قصة تاريخية لنا فيها عِبرة
تاريخ النشر : 2022-05-24 12:52

يُحكى إبان الاستعمار البريطاني للهند، أن صفع ضابطاً بريطانياً هندياً فقيراً على وجهه، فما كان من الهندي، إلا أن ردّ الصفعة للضابط بواحدة أشد منها أوقعته أرضاً. ومن هول الموقف، فزع الضابط إلى قائده يشرح له ما جرى معه، ويطلب منه الانتقام من الهندي، ليكون عبرة لغيره ممن سيتجرؤون بعد ذلك على جيش صاحبة الجلالة.

لكن القائد كان عنده طول بصر وبصيرة، فتصرف بطريقة مختلفة تماماً، إذ أعطى الضابط (50) ألف روبية –العملة الهندية-، وأمره بإهدائها للهندي كعربون اعتذار له عما بذر منه.

قبل الهندي الهدية، التي كانت بمثابة الفخ الذي وقع به لاحقاً، سيما وأن الهدية شكلت له رصيداً أولياً لتجارة أقامها وراجت، جعلته من رجال المال والأعمال، حتى ذاع صيته في البلاد وبين العباد.

حينها استدعى القائد الإنجليزي الضابط، وأمره بزيارة التاجر الهندي مرة أخرى، وتكرار الصفعة على وجهه بطريقة أشد وقعاً، وأمام حشد أكبر من الناس، وبدون أي مقدمات. تعجب الضابط!، لكنه لا يملك سوى الامتثال للأمر العسكري. نفذ الضابط الأمر وسدد الصفعة بكل جبروت على وجهه، والخوف يتملكه ظاناً أن الهندي سيقتله هذه المرة، لكن كانت الدهشة أن فوجئ بردة فعل الهندي، الذي تقبل الصفعة على رحب وسعة وبابتسامة نفاق.

عاد الضابط لقائده ليخبره عن تبذل حال الهندي وردَةِ فعله، فما كان من القائد إلا أن رد عليه بحكمة ومزيداً من الثقة الزائدة: في المرة الأولى كان الهندي فقيراً لا حول له ولا قوة، إلا من كرامته التي لا يملك أغلى منها فدافع عنها، أما في المرة الثانية وبعد أن باع كرامته بالروبيات، أصبحت لديه تجارته ومصالحه التي يدافع عنها، بعيداً عن حكايات الشرف وعزة النفس والكرامة.

الخلاصة: هذه القصة التاريخية شدَتني بقوة، فتَحت لدي مسارات التأمل والتساؤل، ذكرتني بأجيال القادة من كل التلاوين، وبتغيَّر تعريفات وتطبيقات المبادئ والمصالح، وبالنُّخب الانتهازية والمواقف على المقاس، وبالشعارات الفارطة وبتسويق الوهم والوهن.

تنويه: دون إحراز المصالحة والتوافق الوطني والشراكة، واعتماد استراتيجية وطنية تضع المناسب في مكانه المناسب، وتسعى لتعزيز صمود الناس، ومساءلة من أساء إليهم، فإنه ستتنامى عندنا شريحة الطبقة السياسية، ممن هم على شاكلة الهندي في صورته الثانية. وحينها سنفجع بضياع ما تبق من وطن.