القدس: وهم المسيرة والمسار!
تاريخ النشر : 2022-05-28 15:17

 لم يعد سهلا تسويق وهم حكومات إسرائيل المتعاقبة مجديا لأحد، حتى للإسرائيليين أنفسهم. أما نقد السياسيين وما يسمى جهاز الشرطة الاحتلالية في القدس، للإعلام الاجتماعي الفلسطيني، فلن يكون متقبلا.

حديث "الشرطة"، عن مسار مسيرة الأعلام، بأنه بعيد عن المسجد الأقصى، وأنها ستكون "بالمرور من باب العامود ومنه إلى طريق الواد مرورا بالحي الإسلامي داخل أسوار البلدة القديمة وصولا إلى حائط البراق"، لا يعني إلا وضع الرأس في الرمال، فعل سيفرّق المقدسيون وشعبنا بين المسجد وباقي المسار"؟

محاولة يائسة فاشلة، يعزز فشلها، رفع الاحتلال الإسرائيلي من حالة التأهب في صفوف قواته وتعزيزها في مدينة القدس المحتلة والمدن الفلسطينية التاريخية في مناطق الـ 48 ونشر المزيد من بطاريات "القبة الحديدية". كذلك يعزز ذلك اليأس والخوف نشر بدءا من يوم الخميس، ملاجئ متنقلة في سديروت في النقب، تحسبا من إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة، كما تم استدعاء ثلاث سرايا احتياط تابعة لقوات "حرس الحدود"، لتنضم إلى القوات الشرطية في القدس المحتلة.

لا حكمة للمحتل، لنقرأ ما نورده صحيفة "يديعوت أحرونوت"، حول توصيات  "الجيش والشرطة والشاباك" إلى رئيس حكومتهم نفتالي بينيت، بالإبقاء على المسار المقترح لـ "مسيرة الأعلام"، بهدف "الحفاظ على السيادة" في مدينة القدس المحتلة.

فهل هذه الحكمة هي من ستحفظ تلك السيادة الزائفة على القدس، المدينة التي ستحولها إسرائيل الى ثكنة عسكرية!

محتل شرس أحمق، بالرغم من الاحتلال لن يقود إلا للزوال، إلا أن حكومات إسرائيل المتعاقبة ما زالت على مدار 55 عاما مصرّة على فرض الأمر الواقع بقوة السلاح، فهل هنا من عاقل وسط كل هذا الغرور من ينصح قومه بالابتعاد عن استفزاز المقدسيين والشعب الفلسطيني؟

غدا الأحد، هو يوم استفزاز العلني، الذي يكشف فعلا الوجه الحقيقي لحكومات إسرائيل التي تدرك في أعماقها، بأن ما حدث ليس من 55 عاما، بل من 74، ما هو إلا غزو منظم، متحالف مع قوى من خارج المنطقة، وبدلا من البدء في فتح صفحة جديدة في هذا الصراع باتجاه حله، فإنها تزيده تعقيدا، فأين حسن النوايا والعقلانية في السماح لهذه المسيرة؟ وما الذي ستجنيه إسرائيل منها غير خلق المزيد من الكراهية لها، والتي يمكن أن تتعمق خارج فلسطين، ليس فقط لأسباب دينية، بل لأسباب كثيرة، يمكن أن تقود إلى الطعن بوجود هذه الدولة، لدرجة أن تنامي الأصوات المطالبة برفض الدولة اليهودية تزداد، فما الذي تفعله إذن هذه الحكومات؟ وهل وضعت نفسها في موقف كي ترجوها حكومات العالم بوقف الاستفزازات، والانتهاكات والاحتلال!

ليس هناك ما نقوله، ما دام القول موجه لإسرائيل الحكومة وللإسرائيليين الصامتين عموما عن هكذا تصرفات مشينة، وكأن إسرائيل تصب الكاز على النار، لكن لدينا نحن ما نفعله، ليس فقط على الأرض الحبيبة، بل في بنيتنا الفكرية والتربوية والسياسية، حتى نضع ما هو استحقاق للمقولة الواثقة من قائلها: "احنا واياهم والزمن طويل".

لكن مهلا، لن يطول زماننا تحت الاحتلال؛ فإن ما ترى إسرائيل به من فرض أمر واقع وإطالة عمر الاحتلال، ما هو الا وهم، وما هو إلا تقصير لعمره؛ فلا عاقل هنا ولا مجنون من يقبل بكل هذه الغطرسة، وآن الأوان لتطبيق حق تقرير مصير شعبنا، ولعل العالم ينظر للبشر هنا، الذي يعيشون صراعا طويلا بسبب الإصرار على الاحتلال، نظرة جديدة، تقوم على العيش المشترك بكرامة كاملة للجميع؛ فإذا لم ينضج الإسرائيليون بعد، وإذا لم يتحرروا من عقدهم القديمة والجديدة، فالأفضل الآن الاعتراف بدولة فلسطين، بعاصمتها القدس. غير ذلك، أي لا دولة للفلسطينيين ولا دولة للجميع، لا يعني إلا المزيد من الانحطاط القيمي.

ليس المهم مسار مسيرة الأعلام يا حكومات إسرائيل، ويا من سمح للمسيرة، بل المضمون نفسه غير مقبول على الإطلاق، فكيف تسمح الدولة باستفزاز علني للفلسطينيين والعالم أجمع، غير المعترف بضم القدس، لمجموعة غير ممثلة للأكثرية الإسرائيلية، بفعلة نكراء هكذا؟ وهل صار الوضع الإسرائيلي "ذان من طين وذان من عجين"!

ليس لنا إلا أنفسنا، فالهدف السامي والنبيل بدأ يتحقق، وعلينا نحن أن نعيد الاعتبار لأنفسنا أولا، بأفعال تليق بشعب حرّ بطل حقيقي يسعى للتحرر.

ولا أظن أننا بحاجة أن نتحدث عما يجب فعله، بل أن نفعل، وألا نشتبك بقضايا الخلافة المؤرقة، ولا بتصفية حسابات واهمة، فالأرض والشعب والهدف النبيل يستلزم ما هو ملائم، ودوما نكرر بأن ممكنات الفعل الفلسطيني ستظل هي العامل الحاسم، وأن الفلسطينيين هم الرقم الأقوى في معادلة ليس الشرق الأوسط، بل في العالم أيضا، من هنا إلى أوكرانيا.

نحن أقوياء لأننا نفعل، ولأننا نمارس عيشنا بشغف وحب؛ فالبقاء هنا يعني الكثير لنا، فكل باق هنا ملك وكل باقية ملكة، وهذا هو كنزنا الحقيقي، وبه سعداء وراضون ومتفقون ومتفقات، أما من هو مختلف ويختلف، فله ما اختلف له وعليه.

غدا، سيتعمق انكشاف وجه حكومات إسرائيل، (لا نستثني منها حكومة)، والتي ستظهر إما ممعنة بالاستفزاز والغطرسة، وإما الوجه الخائف، وكلاهما نصر لنا في طريقنا الذي فعلا صرنا نرى الضوء كبيرا وأكبر.