الحرب العالمية الثانية في مشهدها الأخير
تاريخ النشر : 2022-02-28 07:54

يتخوّف الكثيرون أن تكون المعارك في أوكرانيا مقدّمة لحرب عالمية ثالثة، وفي حقيقة الأمر أن الحرب العالمية الثالثة بدأت مُذ خالفت أميركا والناتو وعودهم لروسيا بعدم توسّع الناتو شرقًا، وقاموا بضمّ العديد من الدول التي استقلّت عن الاتّحاد السوفيتي المُنحل، وصولًا إلى محاولات ضمّ جورجيا 2008، ممّا أثار حفيظة روسيا، وتدخّلت عسكريًّا في جورجيا وقامت بتحييدها بقوة السلاح، وأصرّت على استقلال إقليميْ أبخازيا وأوسيتيا عن جورجيا إلى أن نالتا استقلالهما، ثمّ استمرّت أميركا في محاولاتها لحصار روسيا واستفزازها عسكريًّا، فأشعلت الساحة الأوكرانية ضد النظام الحاكم في كييف فيما عُرِفَ بالثورة البرتقالية 2014، والتي أتت بكرازايٍ موالٍ لأميركا يُدعى الرئيس الأوكراني، وفي محاولة للتصدي للتوغّل الأميركي في أوكرانيا، والذي يهدف إلى إغراق روسيا في حرب واسعة وممتدة لإنهاكها عسكريًّا واقتصاديًّا، لجأت روسيا إلى ضمّ جزيرة القرم في ذات العام، ودعمت الانفصاليين في إقليم الدونباس وصولًا لتوقيع اتفاقية مينسك التي لم يُنفّذ منها سوى وقف إطلاق النار، وفي هذا السياق كان الانخراط الروسي في عمليّة عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا بعد اعترافها باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوهانسك وذلك بهدف تحقيق مطلبيْن، يتمثل أوّلهما ضمان عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وثانيهما عدم نشر صواريخ في شرق أوروبا تهدّد أمن موسكو، إلا أنَّ رفض الغرب لمطالب روسيا، وعملهم على تأجيج الموقف لنشوب الحرب، ثم العمل مع الناتو على توفير الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا بهدف إطالة أمد الحرب لعدم السماح لروسيا بتحقيق نصرًا معنويًا وعسكريًا مدويًا، إلا أنَّ الأهداف الأميركية والغربية باتت مكشوفة وواضحة للجميع، ولأجل ذلك فإنَّ الرئيس الروسي لن يسمح للغرب بإطالة مدى الحرب ولو أدّى ذلك إلى استخدام سلاح الردع الاستراتيجي" النووي"، لذا فإنَّ تعامل الطرفين مع هذه المواجهة لم يأت نتيجة لفشل المباحثات الأميركية الروسية حول أوكرانيا فحسب، بل جاءت أيضًا استمرارًا لمشاهٍد متّصلة ترمي لتغيير النّظام العالمي القائم على الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والتي لجأت لاستكمال خططها وسيناريوهاتها من خلال تغيير خارطة الجيوبولتيك للعالم، فصالت وجالت أرجاء العالم تدميرًا للدّول وإشعالًا للحروب الأهليّة بدءًا من العراق وأفغانستان مرورًا بالثورات العربية، وتصفية القضية الفلسطينية، واغتيال منظمة التحرير، وتخلّيها عن حلفائها في الخليج العربي، ولم تنجُ دول القرن الإفريقي منها فقسَّمت دُوله، وجعلت منها مسرحًا للانقلابات العسكرية، وصولًا إلى حربها الاقتصادية ضد الصين. إنَّ كل هذه المحاولات والمجهودات التي بذلتها أميركا ولا زالت تبذلها لمواجهة وحصار كل ما يقوّض نفوذها خاصّة في ظلّ التحولات والتحالفات العالمية والتي أضحت قائمة على التحالفات الاقتصادية بالدرجة الأولى مما يُنذر بتحلل الأحلاف العسكرية القائمة قديمًا وحديثًا وفي مُقدّمتها حلف الناتو، مما سيساهم مساهمة كبيرة في ترنّح الولايات المتحدة وفقدان هيمنتها العالمية، لذا نجدها اليوم تمارس كلّ أنواع الضغط السياسي والأمني على حلفائها الأوربيّين، وجعلت من روسيا هاجسًا يؤرّقهم لتدفعهم للمشاركة الواسعة اقتصاديًّا وعسكريًّا لاستنزاف مقدّراتهم وإنهاك اقتصادهم حتى لا يتسنّى لهم الولوج في أيّ تحالفات اقتصادية خارج الكتلة الغربيّة، وعلى وجه الخصوص مع الصين وروسيا، لضمان استمرار حاجتهم المُلحّة للتحالف مع أميركا، وأيضًا استمرت أميركا في عرقلة أي تحالف اقتصادي يسمح بتشكيل تكتّل على المدى المتوسط أو البعيد، وعلى سبيل المثال لا الحصر تعطيلها لمنتدى غاز المتوسط على الرغم من أنّه يضم اسرائيل إلى جانب مصر واليونان وقبرص والأردن والسلطة الفلسطينية، وكذلك فإنَّ الإدارة الأميركية حرصت على الدوام على إثارة ما أسمته الفوضى الخلّاقة في كافة الدول التي تستهدفها، وعلى الرغم من أنَّ الصراع لا زال مفتوحًا، فإنَّ المحاولات والمكائد والضغوطات التي تمارسها أميركا على الجميع وبشكل خاص على روسيا، لن تُمكّنها من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء مهما علا طنينها، فمركِب التغيير قد نشر أشرعتَه وشقّ طريقه بلا عودة، إنّ هذه التطورات الدولية تطرح تساؤلًا عن الدور العربي، فهل يستطيع العرب استيعاب هذه المتغيّرات ويعيدوا تموضعهم بما يمكنهم أن يكونوا قوة فاعلة ومؤثرة في رسم العالم الجديد، أم أنهم سيُمعنون في تشرذمهم وينتظرون سايكس بيكو جديد يحدد مصائر أوطانهم، ويستمر التساؤل نحو الفصائل الفلسطينية هل وصلتكم الرسائل وفهمتموها أم أنّ على قلوبٍ أقفالها، ألم تروْا رأى العين نهاية من جعلوا أوطانهم وشعوبهم رهينة لهذا الطرف دون ذاك، أو استخدموهم وقودًا لنار حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، أو اتخذوهم مطيّة للتماهي الأيدلوجي؟، فقد آن أوان التغيير وتخطّي العقبات والالتطاء بمصالح الشعب والشعب فقط.