بلغ السيل الزبى: أبطال المقاومة الشعبية لم يسلموا من اعتقالات أمن السلطة
تاريخ النشر : 2022-01-25 22:57

ما حصل فجر الجمعة في بلدة " بيتا" التي تتصدر المشهد منذ شهور في مقاومة الاستيطان يستدعي وقفة جادة من قبل فصائل المقاومة ،وكافة القوى المجتمعية لوضع حد لانفلات أمن السلطة من عقاله ، وهو يمارس دوراً أمنيا بامتياز لصالح الاحتلال الذي بات يضيق ذرعاً بالمقاومة الشعبية في بلدة بيتا ، وفي كل المدن والبلدات والمخيمات في الضفة الفلسطينية.

ففي الساعة الواحدة صباحا من فجر يوم الجمعة 21-1-22 اقتحم حوالي (20) عنصراً وضابطاً من جهاز الأمن الوقائي البلدة لاعتقال ثلاثة من أبرز الناشطين في مقاومة سلطات الاحتلال، لمنعها من إقامة بؤرة استيطانية على سطح جبل أبو صبيح، الذي تؤول ملكيته لأهالي القرية ولقرى فلسطينية أخرى مجاورة ، وهؤلاء الشبان هم الأسير المحرر والقيادي في حركة "الجهاد الإسلامي" عبد الرؤوف الجاغوب، والشاب معتصم دويكات الذي أفرج عنه من سجون الاحتلال قبل أيام قليلة فقط، والشاب بلال حمايل، الذي اعتدي عليه وعلى إخوته ووالده.
أهداف الاعتقالات

وهذه الاعتقالات تستهدف ( أولاً) تقديم خدمة جليلة للاحتلال الصهيوني الذي ضاق ذرعاً بالمقاومة الشعبية التي يمارسها أهالي البلدة منذ عدة شهور ، وهم يقدمون دمائهم الطاهرة فداءً للوطن حيث ارتقى حتى اللحظة ثمانية شهداء من أبنائها، وهذه الخدمات الأمنية تأتي انسجاماً مع نهج التنسيق الأمني الذي تمارسه السلطة منذ سنوات ، ذلك النهج الذي وصفه رئيس السلطة بأنه مقدس .

وثانياً : أن هذه الاعتقالات تستهدف لجم المقاومة الشعبية ، إدراكاً من قيادة هذه الأجهزة وقيادة السلطة ، بأن هذه المقاومة الشعبية بإبداعاتها المختلفة في كل من بيتا وبرقة ومختلف البلدات والمدن الفلسطينية ، في طريقها لتتحول إلى انتفاضة شعبية على نمط انتفاضة الحجارة ( 1987- 1993) ونمط انتفاضة الأقصى ( 2000-2005) ، ما سبب قلقاً لكل من قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية وللأجهزة الأمنية الإسرائيلية ، التي تلاقت جميعها على وأد هذه الانتفاضة قبل اندلاعها ، باعتبارها تشكل خطراً على الاحتلال والمستوطنين من جهة وعلى برنامج السلطة السياسي .

وهذا الخطر المزدوج، هو الذي دفع رئيس السلطة محمود عباس لزيارة وزير الحرب الإسرائيلي " بيني غانتس" في بيته في تل أبيب في التاسع والعشرين من شهر ديسمبر ( كانون أول) الماضي ، لدراسة سبل منع اندلاع انتفاضة جديدة ، وللطلب منه تخفيف اعتداءات المستوطنين التي تصب الزيت على نار المقاومة الشعبية ، حيث تعهد رئيس السلطة في اللقاء بمواصلة التنسيق الأمني وتعزيزه ، وحصل في اللقاء على (33) مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية إضافة إلى امتيازات أخرى.

واللافت للنظر أن أجهزة أمن السلطة بدلاً من أن تقوم بتكريم الأسرى المحررين ، تقوم بإعادة اعتقالهم حتى لا يكونوا روافع جديدة لمقاومة الاحتلال ، وسبق أن نغصت على أهالي الأسرى وأبناء الشعب الفلسطيني فرحتهم بمنعها إقامة احتفالات بحريتهم وتحريرهم ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن هذه الأجهزة باتت تنفذ "مقاولات بالباطن "لصالح الاحتلال ، إذ أنه عندما أعلنت أجهزة الأمن الصهيونية بأنها بصدد تنفيذ عملية أمنية واسعة في جنين ومخيمها ، سبقتها أجهزة الأمن الفلسطينية في تنفيذ المهمة التي لقيت تثميناً من قبل سلطات الاحتلال.

السلطة وأكذوبة المقاومة الشعبية

ما حصل في بلدة "بيتا" يكشف " أكذوبة السلطة" في تركيزها على المقاومة الشعبية كبديل للمقاومة المسلحة ، فالسلطة تريد مظاهر شكلية للمقاومة الشعبية ، كالمهرجانات وإلقاء الخطب النارية في الاحتفالات وإضاءة الشموع ، ولا تريد مقاومة شعبية عنفية ومشتبكة مع الاحتلال وقطعان المستوطنين ، على النحو الذي حصل في بيتا وبرقة وسبسطية ودير جرير وسلوان ومخيمات الدهيشة وبلاطة والجلزون والأمعري والفوار و والعروب وجنين وغيرها.
الفصائل من جانبها صدقت قيادة السلطة في كونفرنس بيروت – رام الله في الثالث من سبتمبر ( أيلول) 2020 ، عندما اقترحت تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية ، وفي ذهن الفصائل أن المقاومة الشعبية في حال تطوير وسائلها وطرائقها قد تتطور إلى انتفاضة حقيقية ، لكن قيادة السلطة غادرت موافقتها على تشكيل قيادة موحدة للمقاومة الشعبية وتراجعت عن قراراتها بإلغاء التنسيق الأمني، ووقف العمل باتفاقيات أوسلو وبقية الاتفاقات -التي سبق وأن أعلن عنها رئيس السلطة في 19 (مايو) أيار 2020 -وذلك في اللحظة التي أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن فوزه بالانتخابات الرئاسية.

في ضوء ما تقدم ، فإن ملاحقة جهاز الأمن الوقائي وكتائب دايتون للمقاومة الشعبية – كما حصل في بلدة بيتا- على النحو الذي تلاحق فيه العمليات الفدائية ، يؤكد أن قيادة السلطة وأدواتها الأمنية لا تريد أي شكل من أشكال المقاومة ، ما يذكرنا بالتصريح الذي سبق وأن أدلى به وزير الداخلية الأسبق " عبد الزاق اليحيى" الذي أعلن فيه بأنه لن يسمح بإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال والمستوطنين.

مطالبة في غير محلها

ما يلفت الانتباه ، مطالبة العديد من الفصائل الفلسطينية لرئاسة السلطة واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التدخل لوقف تغول أجهزة الأمن على جماهير شعبنا ومقاومتها الشعبية والمسلحة ، ما يستدعي التساؤل حول جدوى مناشدة قيادة السلطة ، وهي تعلم علم اليقين بأن قيادة السلطة هي التي تتبنى نهج التنسيق الأمني ومحاربة المقاومة بشكليها المسلح والشعبي.

أما مناشدة اللجنة التنفيذية للتدخل لوقف اعتقال المقاومين ، فإنها تثير الاستغراب لأن الفصائل تعلم علم اليقين أن اللجنة لا حول لها ولا قوة ، وأنها بحكم ميزان القوى داخلها لا تعدو كونها مجرد أداة طيعة في يد السلطة الفلسطينية ، ولسان الحال هنا يقول : " لقد أسمعت لو ناديت حياً...لكن لا حياة لمن تنادي".

بقي أن نشير إلى أن وقف تغول أجهزة أمن السلطة على المقاومة بكل أشكالها ، هي مسؤولية فصائل المقاومة، التي يتوجب عليها اشتقاق الوسائل التي تضع حداً للتنسيق الأمني، ورفع الغطاء الوطني عن هذه الممارسات التي تنتمي للردة وللثورة المضادة .