المفاوضات والتعنت الإسرائيلي
تاريخ النشر : 2013-11-11 08:42

حين نتحدث عن المفاوضات فإننا نتحدث عن حدث غاية في التعقيد بعيداً كل البعد عن البساطة حيث أن مسلكية التفاوض تدور رحاها مع الطرف الإسرائيلي الذي يتفنن في وضع العراقيل أمام أي تقدم من شأنه زرع بصيص أمل نحو تحقيق سلام عادل وشامل.

إن التفاوض مع الطرف الإسرائيلي أم معقد وصعب بسبب التعنت الذي يبديه ويفتقر للنوايا الصادقة والحسنة، حيث سلك طريق التفاوض لأهداف سياسية بحتة وفقاً لأجندته الخاصة التي عكف على التخطيط لها بدقة متناهية سواءً على الصعيد الداخلي أو الخارجي لتجميل وجه السياسة الإسرائيلية بأن حكومة نتياهو هي حكومة تنادي وتحلم بالسلام المنشود وتسعى لتحقيق السلام وإحرازه مع الفلسطينيين ولكن نرى أن إسرائيل سلكت هذا المسار كستار تتخفى خلفه لتنفيذ مخططها لتهويد القدس وما أمكن من الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات في مناطق ذات أهمية كبيرة في عمق حدود 1967 وهي حدود الدولة الفلسطينية التي اعترف بها معظم دول العالم لاسيما أن إسرائيل تصادر يومياً أراضي شاسعة ويقوم المتطرفين اليهود باقتحام وتدنيس باحات المسجد الأقصى بحماية أمنية إسرائيلية في الوقت الذي يعقد الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي جلسات التفاوض.

تتعمد إسرائيل إحراج المفاوض الفلسطيني بشتى الوسائل الممكنة ولاحظنا مؤخراً أنها قامت بربط عملية الإفراج عن أسرى ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993 بمشروعها الاستيطاني علماً بأن الإفراج عنهم كان متفق عليه ضمن اتفاق أوسلو آنذاك، وتحاول إسرائيل إيهام الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بأن الإفراج عن الأسرى جاء تنفيذاً لاتفاقات مبرمة ضمن جولات التفاوض الحالية مقابل الاستمرار في المشروع الاستيطاني بمعنى أن المناطق التي تقام عليها المستوطنات هي مناطق تم التنازل الفلسطيني عنها وتمت مبادلتها، ومن جهة أخرى التقليل من حجم الانجاز الفلسطيني بالإفراج عن الأسرى ليصب في ايجابيات مواقف الفصائل وبعض القيادات والفلسطينية المعارضة للمفاوضات ومنهم من هم قادة في حركة فتح, أيضاً محاولة لتحويل الموقف الأوروبي التي اتخذ قراراً بمقاطعة المستوطنات ومنتجاتها ولكنه لم يكتب له النجاح بهذا الاتجاه لوجود مطالب بعض نواب أوروبيين بإلزام إسرائيل وقف توسعها الاستيطاني وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة ضمن حدود العام 1967.

باعتقادي أن القيادة الفلسطينية لم يكن أمامها سوى خيار العودة إلى المفاوضات نتيجة لحجم الضغوط التي تعرضت لها من قبل الإدارة الأمريكية المنحازة ضمناً إلى إسرائيل رغماً من أنها تعي جيداً أن إسرائيل لم تكترث لعملية السلام ولا تبدي لها أي نوع من الحماس والأهمية وكان دخولها غرف المفاوضات من باب الخجل وعدم إحراج أمريكا أمام العالم وللمحافظة على أواصر العلاقة الحميمة بينهما, فالموافقة الفلسطينية بالعودة للعملية التفاوضية جاء ليثبت للعالم بأسره أن إسرائيل تفتقر لأي نوايا حسنة وصادقة تجاه تحقيق السلام في المنطقة وهذا ما تم وضوحه خلال جولات الحوار التي مضت دون إحراز أي تقدم يذكر.

كما أن القيادة الفلسطينية جاءت موافقتها بالعودة للمفاوضات كرهاً وليس رغبة في ظل وجود شريك متعنت يرغب في إضاعة الوقت ليس أكثر، وبسبب الحالة الاقتصادية المتردية التي تعاني منها السلطة واستغلال الدعم الذي وعدت به أمريكا لإنعاش الوضع الاقتصادي الفلسطيني، وأيضاً بسبب حالة الترهل التي يعاني منها الجسد الفلسطيني وعدم الالتفاف حول القيادة الفلسطينية لتعزيز موقفها، كما نرى أن القيادة الفلسطينية قررت البدء بخطوات عملية في المحافل الدولية وحرب دبلوماسية كما أطلق عليها الإسرائيليون توازياً مع جولات التفاوض.

وهذا يحتاج أيضاُ إلى توحيد الموقف الفلسطيني تجاه عملية المفاوضات كما لا يمنع من وجود معارضة وهي أيضاً تدعم هذا الموقف.