات في حينها وتسبب بطرد مئات الالاف من الفلسطينيين من الكويت...

من حق أي جماعة أو حركة أو فصيل أن تختار تحالفاتها، هذا حقهم وقرارهم الداخلي، لكن عندما يتعلق الأمر بدم مسفوك وإجرام لم يتوقف، واستفزاز للأمة فإن هكذا اصطفاف يصل حد مشاركة المجرم جريمته...

خلاصة الأمر أن خطوة إعادة العلاقات والعودة لدمشق خطوة كارثية مأساوية تصل حد الخطيئة...

لا فائدة منها حتى بحسابات الدنيا...

ولا مصلحة ترجي منها...

بل هي خسارة من كل الزوايا والنواحي...

والأهم أنها خسارة مبدأية أخلاقية قيمية...

وإن تمت ولم يتم وقفها فأني ابرأ الى الله مما يصنعون وأفوض أمري إلى الله