عندما كان يقاتل الحكيم جورج
تاريخ النشر : 2022-01-27 19:35

كي لا اطيل في الحديث عن قائد من قادة العمل الوطني الفلسطيني سواءا ما قبل انطلاقة الثورة او ما بعدها او عن التحولات التي رافقت شخصية الرجل و المفكر القومي جورج حبش الى ساحة اليسار الفلسطيني وتحول الفكر الحزبي بما يتناسب مع المرحلة من قناعات فلسطينية بثورة شعبية تقودها حركة تحرر وطني لتحرير فلسطين كل فلسطين في ظل اللاءات الثلاث العربية والقومية وربما ساحات دولية اخرى "لاصلح.. لااعتراف .. لا تفاوض مع اسرائيل" ولكن وقبل ان نبدأ في الحديث عن لحظات تاريخية صدفة و مصادفة جمعتني لعدة دقائق لا تزيد عن العشر دقائق في تاريخ الحدث نفسه 8/1/1971 .

جورج حبش قائد الفصيل الثاني في الساحة الفلسطينية وله اليد والذراع الطويلة في مقاومة الاحتلال وخاصة في الفترة 70/71/72 في مناطق اثبت فيها وجوده وقوته المقاومة امام الاحتلال الاسرائيلي سواءا في معسكر الشاطئ او جباليا او المعسكرات الوسطى حيث ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في ذاك الوقت واصفة واقع الاحتلال في غزة قائلة "غزة يحكمها الفدائيون ليلا و الاسرائيليون نهارا" ولكن ما يؤخذ على الجبهة الشعبية حرصها الدائم على تمرير بعض البرامج والتحولات السياسية التي استبعدت ديمومة حرب التحرير الشعبية طويلة الامد وتناغمت مع ما سمي الحل المرحلي والخط التسووي و ما سمي اعلان الاستقلال في عام 1988 الذي في حقيقته كان الاعتراف بدولة اسرائيل على غالبية الارض الفلسطينية و كان محور هذا الاعلان هو الاعتراف 2-4-2 وكان منطق الجبهة في ذلك هو الحفاظ على البنية الوطنية لمنظمة التحرير الفلسطينية ودخلت مكونات الجبهة الشعبية اتفاقية اوسلو بحضورها ووجودها بالعودة الى ارض الوطن من خلال هذه الاتفاقية التي بررتها وقالت انها لتغيير الواقع لهذه الاتفاقية و هي نفس المبررات التي اتخذتها قوى اخرى في الاسلام السياسي في انخراطها في الدموقراطية المفروضة على السلطة من تشريعي ورئاسي ولكن دفعت الجبهة الشعبية اثمان باهظة من خلال قتل الوزير ذا ايفي الذي اتى بناءا على اغتيال امينها العام علي مصطفى واتخذ القرار بالرد الفعلي الذي كان ثمنه ايضا اعتقال امينها العام سعدات والحكم عليه بعدة عقود ومازالت الجبهة الشعبية رغم التغير الكبير في طاقة كادرها الاول الا انها تدفع الثمن من رئاسة السلطة وخاصة ابومازن لعدم تماشيها مع توجهات هذا الرئيس ومطالبتها بتنفيذ قرارات المركزي وهذا ما دفع ثمنه النائبة جرار من اعتقال اداري بناءا على تنسيق مسبق مع قيادة السلطة .

تاريخ الجبهة الشعبية تاريخ طويل و حافل سواءا خارج الوطن عندما كان فعلا لثورة في الخارج من اثبات للهوية الفلسطينية النضالية من خلال العمل العسكري الخارجي سواءا خطف طائرات او عمليات نوعية اخرى ولكن ما يهمني في هذا المقال ان اتحدث عن تجربة شخصية جدا مع الاخ والرفيق الحكيم جورج حبش كان تاريخها هو 8/1/1971 المكان وادي رميميم في بداية طريق السلط مخيم البقعة محطة الارصاد حيث كانت قوات حركة فتح العاصفة تتمركز على سفوح جبال رميميم في مقابل جبل يسمى جبل طلوزة هذا الجبل المرتفع جدا والذي يفرض سيطرته الاستراتيجية على الجهة الغربية للجبل والجنوبية التي تشرف على السلط حيث مقر قيادة القطاع الاوسط .

تمركز قواتنا في هذا القطاع بعد انسحابنا من عمان والتجمع في جبل الاشرفية واذكر ان كان قائد هذا القطاع موسى عرفات ومسؤول الحملة عبد المعطي السبعاوي والشهيد ابو القاسم خلف و الدكتور محجوب عمر وابو ناصر النصر وابو الوفا وابو علي مسعود و حمد مارتديلا الذي كان قائدا للتسليح للقطاع اما انا فكنت امينا للتسليح ومجموعة حراسة مكونة من 7 افراد برفقتي هذا التسليح كان يحتوي على مئات صواريخ الكاتيوشا والجراد ومئات صناديق التي ان انتي ومئات الكلاشينات والمسدسات و الار بي جي و الجرينوف والدوشكا وعشرات صناديق الذخيرة من جميع الانواع مساحة هذا التسليح تقدر في باطن الارض اي في مغارة بحوالي 200 متر مربع تشرف فتحة هذه المغارة بشكل مباشر على القوات الاردنية المتواجدة على سفوح جبل طلوزة اي كان قواتنا ساقطة استراتيجيا امام هذا الجبل و منطقة ام الرمان والمنطقة الغربية المتواجد فيها ايضا قوات اردنية المهم ..

في صبيحة اخر شهر ديسمبر على ما اذكر اتى موسى عرفات ومعه ضابط من اللجنة العربية يسمى علاء وقال موسى عرفات اننا مضطرين لعمل قوات مشتركة اردنية فلسطينية تتمركز على جبل طلوزة اي مطلوب منا اكثر من 50 مقاتل حقيقة لم يعجبني هذا الطرح وخاصة ان القوة العددية مهمة بالنسبة لنا وربما لا تكون مهمة كثيرا بالنسبة للجيش الاردني المتمركز على جبل طلوزة فقلت لموسى عرفات هذا خيار تكتيكي للاردنيين لخفض قواتنا و من ثم اجتياح مواقعنا .. فقال لي موسى عرفات "انت ايش بيفهمك؟! خليك في تسليك وضلك ساكت !" وفعلا نفذ الاتفاق وبقي في الجهة الغربية للتسليح عبارة عن 2 دوشكا وجرينوف و2 هاون 60 وتقريبا 4 او 5 مجموعات قتالية اما المنطقة مفتوحة من التسليح حالى واد رميميم فلا يوجد بها احد ، في صبية يوم 8/1 كان يو خميس على ما اذكر الساعة العاشرة صباحا بينما اتت سيارة التموين تحمل معها بعض العظام مكسية باللحوم ووضعناها على نار من شجر البلوط واذا بمواقعنا تتعرض لقصف عنيف بالمدفعية ومدفعية الدبابات ايضا من ام الرمان كان لدينا امام التسليح مدفع 106 ملي على لاندروفر اطلق قذيفتين امام الدبابات في ام الرمان ثم تم اصابته وكان مطلق تلك القذائف الفدائي الشجاع ابو القاسم محمد خلف الذي استشهد فيما ببعد على مداخل المدينة الرياضية متوجها الى عمان .

المهم في هذه المعركة لم ارى اي حالة اشتباك من مواقعنا خلف التسليح ولا حتى صوت رصاصة والمكان ساكن تماما وفقط هو صوت المدفعية التي تقصف مواقعنا ويجب ان اذكر هنا ان قائد التسليح منذ تولي موقعي امين المستودع ويدعى حمد مارتديلا لم اراه اطلاقا الى يومنا هذا ، قلت لمجموعتي انتظروا اكتشفت المواقع خلف التسليح ذهبت مستطلعا فلم ارى الا سلاح ومواقع بدون افراد على سلاح الدوشكا ولم يبقى في المكان للساعة الرابعة مساءا الا مجموعة التسليح فقط اخذت احد الاخوة من التسليح وقلت للباقي خليكم على يقظة واعطيت اوامري بتفعيل تشريك التسليح بفتيل الاشتعال بينما استطلع ماذا يحدث ف بلدة رميميم اسفل وعندها وجدت الكارثة .. وجدت ما يقارب 200 مسلح في بطن وادي رميميم فقلت لهم ماذا تركتم مواقعكم .. فقالوا لنا ان قيادة القطاع قد تم قصفها ولم نرى اجدا منهم .. فقلت لهم اذا اين موسى عرفات ؟ قالو لنا ستجدوه في مخيم البقعة على بعد 15 كيلو متر هذا التقدير الى محطة الارصاد مقابل مخي البقعة .. اخذت سيارة لندروفر وذهبت لمخيم البقعة حيث يتواجد موسى عرفات وطلبت لقاء عاجل الا انه رفض هذا اللقاء الا بعد اجراء مكالمة مع الرئيس عرفات في دمشق قائلا لي انتظر .. قلت له جميع قوات القطاع انسحبت لوادي رميم ولا يوجد الا مجموعة التسليح فقط ماذا سنفعل في التسليح يا اخ موسى ؟ ؟ والقوات الاردنية على بعد امتار من التسليح فقط قال لي انتظر حينئذ انتظرت الى غروب الشمس وخرج موسى عرفات وذهبنا جميعا الى وادي رميميم حينها كانت القوات الاردنية قد سيطرت على القطاع تماما وفي بطن وادي رميميم القى خطبته العصماء باقرار حرب الارض المحروقة ودفع قادة المجموعات 150 دينار كل قائد مجموعة قلت له وماذا عن التسليح يا اخ موسى ؟ واذ بصليان الدوشكا تضرب فوق رؤوسنا والكل تناثر في قاع الوادي هروبا بما فيهم موسى عرفات اطلقت الشهادة وذهبت لمجموعتي للتسليح وكانت قد اظلمت الدنيا واذ بالجموعة بالكامل اراها تركض في اتجاهي وتقول لي خذا الارض فالتسليح سيفجر بعد لحظات حقيقة الذي فجر التسليح ليس نحن بل الجيش الاردني المهم ذهبنا في مسيةر الظلام في مياه الوادي متجهين الى جرش حوالي 25 كيلو المهم في منتصف الطربق ونحن عبارة عن قطعان من الاغنام مسلوبي الارادة نتدور جوعا وبردا وظلاما فكان يجلس بجانبي اخ على حافة الوادي و كثير من الافراد كالاشباح لم اتبين شخصيته فقال لي الى اين ذاهبين ياابو .... قلت له مستهزئا ان ما يحدث خيانة سيقول لنا موسى عرفات سنحارب الجيش الاردني من درعا حينها قال لي اخ في الجانب الايسر موسى عرفات لم يتعود على الهروب على ابو .... قلت له من انت ؟ قال انا موسى عرفات .. قلت له وماذا اخطئت بحقك قال عندما نصل قطاع 201 سنتحاسب واعرفك معنى كلامك قلت له اذا عندما نصل المهم .. تقريبا في ام الرمان سمعنا صوت اشتبكات طاحنة وتفجير دبابات ولكن ليست من قواتنا ورأيت ضوء شمع خافض جدا على ارتفاع من بطن الوادي فذهبت اليه وحقيقة قامت حراسات هذا الموقع بتثبيتي فقلت لهم صديق ورفيق .. قلت لهم ابحث عن طعام .. قالو من انت ؟ قلت لهم انا فلان مسؤول تسليح الاوسط قالوا لي تقدم للامام .. تقدمت واتجهوا بي الي مغارة يجلس بها رجل تقريبا اربعيني الشعر الاسود المكسو بالابيض فقال لي تفضل يا رفيق قلت له نحن انسحبنا من مواقعنا بدون معركة ونحن ذاهبون الي 201 ونحتاج للطعام فقال لي انتم تنسحبون ورفاقكم في الجبهة الشعبية يقاتلون الان قلت له انها خيانة يارفيق وماذا سنفعل فقلت له المهم اعطني مما لديكم فقال لاحد الاخوة المتواجدون اتي بصفيحة بسكويت للرفاق قلت له انا اطلب منك ولم اطلب من الرفيق فضحك مبتسما ولم يعلق الا ان الرفيق الاخر قال انه الرفيق جورج حبش يقود المعركة الان حينها وقفلت في اداء التحية العسكرية وقلت له تحياتي ايها القائد قال لي لا عليك .. انتم ضحية قيادة فاسدة اذهبت الى مهماتك فيما بعد اخذت صفيحة البسكويت انطلقت مرة اخرى موزعا محتويات هذه الصفيحة على المقاتلين في بطن الوادي .. هذا هو الرفيق جورج حبش الذي ذكرته في مذكرات فتحاوي عتيق الذي كان يقود المعركة بنفسه في حين اننا كنا في حالة انسحاب يحمل الكثير من الذلو الاهانة .

اما ما حدث بعد ذلك في قطاع 201 فقد حاول موسى عرفات تشكيل محكمة عسكرية لي وكان امره سينفذ لولا تدخل شهود عيان كانوا موجودين على تفاعلات هذه المواجهة مع الجيش الاردني ومسؤولية موسى عرفات عن كل ماحدث و من اهم هؤلاء الدكتور محجوب عمر الذي انصفني تماما وفيما بعد تلقى موسى عرفات العقاب من ابو علي اياد وكان عقابا جادا وحاسما لولا تدخل ياسر عرفات .. وللحديث بقية ..